عادل الجبوري
ما زالت ردود الأفعال العراقية الرافضة والغاضبة، حيال ما أطلق عليه مشروع قانون "منع زعزعة استقرار العراق" الأميركي، تتوالى، مع استمرار الحراك والسجال السياسي في واشنطن بهذا الخصوص، لا سيما في ظل التقاطعات والخلافات العميقة بين الديمقراطيين والجمهوريين.
ولا شك أن ردود الأفعال الرافضة والغاضبة، تمحورت حول حقيقة مهمة وحساسة للغاية، ألا وهي أن مشروع القانون المذكور - كما هو الحال مع مجمل الخطوات والاجراءات والقرارات الاميركية بشأن العراق - يعد تدخلًا سافرًا وانتهاكًا صارخًا للسيادة الوطنية، وهذا ما تتفق وتتوافق عليه كل مكونات الطيف السياسي العراق الواسع، عدا استثناءات قليلة.
وتتجلى حقيقة التدخل والانتهاك، من خلال معطيات ومؤشرات عديدة، لعل من بينها، أن ذلك المشروع يتناقض مع مبادئ الدستور العراقي، ويتناقض مع الضوابط والسياقات السليمة التي تحكم وتحدد العلاقات بين الدول، الى جانب كون القانون ينطوي على نزعات عدوانية واضحة وصريحة.
وفي نطاق أوسع، وعلى ضوء القراءة التي تأخذ بعين الاعتبار طبيعة التفاعلات والأحداث في المنطقة، يبدو واضحا أن مشروع القانون الاميركي، يستهدف بالدرجة الأساس فصائل وشخصيات وقوى محور المقاومة.
مشروع القانون يمنح وزير الخارجية الأميركي مدة 90 يومًا لتقديم موجبات التصنيف الارهابي لمنظمات وشخصيات عراقية
وما ينبغي هنا التنويه اليه هو أن خلفيات مشروع القانون تعود الى العام الماضي، وأنه جاء في سياق اجراءات أميركية مماثلة، من قبيل ادراج عدد من فصائل الحشد الشعبي على قائمة المنظمات الارهابية التي تصدرها وزارة الخارجية الأميركية سنويًا، اضافة الى اقدامها مؤخرًا على فرض عقوبات ضد أربع شخصيات عراقية، وتجميد حساباتها المصرفية، في الوقت الذي تذهب بعض التسريبات الى نية واشنطن اصدار قوائم أخرى في هذا السياق، تضم عشرات الشخصيات السياسية وقادة الحشد الشعبي.
وفي الاطار العام، لا يخرج مشروع القانون الاميركي القديم - الجديد عن هدف واشنطن الاستراتيجي، المتمثل، ليس بالبقاء في العراق فقط، وانما بتوسيع وترسيخ وتثبيت ذلك البقاء، لتتمكن عبره من تصفية حساباتها مع بعض خصومها، وضمان أمن حلفائها واتباعها، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني.
والمسؤولون في واشنطن لا يُحرَجون من الاعتراف والافصاح عن نيتهم البقاء في العراق، فمثلًا يقول السفير الاميركي في بغداد ماثيو تويلر بشكل واضح في آخر تصريح صحفي له "ان الوجود الأميركي هو ضمن التحالف الدولي وبموافقة العراق"، ويدعي بأنه يسمع كثيرًا من قادة العراق الأمنيين "ضرورة بقاء قواتنا هنا لمواجهة "داعش"، وسنبقى بالطبع".
ولعل المفارقة الملفتة - المضحكة - برزت في تصريحات السفير تويلر بقوله "ان العقوبات التي فرضت على اربع شخصيات عراقية، تأتي ضمن قانون أقره الكونغرس، يعطي له الحق بفرض عقوبات على شخصيات اجنبية تهدد الاستقرار في بلدانها"، مشيرا الى انه "تم استخدام تلك الصلاحيات عدة مرات وفي عدة دول وليس في العراق فحسب، وان قرار فرض العقوبات على هؤلاء يدعم ويقوي سيادة العراق"!
ويفهم من كلام السفير أن حكام بلاده يصدرون القوانين التي تتيح لهم شن الحروب وفرض العقوبات على الآخرين، وحينما تتصاعد الاعتراضات عليهم، يستندون الى تلك القوانين التي وضعوها هم بأنفسهم ووفق مقاسات مصالحهم ونزعاتهم العدوانية.
وازاء مجمل التفاعلات المرتبطة بمشروع القانون، والاجراءات الأميركية الأخرى، والتصريحات الاستفزازية الأخيرة للسفير، ليس غريبًا ولا مفاجئًا أن ترتفع الأصوات المطالبة في الاسراع بتشريع قانون اخراج القوات الأجنبية من العراق، وطرد السفير، واعادة النظر بطبيعة العلاقات بين بغداد وواشنطن، بما يحفظ ويصون السيادة العراقية، ويضع حدًا للتجاوزات الاميركية.
وطبيعي، أن تكون هناك أصوات داعمة للسياسات والتوجهات الأميركية في العراق وعموم المنطقة، بيد أنها تبقى بمستوى أقل بكثير من الأصوات الرافضة، وهذا - مع واقع الوضع الداخلي الأميركي المرتبك والمضطرب جراء الصراعات والاحتقانات الحادة بين الفرقاء، التي قد تصل الى عزل واقالة الرئيس دونالد ترامب - سيجعل من مشروع قانون "منع زعزعة استقرار العراق" حبر على ورق ليس الا.
https://telegram.me/buratha