د. حمزة الحسن
احتكار السلطة في السعودية، وبين عائلة مالكة عدد أفرادها بالآلاف، وربما عشرات الآلاف نساء ورجالاً (بين ٢٠-٣٠ الف).. عملية شبه مستحيلة ومحفوفة بالمخاطر، والإنشقاقات الداخلية، ويصعب أن يتم الاحتكار للسلطة السعودية بين الأمراء وفق عملية تفاهم ومساومة سلمية وتقاسم أدوار ومغانم ومناصب! فتحويل وراثة الحكم من شكلها الأفقي (انتقالها من الاخ الى أخيه) وفق السن، أو وفق (الأصلح) حسب النظام الاساسي.. تحويلها الى الوراثة العمودية (من الأب الى الإبن)، يعطي الحكم في السعودية استقراراً أكثر، من جهة تخفيض عدد المنافسين على السلطة، والمتصارعين حولها؛ لكنها لا تلغي اصل الصراع.
اذا تمّ تجاوز مصاعب انتقال الوراثة من (الأفقية) الى (العمودية) وهو ما لم يتم حتى الآن، بدليل احتجاز معظم امراء العائلة الفاعلين، او اعتقالهم ومنعهم من السفر ومصادرة اموالهم.. لكن اذا تم ذلك، فسينتقل الصراع الى البيت السلماني نفسه: لماذا محمد بن سلمان هو الوريث وليس اخوته الآخرين؟
ستواجه الوراثة مشكلة انتقال السلطة من الأب الى الإبن. هل تنتقل الى الأكثر سناً، أم الى الأصلح، ومن يحدد الأصلح او الأرشد؟ حتى الآن لم تستقر الوراثة العمودية في انتقالها من الأفقية. حتى الآن لم يقبل الأمراء الخاسرون ذلك الإنتقال، الذي أفضى الى سيطرة محمد بن سلمان على السلطة كاملة!
من يدري، فلربما حتى بين البيت السلماني (ابناء سلمان الآخرين من سلطانة) من لا يقبل بمحمد بن سلمان ولياً للعهد ومن ثمّ ملكا على البلاد. أكاد أقول ان اخوة ابن سلمان غير الأشقاء غير راضين عما فعله ابوهم، على اختياره وتفضيله للداشر! هكذا فإن انتقال الوراثة من الأفقية الى العمودية صعب.
وهذا الانتقال عملية مستمرة، الى ان تخضع كل اجنحة العائلة لابن سلمان ملكاً! كل ابناء العمومة، كل الأجنحة داخل عائلة ابن سعود، واجنحة عوائل اخوته (ابناء عبدالرحمن الفيصل) وكل اجنحة آل فيصل بن تركي، وهكذا.. يجب اخضاعهم لقرار انتقال الوراثة الجديد. لكن من يقبل ان يتنازل طوعاً؟!
قد لا تكون هناك مشكلة كبيرة من اولئك الأمراء الأبعدون، فحصتهم اساساً في السلطة قليلة، وقد مرّ زمن طويل تقبّلوا معه احقية فرع ابن سعود للحكم. لكن ابناء المؤسس ـ بتعبيرهم يختلفون. هؤلاء لا يقبلون التنازل عن حقوقهم التي قد توصلهم الى ما وصل اليه ابن سلمان نفسه. هم ابناء عمومته!
تاريخياً.. وفي العوائل الحاكمة وفي كل الدنيا، كان هناك دوماً مشكلة الوراثة. وجدوا ان الوراثة العمودية أقل صعوبة. لكن يحدث الخلاف دائماً بين الأخوة بعد وفاة الملك. أو بين الإخوة مع أعمامهم بعد وفاة الملك. واحياناً تكون المعارك دموية.
قد يقال انه ولحد الآن، فان دماً (ملكياً!!!) لم ينزف بتعيين ابن سلمان الى ولاية العهد. لقد اقيل مقرن من ولاية العهد (ترغيباً وترهيباً) وحصل على مكافأته! وتمت الاطاحة بابن نايف، بتهمة مخدراته، ووضع في الإقامة الجبرية! أمراء آخرون تمت قصقصة اجنحتهم، بالاعتقال (ابناء الملك عبدالله)!
بعض آخر من الأمراء، مُنعوا من السفر، وسلبت أموالهم حتى لا يتمكنوا من استخدامها في الصراع او المنافسة (المحتملة) مع الداشر: (عبدالعزيز بن فهد ـ الوليد بن طلال، وآخرين). امراء آخرون لازالوا معتقلين. عشرات او مئات منهم ممنوعون من السفر. المهم.. وكما يظهر حتى الآن انه لم يتم قتل أحد!
لا نعلم ما اذا كان الامراء المعارضون المختطفون من الخارج أحياء ام لا؟ سنفترض أنهم احياء الى ان يجدّ جديد! تاريخياً، فإن عملية انتقال السلطة في العوائل الحاكمة الوراثية المطلقة، او في الامبراطوريات، غالباً ما يرافقها قتل ودم، ومن اسوأ التجارب هي الوراثة في الامبراطورية العثمانية.
في تاريخ ما سمي بالدولة السعودية، كان هناك خلاف على الحكم بين ورثة الحاكم الثالث (سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود)، ما افضى الى سيطرة عبدالله، وهو عمه وليس ابنه (فيما اتذكر)! في السعودية الثانية كان هناك دم قد جرى كثير: قتل تركي بن عبدالله، قتل قاتله، تمرد وتواطؤ خالد بن سعود!
لكن الأهم، هو صراع أبناء فيصل بن تركي (عبدالله X سعود ـ عبدالرحمن دعم سعود، ومحمد دعم عبدالله)، ونشوب الحرب الأهلية النجدية، ما ادى الى ضياع سلطة آل سعود، وسيطرة ابن الرشيد على نجد، وسيطرة العثمانيين (مدحت باشا) على الأحساء والقطيف في ١٨٧١.
لم تمر مسألة الوراثة بسهولة في ابناء ابن سعود مؤسس الدولة. ابتداءً كان عليه تخطي والده عبدالرحمن، وهذه مرت بيسر تقريباً. ثم كانت لديه منافسة ابناء عمّه سعود الفيصل (العرايف او العرافة) وصلت الى تحالفهم مع الشريف حسين ضده، وحلها ابن سعود بتزويج اخته نورة مع كبيرهم!
ثم جاءت مشكلة المنافسة بينه هو (ابن سعود) مع (اخوته) ابناء عبدالرحمن الفيصل. واذا كانوا ضعفاء في قباله، فإنهم كانوا يطمحون تولية ابناءهم المُلك بعد ابن سعود نفسه. حدث هذا مع محمد بن عبدالرحمن، الذي كان يهيء ابنه للحكم، فتم اغتياله، حسب الوثائق البريطانية المفرج عنها!
وفي عهد ابن سعود كان الخلاف كبيراً بين ثلاثة من ابنائه، كل منهم بيده قوة وحماسة للصراع. الأكبر كان سعود الذي اصبح ملكاً وكان وليا للعهد، ولم يقبل بذلك الآخرون. ثم فيصل، نائب الملك على الحجاز ووزير الخارجية. وهناك وزير الدفاع منصور الذي توفي مبكراً، وكان شرساً دموياً.
هناك شكوك حول وفاة منصور، الذي تقول الوثائق البريطانية انه لو كان حياً، لكان هو الملك بعد أبيه! مات الملك ابن سعود! عاش الملك سعود! كان ذلك في نوفمبر ١٩٥٢. في ١٩٥٨ شب صراع متوقع بين فيصل وسعود، وسيطر الأخير على كل السلطة، فانعزل فيصل ليعود اليها في ١٩٦٢، ثم ليشب مرة اخرى ١٩٦٤.
حينها تمت ازاحة سعود عن الحكم (عزله) تماماً. بل وطرده من البلاد، فاختار أثينا ليعيش فيها، ومن هناك حاول تدبير انقلاب او ثورة بالتفاهم مع عبدالناصر وعبر اليمن الجمهوري. لكن هزيمة ١٩٦٧ قضت على احلامه؛ ومات في ١٩٦٨، وجيء بجثمانه ليدفن في الرياض. حينها ايضا برز الجناح السديري!
ويشمل الاخوة السبعة: فهد، سلطان، عبدالرحمن، نايف، تركي، سلمان، أحمد. فيصل قُتل في مارس ١٩٧٥ على يد سميّه الأمير فيصل بن مساعد (ابن اخيه). قيل ان الأمر مدبر من فهد وهو الأرجح. وقيل انه مجرد ثأر، ففيصل قتل شقيق القاتل (خالد بن مساعد). تحولت الدولة الى سديرية، او هكذا اريد لها.
لكن ابو الشرين تنبه الى الأمر مبكراً واصرّ انه انما تنازل عن الحكم (بحكم سنّه) فإنما لشقيقه خالد، الذي كان ملكا اسمياً. كانت السلطة كلها تقريباً بيد فهد منذ ١٩٧٥ الى وقت اصابته بالجلطة في ١٩٩٦. في ١٩٨٢ مات خالد. واصر ابو الشرين محمد على ان يكون ولي العهد عبدالله رغم رفض السدارة!
كان ولي عهد اسمي، بلا سلطة حقيقية. سلطته انحصرت في الحرس، وكان ضمانته للسلطة. حاول السديريون تطفيشه او حتى القضاء عليه جسديا، لكنهم فشلوا. اصبح عبدالله ملكا في ٢٠٠٥ لعشر سنوات. اعطى ابناءه مناصب كثيرة في الامارات: الرياض مكة المدينة وغيرها. جاء سلمان في ٢٠١٥ فأكمل المسيرة لإبنه!
الملك سلمان جاء بمخطط رأيناه واضحاً. ـ التخلص من الأحياء من اخوته، فلا يكون لهم موقع في السلطة. ـ ايصال ابنه للسلطة تدرجيا (اقالة وليي العهد: مقرن ثم ابن نايف). ـ السيطرة على كامل السلطة: ازاحة متعب بحجة الفساد واعتقال اخوته الذين مازالوا في السجون. ـ ضرب ابناء العمومة الاقوياء!
الآن استولى ابن سلمان على كامل السلطة. الآن هو قد جربها واختبرها وتعلّم في رؤوس القرعان ادارتها! رغم فشله الاقتصادي والسياسي والعسكري، لا يوجد منافسون لديهم القدرة على مواجهته. لكن بقيت الخطوة الأخيرة: انتقال السلطة من أبيه الى ابن أبيه (الداشر).
بعضهم يقول ان العائلة ستهب بعد موت سلمان وتسقط ابنه، لأنه سيكون ضعيفاً. هذا كلام لا يُلتفت اليه البتة! بعضهم كل يوم يخرج لنا باشاعة: ابن سلمان قام بانقلاب على أبيه؛ ابن سلمان خائف من وفاة ابيه قبل ان يتمكن من الحكم فيصبح ضعيفا. الخ. الثابت انه لا يوجد أمير لديه قوة تواجه ابن سلمان!
الحديث عن مكانة احمد والتبشير به ووضعه في مواجهة ابن سلمان وشقيقه سلمان.. هذا كلام تافه، اللهم الا اذا كان الغرض تضخيم احمد لكي يتم اشعال النزاع الداخلي، وهو ترويج قطري في الأساس. احمد لا كاريزما ولا قوة ولا هم يحزنون. التعويل عليه في لم شمل العائلة ضد ابن سلمان لا اساس له.
اذن لماذا اعتقله ابن سلمان مؤخراً، اذا صحت الرواية؟ الارجح انه قد اقترب تحويل السلطة من سلمان الى صبيه الداشر. اما بفعل الموت، او بارادته بسبب العجز. لا يمكن الغاء احتمال ولو كان ضعيفاً، من ان كثرة الكلام عن دور وتحالف بين احمد وابن نايف (وقد كانا متخاصمين) قد عجل باعتقالهما!
شيء واحد مهم علينا مراقبته.. هل يكون انتقال السلطة من افقيتها الى عموديتها، قسراً بالدمّ؟ اظن اننا اقتربنا من ذلك.
__________
ـــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha