التقارير

البحث العلمي ..جرح في القلب يدمي...

2758 2019-07-21

أ.د.ضياء واجد المهندس

 

بعد تخرجي في ١٩٨٣ من كلية الهندسة ، ولكوني من الاوائل على الكلية ،ظهر تعيني في مجلس البحث العلمي / مركز بحوث البناء في قسم العمارة والبيئة ، واستلمت مسوؤلية المختبرات في القسم لكوني الشاب الوحيد في القسم ، اما البقية فهن من المعماريات النابغات..تربيت على النهج العلمي وحب التجارب و بناء النماذج التجريبية و محاكاة الانظمة الحرارية والابنية  ودراسة متغيرات المناخ و البيئة و تراكيب الابنية ومقاطعها واشكالها .لثلاث سنوات في المجلس كانت حياتي تعلم و اكتشاف المفاهيم الاساسية والمقدمات الصحيحة للبحث العلمي .ولاني كنت راغبا" في تعلم الكثير ، فقد اعتدت ان البس (الجينز) و ( التي شيرت) وقمصلة الجلد و(الترين شوز) ، و لا تفرقني بين العمال والفنيين الذين تربطني بهم علاقات طيبة ، فيعملون ما اريد دون موافقات اصولية ..واتذكر ان خلاف حدث بيني وبين احد الباحثات في مركز بحوث الطاقة الشمسية عندما طلبت من زميلات في قسم العمارة والبيئة ان لا اندمج مع الفنيين والعمال لان فيها اساءة للباحثين والمركز الاداري و الاجتماعي ، و قد تم تسوية الامر عندما قدمت لها خدماتي في بناء منظومة بحثية بطلب منها و توسط من صديقتها ، وكانت دائما ما تقول انت غريب الاطوار تنفعل ولا تحقد ، تصادق من لا يحبوك ، و قريب من الذين يحبوك ، لانك مغرور علينا ، بسيط مع العمال .وحقيقة الامر ان لست مغرورا بل كنت اؤمن بالمعاملة بالمثل الى ان هداني الله الى ان اعمل بالتعامل بالعفو والاحسان و ان احب لغيري ما احب لنفسي وان اقدم مايرضاه الله لي وللناس.. عندما انتقلت الى هيئة الطاقة الذرية اصبحت مسؤول عن التصاميم الحرارية للبطانات و لمجمعات تخصيب اليورانيوم ، وكانت فرصة ان اتعلم و اطبق واختبر كل التقانات المتقدمة بامكانيات كبيرة متاحة ، لكن تغيير اسلوب عملي ، ان اضع حدود بسيطة بيني وبين الفنيين بناء" على نصيحة زميلاتي المعماريات لان عمل المجموعة باسلوب العائلة والجو الديمقراطي الحر مفقود في العراق كما ابلغني ...في كلية الهندسة في الجامعة المستنصرية ، معظم الاجهزة تعرفني ولو انطقها الله لحكت قصتها معي في نصبها او صيانتها او تعييرها .كانت حياتي الجامعية رتيبة و قاسية ، انهض بعد اذان الفجر لاصلي وافطر وانطلق للكلية لاكون من يفتح باب الكراج صباحا" ، واعود بعد صلاة المغرب لاكون اخر من يخرج من الكلية ليقفل باب كراجها و طول الوقت بين طلابي من الماجستير والدكتوراه وزملائي الباحثين نعمل في المختبر الذي اسسته وجهزته بمالي الخاص وتخرج من المركز البحثي اكثر من ٨٨ طالب دراسات عليا من الماجستير والدكتوراه وعشرات من الاساتذة ترقوا من بحوث في هذا المركز البحثي الذي استولى عليه اقطاب الفساد و دمروه...

كانت المختبرات مشاعة للجميع منذ ٢٠٠٥ وحتى ٢٠١٥ ، التي كنا قدمناها للوزارة لتكون (مركز بحوث البيئة والمياه والطاقة ) ، وحصلت على موافقة مجلس كلية الهندسة و مجلس الجامعة المستنصرية و دائرة البحث والتطوير قبل ان يتم التريث باستحداثها من قبل هيئة الراي في ٢٠١٤من ضمن ١٤ مركز بحثي في جامعات العراق في زمن الوزير الشهرستاني الذي لم يكن يعنيه العلم والتعليم والعراق .. ولكوني لازلت مدمن الحب للعراق والتعليم والبحث العلمي ، بدأت دراسة منذ ٢٠١٥ حول ( ازمة البحث العلمي في العراق) ، ولم اجد وسيلة غير الاتصال باكبر عدد من التدريسيين من الخبرات الكبيرة لاتدارس واتحاور معهم على ما وصلنا اليه من انتكاسة حقيقة في البحث العلمي في العراق الذي كان في صدارة الدول النامية ذات المراكز البحثية المتقدمة والمعروفة بالبحوث الرصينة ...

تم اعتماد اسلوب الاستبيان المكتوب والحوار المباشر والاستطلاع عن طريق طرح مشاكل البحث العلمي في العراق دون كتابة الاسماء الذي تردد الكثيرين في ذكر اسماءهم خشية ان يتعرضوا للمساءلة من قبل الوزارة ، بالرغم ان الموضوع برمته لا يستهدف الوزارة بل يتصدى لمشكلة مهمة تخص الواقع العلمي والتنموي والحضاري للعراق...يشكل البحث العلمي الحلقة المكملة للتعليم العالي في ربط سلسلة البناء الحضاري والتنموي لاي بلد ، فهو يربط بين المجتمع بموارده البشرية وقدراته الاقتصادية والاجتماعية والمالية ، وبين الانشطة الاقتصادية بكافة اوجهها الصناعية و التجارية و الزراعية والسكنية ، وكلاهما يغذي الاخر ، فالتقانات المتقدمة و براءات الاختراع والابتكارات تمنح المجتمع فرصة لمواكبة التطور في العالم ، والمجتمع بموارده البشرية و امكاناته المادية يمد البحث العلمي بالبنى التحتية ومقومات العمل والابداع ..

اظهرت نتائج الاستطلاع صورة سوداوية بائسة لوضع البحث العلمي ، ٧٣٪ من مجموع الباحثين ال ٢٤٠ الذي شملهم الاستبيان يذهبون الى عدم اهتمام الدولة و ١٢٪ يلقى باللوم على عدم جدية الباحثين ، اما ال ١١٪ الاخر فيعتقد ان  سياسة الوزارة اثرت على ديمومة البحث ، ٤٪ من الباحثين يرجع السبب الى تركيز الوزارة على طبيعة  بحوث الترقيات و الدراسات العليا التي لم تظهر قيمة للبحث العلمي وامكانية الاستفادة منه..

اظهر الاستبيان ان اسباب تدهور البحث العلمي يعود :

٥٣٪ الى عدم وجود بيئة حاضنة للبحوث العلمية التطبيقية ..

٣١٪ الى عدم وجود بنى تحتية للبحوث.

٩٪ الى عدم اهتمام الوزارات ومجلس الوزراء بالاستعانة بالخبرات العراقية ومراكزها البحثية في حل مشاكل الوزارات.

٣٪ عدم اهتمام ادارات الجامعات والعمادات و ادارات المراكز البحثية في البحوث العلمية التطبيقية النفعية .

٢٪  الى عدم وجود جو من التفاهم والتفاعل المشترك بين التدريسين او الباحثين لاقامة بحوث علمية متقدمة رافدة للمجتمع بالحداثة والتطور ..

١٪ الى عدم قناعة المجتمع وثقته في البحث العلمي العراقي و رصانته.

١٪ فساد المنظومة التعليمية و اعتماد البعض على استغلال منصبه الاداري وعلاقته في سرقة جهود الاخرين ، احبط المبادرين والمحتهدين في مجال البحث العلمي والابتعاد عن مسيرة الريادة والابداع..

ولغرض معرفة سبب انعدام البيئة الحاضنة للبحث العلمي و التي تشكل اهم مقومات البحث العلمي، و الذي عزاها الجميع الى عدم وجود بنى تحتية متقدمة لبحوث تطبيقية متقدمة وغياب الارادة الصادقة في استكمال المتطلبات الاساسية للبحث العلمي ..اظهرت نتائج الاستبيان ان ذلك يعود الى مايلي:

٤٤٪ الى غياب التمويل و تعقيدات الياته..

٢٨٪ عدم وجود مختبرات متقدمة واندثار وفقر معظم المختبرات الحالية.

١٢٪ عدم وجود اجهزة ومعدات و مقاييس و منظومات و ادوات مختبرية اساسية للبحوث العملية  والتطبيقية ..

١٠٪ عدم وجود اليات ونظام و ضوابط و لوائح للابحاث المتقدمة والتوقيتات و السلامة المهنية والحماية الفكرية..

٣٪ غياب الادارة الرشيدة للفرق والمجاميع البحثية وتدخل الادارات بعملهم مما شكل عامل معرقل لاداء البحوث وليس عامل مساعد..

٢٪ عدم وجود تقييم منصف ، و شيوع استغلال المنصب الاداري في الاشتراك الوهمي بالبحوث ، واعتماد العلاقات والمصالح المتبادلة في السيطرة على مجاميع الفرق البحثية ..

١٪ غياب الوعي لدى الوسط الخدمي الجامعي في اهمية البحث العلمي التطبيقي و عدم اخضاعهم للتثقيف و التوعية العلمية ..

وبالرغم ان هناك الكثير من تفاصيل اسباب تخلف البحث العلمي في العراق في العقدين المنصرمين الا اننا ركزنا على مقترحات الباحثين والتي اظهرت مايلي :

٢٥٪ من الباحثين يجب ان يكونوا من الاساتذة والكفاءات وان اخراج بمقدار هذه النسبة من المتقاعدين من الكليات الاهلية قد يفقد الوسط الجامعي الاهلي التواصل العلمي بين الاجيال ويضيع مفاتيح الخبرة المتراكمة ..

٢٣٪ ضروؤة الزام الوزارات وموؤسسات الدولة في التعاقد مع المراكز البحثية اوالمجاميع البحثية في الكليات العلمية لحل مشاكل الوزارات والتعجيل في اعادة هيكلتها.

٢٢٪ التخصيص المالي من النفط بمشروع تمويلي متقدم للاستثمار البحثي في تاهيل الانشطة الاقتصادية لموؤسسات الدولة .

١٨٪ اعادة هيكلة المراكز البحثية والاستفادة من الخبرات المتمرسة في وزارة العلوم والتكنولوجيا، وفي منشاءات التصنيع المنحلة و وزارة الصناعة في تشكيل حملات التاهيل والاعمار ..

٧٪ التخطيط العلمي المبرمج للوصول الى استراتيجية التنمية المتكاملة المستدامة و تشكيل حلقات مترابطة مع وزارة التخطيط والمالية والتعليم العالي و هيئة البحث العلمي المتوقع اعلان انشائها..

٥٪ التدريب والتوعية وعقد الورش والندوات والمؤتمرات لتفعيل العقل العلمي التطبيقي في البحث العلمي و الريادة في تقنيات المستقبل..

مذ طلبت من زميلاتي د.هنادي ود.نبراس وهن من طالباتي المتميزات ان نتعاون في انضاج بحث حول ( ازمة البحث العلمي في العراق: دراسة استقصائية ) ، وانا اتألم الى ان ربان السفينة لا تهمه السفينة و لا من عليها ، كل همه كيف يجد صيد ثمين في عرض

 البحر ، وما درى انه يرمي بالسفينة الى هلاك القاعة..

لنا وللتعليم والبحث ربنا البصير ..

العليم بحالنا السميع القدير ..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك