عادل الجبوري
قبل حوالي تسعة شهور، وتحديدا اواخر العام الماضي، شنت قناة الحرة الاميركية هجوما حادا ولاذعا ضد الحشد الشعبي، وساقت جملة اتهامات له بالفساد والسرقة والتهريب والقتل والاغتصاب، وما الى ذلك، ضمن حملة تسقيط مبرمجة وومنهجة، تبنتها الولايات المتحدة الاميركية واطراف دولية واقليمية اخرى، في سياق الحرب الناعمة ضد كل القوى والكيانات والدول المعارضة لسياساتها وتوجهاتها العدوانية، تعزيزا للحروب والصراعات العسكرية المسلحة التي تديرها وتتحكم بخيوطها في المنطقة.
واليوم، اقدمت "الحرة" على خطوة اخرى لتعزيز دورها وحضورها وموقعها في حملات التسقيط الاميركية-الصهيونية، حينما عرضت برنامجا استقصائيا، اشتمل على اساءات وتجاوزات واضحة وصريحة ضد المؤسسات الدينية في العراق، وتكرار لذات الاتهامات والافتراءات والتخرصات التي ساقتها ضد الحشد الشعبي في وقت سابق.
ورغم ان القناة المذكورة، حاولت ان تبدو موضوعية ومهنية ومحايدة في طرحها، الا انها في واقع الامر فشلت في ذلك، وعجزت عن اخفاء حقيقة الجهات التي تحركها وتوجهها، والاجندات المراد منها تنفيذها.
ولم يعد خافيا على اي متابع، الابعاد الخطيرة للحرب الثقافية والفكرية الناعمة التي تشنها واشنطن ضد المجتمع العراقي، وهوية وطبيعة الادوات المنفذة لها، سواء كانت تلك الادوات، شخوصا او دولا او منظمات ومؤسسات ووسائل اعلام.
وهذه الحرب الناعمة، تستهدف تشوية القيم الدينية والاخلاقية والاجتماعية السليمة، وزرع الفتن وبث روح اليأس والاحباط في نفوس الناس، والتشكيك بكل ما هو قائم، ونشر ثقافة التحلل والابتذال ومحاربة الدين والتجاوز على المقدسات.
ولعل ما يبث من برامج واعمال درامية في بعض القنوات الفضائية المحلية وغير المحلية، فيها الكثير من الاساءات والتجاوزات ومظاهر التفسخ الخلقي، وما يطرح من موضوعات جدلية مثيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال بعض المنابر الثقافية والسياسية، يؤشر الى طبيعة وحقيقة الاهداف الكامنة وراء الاستهداف والتسقيط والتشهير الاعلامي ضد الحشد الشعبي، ومن ثم ضد المؤسسات الدينية والقائمين عليها.
وما هو واضح، ان مظاهر وتجليات الاستهداف الثقافي والفكري، اخذت تبرز بصورة اكبر وعلى نطاق اوسع بعد تحقيق الانتصار العسكري الكبير على تنظيم داعش الارهابي، وقد يفهم من ذلك، ان ما لم يتحقق بواسطة ذلك التنظيم الارهابي الخطير، ينبغي ان يتحقق بأدوات ووسائل اخرى.
فالحشد الشعبي، والمؤسسة الدينية-التي تمثل المرجعية الدينية عنوانها الابرز-كانتا ومازالتا، تمثلان اهم شواخص ومعالم المرحلة الراهنة، الممتدة من العدوان الداعشي على البلاد، وحتى هذه اللحظة، ولاشك انهما يتقاطعان مع مجمل المشاريع والاجندات الخارجية التخريبية، ولن تنتهي حالة التقاطع بين الطرفين بتاتا.
ولعل واشنطن، ومعها حلفائها واتباعها، ادركوا منذ وقت مبكر تلك الحقيقة، وراحوا يعملون عليها بكل ثقلهم المالي والاعلامي والمخابراتي.
وبما ان بقاء الحشد الشعبي، كعنصر قوة في المنظومة الامنية والاجتماعية العراقية، يهدد المصالح الاميركية-الصهيونية، فأنه من الطبيعي جدا، ان يوضع في دائرة الاستهداف على الدوام، مرة من خلال قصف مواقعه ومقراته بالطائرات، ومرة بأدراج اسماء قادته في قوائم الارهاب التي تعدها وزارة الخارجية الاميركية، ناهيك عن المساحات الواسعة التي تخصص في وسائل الاعلام لتشويه صورته.
ونفس الشيء بالنسبة للمؤسسة الدينية، التي تعرضت بمختلف مستوياتها وعناوينها ومفاصلها للكثير من السهام، واذا كان الاستهداف الاخير لها من قناة الحرة، هو الاكثر جرأة وصلافة ووقاحة، فأنه بلا شكك لن يكون الاخير.
وحينما شنت حملتها على الحشد الشعبي قبل تسعة شهور، كتبنا انه "من المتوقع أن تحاول (الحرة) خلط أوراق المشهد السياسي العراقي، لتكمل ما تقوم به دوائر سياسية وعسكرية واستخباراتية اميركية في ميادين أخرى، ومن المتوقع ان تعمل على دق اسفين الفرقة والاختلاف والتقاطع بين مختلف المكونات والشخصيات السياسية والاجتماعية العراقية، وبين العراق وبعض جيرانه وأطراف محيطه الاقليمي، بصورة هادئة نوعا ما حتى تنطلي على من يتعاطي مع الأمور بسطحية وسذاجة وحسن نية، وهذا ما يتطلب معالجات عملية وواقعية، انطلاقا من المصالح الوطنية، وفي اطار السياقات القانونية، من قبل أصحاب الشأن والقرار".
وقلنا ايضا انه "وفق التوجهات الجديدة للقناة، فإنه يفترض أن توضع عناوين ومسميات من قبيل الحشد الشعبي، وحزب الله، والمقاومة، وأنصار الله، وايران، في دائرة الاستهداف المباشر، وربما كان التقرير التحريضي الأخير ضد الحشد أول الغيث وليس آخره!.. وسيجد المتابع كثيرا من التحريض والتأليب والتزييف عبر سلسلة برامج جديدة، عناوينها واسماؤها تكشف عن ماهية مضامينها وتوجهاتها، مثل "في الممنوع"، و"اسلام حر"، و "هوليود نيوز"، و"الحكي سوري"، و"عاصمة القرار"، و"الحرة تتحرى"، و"المرتدون الى اوطانهم"، و"سام وعمار"، و"مختلف عليه".
وهي -اي الحرة-بعد استهدافها للحشد والمؤسسة الدينية، بشكل صارخ وصريح، ستعمد الى فتح ملفات اخرى، وتثير قضايا زائفة، لا لشيء سوى خلط الاوراق واثارة الفرقة والخلاف، كما اشرنا الى ذلك سابقا.
واذا كانت ردود الافعال العراقية الغاضبة على كل المستويات، وبشتى العناوين والمسميات، ازاء تجاوزات واساءات "الحرة"، طبيعية ومتوقعة، وجاءت لتعكس التوجه العام للمجتمع العراقي، فأن التبريرات التي ساقتها السفارة الاميركية في بغداد عبر بيان خاص عن ما بثته الحرة، بدت هزيلة وغير مقنعة بالمرة، لاسيما حين ادعت، ان وزارة الخارجية الاميركية لاتملك سلطة رقابية على القناة، وليس لها دور في توجيه وصياغة محتواها.
ولو افترضنا جدلا ان السفارة صادقة في ادعائها، فهل يعقل ان لاتكون هناك جهة عليا في الولايات المتحدة الاميركية معنية بتمويل القناة ورسم سياساتها وتحديد توجهاتها، بما ينسجم مع استراتيجيات واشنطن وحساباتها ومصالحها؟.. وهل يعقل ان اشخاصا عاديين في مقر ادارة القناة او في مكتبها ببغداد، قرروا شن حملات تسقيطية على الحشد الشعبي وبعد ذلك على المؤسسة الدينية، دون ان تأتيهم توجيهات واوامر واضحة ومفصلة من مراكز صنع القرار في البيت الابيض او الخارجية او البنتاغون او السي اي ايه؟.
لم تعد مثل هذه التساؤلات والاستفهامات بحاجة الى اجابات وتوضيحات، لان الكثير من الوقائع والحقائق والارقام والمعطيات، اجابت ووضحت وشرحت وفسرت.
وما يصدق على "الحرة" يصدق على غيرها، وما يصدق على برنامجها السيء "الحرة تتحرى" يصدق على برامج تسقيطية اخرى عديدة تظهر على اكثر من شاشة عراقية وغير عراقية، واغلب الظن اننا سنشهد المزيد من حملات التسقيط والتشهير بذات الوسائل والادوات والاساليب، وكذلك سنشهد المزيد من الخيبات الاميركية المتتابعة.
ــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha