د . جواد الهنداوي
السيادة ، مفهوم قانوني وسياسي و أحد مكوّنات الدولة ، هو المستهدَفْ الأول مِنْ قِبل استراتيجيات و سياسات الإدارة الأمريكية .استهداف سيادة الدول هو المرتكز الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية ، و هذا الاستهداف لا يعني العراق فقط ، ولا يعني الخصم و إنما يخصُ أيضاً الحليف و الصديق . استعداء سيادة الدول و استهدافها هي من الوسائل الإمبريالية لضمان استمرار الهيمنة الأمريكية و استمرار فاعلية القرار الامريكي دولياً و أُممياً .
كيف تتُرجمْ امريكا استهدافها لسيادة الدول ؟
بسياسات الحصار على البعض ،و العقوبات على البعض الآخر ، و فرض الإتاوات و ابتزازهم بالمال والثروات ، و الاستيلاء ميدانياً على حقول نفط و سرقتها (سوريا ) ، و تهديد دول أخرى (اوربا) ، تقويض قرارات و قوانين واتفاقيات دولية و أُممية داعمة لسيادة وا ستقلال و اقتصاد الدول ، دعم وتسليح جماعات مسلحّة ( داعش و أخواتها ) ، دعم الفوضى الخلاقة و غير الخلاقة في كل دول العالم بحجّة الديمقراطية و حقوق الإنسان .
جميعها وسائل أُ ستخدِمت و لاتزال قيد التوظيف ، من قبِل امريكا و اسرائيل وعملائهم في منطقتنا وفي العالم .
ماذا عن امريكا وسيادة العراق ؟
أسقطت امريكا نظام صدام ، و لكنها أسقطت أيضاً الدولة و قًوّضتْ مقوماتها ، حررّت العراق من نظام ديكتاتوري ، ولكنها سعت و تسعى الى مصادرة سيادته وتولي أمرهِ و فرض ارادتها ، وجعله ساحة لاستعداء أيران ، و أضعافه ،ثُّم وفي الوقت المناسب تقسيمه ولمصلحة اسرائيل و حلفائها .
دخلَ التآمر الامريكي و الصهيوني على سيادة العراق ، و بقوة و بشرعية أُمميّة ، حين وضعوه تحت طائلة عقوبات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، جرّاء احتلال الكويت ، و بحجّة و بذريعة "العراق يهدد الامن العالمي و السلم العالمي " ،وليس فقط بذريعة " الاعتداء على دولة أخرى او احتلال دولة " ،و وفقاً للمادة ٣٩ من ميثاق الأمم المتحدة .تحررت الكويت وبقي العراق تحت الفصل السابع ، بذريعة تهديده للأمن والسلم العالمّين . سقطَ نظام صدام وبقي العراق تحت الفصل السابع ، بسبب ذات الحجّة . وقّعَ العراق الجديد اتفاقية أمنية و استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها صديق استراتيجي للعراق ،واستمّر العراق و قانونياً تحت طائلة الفصل السابع ، و ليومنا هذا .
استمرار العراق تحت الفصل السابع ، بأعتباره يهدد الامن والسلم العالميّن ، يعني استمراره بلد منقوص السيادة ، ويجوز لقوات دولية او أمريكية دخول أراضيه وبموجب قرارات مجلس الامن المُتخذه ، وفقاً للمادة ٣٩ من ميثاق الأمم المتحدة ، ولانه لا يزال يهدد الامن العالمي .
اعتادت امريكا على التعامل مع العراق دولة ، ولكن بهذا المقدار من السيادة ، وما زيارات كبار المسؤولين الأمريكين الى العراق ودون تنسيق مع العاصمة (كزيارة نائب الرئيس بنس قبل أيام ) الاّ تعبيراً عن هذا التعامل ، وكذلك فرضها عقوبات على شخصيات عراقية و مطالبة الحكومة العراقية بمحاسبتهم ،و محاولاتها بفرض الإملاءات على العراق سياسياً وعسكرياً واقتصادياً .
و كلمّا أنحبسَ النفوذ الامريكي في المنطقة و لصالح نفوذ روسيا و الصين و ايران ، زاد الضغط الامريكي على العراق ، وأصبحت سيادته هي الضحيّة . خسارة امريكا لنفوذها في سوريا ولبنان واليمن وتركيا لصالح روسيا والصين و أيران دفعها للتمسّك في العراق اكثر و اكثر .
سعي امريكا لتشديد قبضتها على العراق قد ينعكسُ ،في المستقبل ، سلباً عليها ، وخاصة إذا بقيَّ العراق في دوامة الافتقار للاستقرار و للتطور الاقتصادي وللحكم الرشيد و لكامل سيادته . و نشكُ في إرادة امريكا و قدرتها على التعامل مع العراق دون الانتقاص من سيادته ،وعلى النهوض في العراق لسببيّن اساسييّن :
الأول هو ان امريكا تتعامل مع دول المنطقة ، ومنها العراق ، وفقاً لما تقتضيه ،ليس المصلحة الأمريكية ، وانما المصلحة الاسرائيلية.
والسبب الثاني هو ان امريكا تتعامل مع دول المنطقة ، وخاصة العراق ، وفقاً لما يقتضيه صراعها مع أيران . لا المصلحة الاسرائيلية و لا الاستعداء لإيران يسمحان لأمريكا بتعامل حيادي و إيجابي لا مع دول المنطقة و لا مع العراق .
منطقتنا عانت و تعاني من عدم الاستقرار و من التخلف ، وكان لأمريكا آنذاك هّماً واحداً في المنطقة وهو اسرائيل ، فماذا نتوقع ان يكون عليه أمن و استقرار و تطور المنطقة و لأمريكا الآن هَمّان في المنطقة : هّمْ اسرائيل و هّمْ أيران .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha