عادل الجبوري
بينما يواصل رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي حراكه الماراثوني لتشكيل الحكومة الجديدة ضمن السقف الزمني المحدد بثلاثين يوما، الذي سينتهي بنهاية الشهر الجاري، تشير التسريبات من داخل بعض الكواليس السياسية الى ان هناك ضغوطات ومساومات واملاءات تفرض عليه من هذا الطرف وذاك.
رئيس الوزراء المكلف اعلن منذ بداية التكليف انه سينتهج في تشكيل حكومته نهجا مختلفا عن السابق، يقوم على تجاوز المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية، والابتعاد عن الاطر والصفقات الكتلوية السياسية، والعمل على معالجة اخطاء وسلبيات الماضي.
ورغم مرور حوالي اسبوعين على تكليف علاوي بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة خلفا لحكومة عادل عبد المهدي المستقيلة، فأنه لم تتضح حتى الان معطيات ونتائج الحراك الذي شرع به علاوي وفريقه المساعد على مختلف القوى والاطراف السياسية وممثليات وتنسيقيات التظاهرات في بغداد والمحافظات، وحتى التسريبات المشار اليها، التي خرجت من هنا وهناك، فأنها لم تشر الى شيء واضح وملموس، لانها على ما يبدو لاتعدو كونها توقعات وافتراضات وبالونات اعلامية، يراد منها في بعض الاحيان جس النبض، وفي احيان اخرى التحذير من تكرار اخطاء وسلبيات وهفوات الماضي، وفي احيان اخرى تمثل ضغوطات واملاءات لقضايا وخيارات معينة.
الاطراف غير المتحمسة لمجيء علاوي، والمتوجسة والقلقة حيال مايمكن ان تحصل عليه من مغانم ومكاسب، والتي هي في ذات الوقت تتجنب اظهار ما تفكر به وتتوجس منه، ربما راحت تطلق البالونات الاعلامية، وتثير المخاوف، وتعمق الهواجس، مثلما فعلت بالضبط مع عبد المهدي في السابق، وهي تخطط انه في حال نجاح الحكومة الجديدة فأنها ستؤكد دعمها ومساندتها وتأييدها، وفي حال فشلت، فأنها ستركب موجة المعارضة والرفض، وتعيد التذكير بأنها حذرت ونبهت، ولم تؤيد ذلك التكليف منذ البداية.
اما الاطراف التي حذرت من الوقوع بأخطاء وسلبيات الماضي، فأنها تدرك تمام الادراك، ان حكومة علاوي تمثل الفرصة الاخيرة، ونجاحها يعني اجتياز منعطف خطير جدا، اما فشلها، فسوف يؤدي الى بلوغ مرحلة الانسداد السياسي، والذهاب الى اسوأ الخيارات، ولعل المرجعية الدينية في النجف الاشرف، اطلقت خلال الشهور الاربعة الماضية، اي منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية في العراق مطلع شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي، تحذيرات جدية لما يمكن ان تؤول اليه اوضاع البلد في حال لم تتدارك القوى السياسية المعنية الامر، وتضع حدا لحالة التداعي السياسي والامني والمجتمعي الخطير.
في حين لم تخف قوى سياسية كردية وسنية حقيقة مواقفها حيال حكومة علاوي، فبعض الاكراد-وتحديدا الحزب الديمقراطي الكردستاني-ربطوا تأييدهم ودعمهم، بضمان حقوق اقليم كردستان، في ذات الوقت الذي تؤكد مصادر خاصة، انهم يصرون على الاحتفاظ بنفس حقائبهم الوزارية الحالية، وهي حقيبتي المالية والاسكان والاعمار، وهذا ما لايمكن القبول به، وفق مطالب الحراك الجماهيري السلمي، ودعوات المرجعية، وتعهدات علاوي نفسه.
اضف الى ذلك، فأن قوى وشخصيات من الفضاء السني، استبقت الاعلان عن التشكيلة الحكومية بحملة اعلامية وسياسية حادة، لان الامور لم تسير على هواها، واتهمت قوى وشخصيات من ذات الفضاء، من التي ابدت مواقف ايجابية، بالخيانة.
ولعل الاطراف المعرقلة والمنتقدة، تسعى الى السير بنفس المسارات السابقة، لانها من جانب تفكر بمصالحها الخاصة، ومن جانب اخر مطلوب منها ان تنفذ اجندات خارجية.
وتتحدث مصادر مطلعة على بعض مجريات الكواليس، عن ضغوطات وتدخلات اميركية وبريطانية على رئيس الوزراء المكلف، لصياغة تشكيلة حكومية وفق مقاسات واشنطن ولندن وعواصم اقليمية قريبة منهما، وتذهب المصادر الى ان الخطة باء للاخيرتين تتمثل في افشال مهمة التكليف برمتها، حتى يصار الى البحث عن بديل اكثر قربا اليهما وانسجاما معهما.
وبسبب ضغوطات المرجعية والشارع، والمواقف المتوازنة لبعض القوى السياسية، وعدم استعداد علاوي للخضوع الى الاملاءات، يبدو ان مساعي واشنطن ولندن لن يكتب لها النجاح، دون ان يعني ذلك، ان الطريق ستكون سالكة بالكامل امام رئيس الوزراء الجديد، علما ان نجاح الاخير في تشكيل الحكومة ونيله ثقة البرلمان، لن يكون نهاية المطاف، فهو سيكون امام تحديات كبيرة جدا، جراء عراقيل ومعوقات الداخل والخارج، والملفات الشائكة والمعقدة التي يفترض حسمها او على الاقل حلحلتها، من قبيل اجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وانهاء التواجد الاجنبي في البلاد، وتنفيذ الاتفاقية العراقية-الصينية، والاستجابة العملية والفعلية لمطالب المتظاهرين السلميين، المتعلقة بتحسين الخدمات الاساسية ومواجهة الفساد، واعادة بناء منظومات وهياكل الدولة على اسس ومرتكزات جديدة وسليمة، تنهي مختلف المظاهر السلبية القائمة.
والامر المهم هنا هو ان كل ذلك محدد بفترة زمنية لاتتجاوز في افضل الاحوال عاما واحدا لا اكثر، في ظل مشهد سياسي لايختلف كثيرا عن المشهد السياسي الذي انبثقت منه حكومة عبد المهدي في خريف عام 2018، ان لم يكن اكثر تعقيدا وتشابكا وتداخلا منه.
ولاشك ان النجاح المطلوب، لايرتبط بشخص رئيس الوزراء فحسب، وانما هناك عوامل اخرى تساهم به، ومتى ما تظافرت تلك العوامل بصورة حقيقة عبر رؤية واضحة وملموسة، يمكن حينذاك الحديث عن نجاح او نجاحات حقيقية يلمس المواطن العادي مصاديقها ومعطياتها على ارض الواقع.
بعبارة اخرى ان صدق ونزاهة وحرص ورؤية علاوي لاتكفي وحدها لبلوغ الاهداف.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha