محمد كاظم خضير
الإرهاب مَن يستفيد منه سوال يطرح يوميا، ويستفيد منه من يتاجر بالسلاح وبالسياسة الدولية. اللاعبون الأساسيون في السياسة الدولية التي ولدت الإرهاب هم الدول التي ما عدنا نعلم اليوم ما إذا كانت لا تزال تسيطر على هذا الوباء التي خلّفته، وباء الإرهاب " والمنظمات والتطرف الأخرى. الإرهاب يضرب الأبرياء من دون رحمة، ويقتل أرواح الناس بدقيقة، وبالرصاص وبكل أدوات الوحشية البربرية، من دون سبب أو هدف.
جريمة إرهابية بشعة تكشف عن نفس العقلية المتطرفة للإرهاب القائم على أفكار عنصرية وكراهية عرقية ودينية، فقد نفذ إرهابى نيوزلندا هجماته على المصليين المسلمين، مثلما نفذ تنظيم داعش عشرات الهجمات بناء على دعاوى عنصرية تتخذ من الإسلام ستارا، حيث ارتكب داعش مجازر ضد المصليين فى الكنائس والإيزيديين، كما قتل الشيعة والسنة وكل من يختلف معه فى الدين أو المذهب
فى أوروبا وأمريكا يمارس اليمين المتطرف إرهابا خلف شعارات دينية مسيحية أو عنصرية تنتمى لعصور الظلام، ولا علاقة لها بالمسيح أو الإنجيل، مثلما تخاصم أفكار داعش الإسلام والقرآن، وتوظفه للقتل، بل ربما يحاول داعش تنفيذ عمليات قتل بدعوى الانتقام، بينما التنظيم ينطلق من نفس مركز الكراهية الذى حرك قاتل المصلين فى نيوزلندا.
فجعنا بخبر انتهاك حرمة المصلين في نيوزيلندا وإطلاق الرصاص عليهم أثناء أدائهم صلاة الجمعة على الهواء مباشرة! حيث عمد منفذ الهجوم إلى بث جريمته مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي في تصرف لا يشوبه فقط العنف وانعدام الإنسانية، إنما يمثل استخفافا بالدم المسلم وانتهاكه من قبل الكارهين له.
لم آبه بشيء أثناء مشاهدتي المقطع سوى الأطفال الذين كانوا بصحبة أهاليهم، فكنت أعيد المشاهدة مرارا وتكرارا لعلي ألمح بصيص أمل بحركة أحدهم بعد إطلاق النار عليهم مباشرة ومن مسافة قريبة جدا، فقد عمد الإرهابي منفذ الهجوم إلى إطلاق النار أولا لإصابة المصلين ثم الاقتراب أكثر فأكثر للإجهاز عليهم عن قرب.
انتظرت نصف يوم أو أكثر منذ وقوع الحادث لكتابة هذا المقال حتى أرصد ردود الفعل الدولية على الحادث، لكنني في نهاية المطاف أصبت بخيبة أمل كبيرة لما آل إليه وضعنا كمسلمين في دول تعيش تناقضا هائلا بين شعارات ترفعها محملة برسائل السلام، وبين مواطنين يتصرفون بكراهية شديدة تجاه الإسلام والمسلمين.
ما حدث في نيوزيلندا، هو بدون اجتهاد عمل ارهابي شنيع، ارتكب بسبب شحن الاحزاب اليمينية للناس بخطورة الاسلام والمسلمين، فمن نحاكم اليوم.. المنفذ أم المحرض أم كليهما؟ لقد تبوأت الاحزاب اليمينية زمام السلطة ورئاسة الحكومات في عدد غير قليل من البلدان الغربية، وخطابها عنصري وتحريضي ضد الاجانب أو المواطنين الذين اختاروا التعايش، فهل سيكون للمجتمع الدولي الجرأة ليقول هذه المرة بأن للأحزاب اليمينية المتطرفة سلوكا ارهابيا لا يختلف كثيراً مع خطابات داعش وفرسان المعبد. أشك شخصياً في أن يصدر اعتراف كهذا، لكنه يبقى سلوكا إرهابيا وسيكون احدى العلامات الانتقالية في تاريخنا لفترة طويلة، بسبب عدد الضحايا الكبير والذي وصل الى (50) شهيدا ووضوح سيناريو القتل الذي سجل بواسطة كاميرا مثبتة على خوذة الرأس وكأن الارهابي «تارانت» شخصية في لعبة PUBG، يقتل الصراصير .هناك سؤالان يدوران في عقلي منذ أن رأيت الجريمة الشنعاء التي حصلت في جوامع مختلفة من نيوزلندا، والسؤال هو "لماذا وضع القاتل كاميرا على بندقيته وقت الجريمة؟" أما السؤال الثاني فهو "ماذا لو كان القاتل مسلمًا والمقتول مسيحيًا؟".
لم أُصدِّق في البداية أن الحادث الإرهابي كان صحيحًا وظننته خدعة إعلامية لا أكثر ولكن بعد أن تحققت من صحته كدت أفقد صوابي جراء هذا العمل الإرهابي. مدينة كرايست تشيرش بنيوزيلندا حيث أخذ الإرهابي بندقيته المنقوشة بالكره ثم وضع كاميرته عليها وبدأ يجري وكأنه يلعب لعبةً على حاسوبه، دخل الجامع والمصلون خاشعون في بيت الله آمنين فلم يجدوا أنفسهم إلا والرصاص تمطر عليهم والموت أمام أعينهم يرونه رأي العين، وحامل الموت يتصرف وكأنه ثمل للتو. بدأ ذلك الارهابي بتفريِّغ كل ما بداخله من حقد مبتدئًا برجلٍ حيَّاه ورحب به، فقتلهم جميعًا دون أن تهتز يده أو يرتجف قلبه، يا للقساوة ويا للكره والحقد الذي يحمله!
إسلاموفوبيا ما هي إلا حملات إعلامية نفذتها جماعات يمينية لمصالح خاصة، وهذا يعتبر أحد الأسباب لقيام الجماعة الإرهابية بهذه الجريمة؛ فقد زرعت هذه الجماعات في عقول الناس أن الإسلام والمسلمين هم الرعب والإرهاب
السؤال الأكثر حيرة "لماذا وضع الإرهابي كاميرا على بندقيته وقت الجريمة؟! أليس هذا يعرضه للخطر أكثر فيكون دليلًا قاطعًا لإيصاله إلى حبل المشنقة في أسرع وقت ممكن؟! في الواقع هناك أسباب عدة وتحليلات فهمت أبعادها من خلال الجرائم التي ارتُكبت في الوقت نفسه وفي أماكن مختلفة من نيوزيلندا. السبب الأول فهو كإشارة لبقية أصدقاءه بأنه بدأ العملية حتى يتم تنفيذ جميع العمليات في نفس الوقت، السبب الثاني وهو تنبيه لبقية الجماعة الإرهابية في حالة قام أحدهم بالهجوم عليه أو محاولة قتله فيهجم البقية لمساندته وإنقاذه، أما السبب الثالث فهو لإظهار مدى الغل والحقد الذي تحمله هذه الجماعة الإرهابية ضد الإسلام والمسلمون والسبب الأخير فهو تخويف وإرهاب لكل المسلمين في نيوزيلندا من ما يسمى "الإسلام" وتحريضهم على البقاء في بيوتهم وعدم الذهاب إلى المساجد للصلاة؛ وبهذا يبعدون الكثير عن دينهم وتفرقتهم.
يا للأسف! هل وصل بهم الحقد على الإسلام والمسلمين إلى هذه الدرجة حتى يقتلونهم بكل هذه الوحشية؟! هل وصل بهم الحقد علينا يا سادة إلى درجة المجاهرة بقتلنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي على مرأى ومسمع؟ لا أنكر أن الجميع تألم لهذه الفاجعة سواءً كانوا مسلمًا أو غير مسلم ولكن أتألم أكثر عندما أجد بعض وسائل الإعلام تصف هذه الجماعة الإرهابية بالجماعة المسلحة ولم تصفهم بالإرهابية. لماذا يا ترى؟ أحب أن أسألهم بالمثل اليمني الشعبي الذي يقول "هل حقهم حق وحق الناس مرق؟" والذي يعني أن الحق عندما يكون بجانبهم فيعتبرونه حقًا ولكن عندما يكون لغيرهم فهو ليس بحق.
السؤال الثاني وهو "ماذا لو كان القاتل مسلمًا والمقتول مسيحيًا؟"، لو كان القاتل مسلمًا والمقتول مسيحيًا يا عزيزي لقامت الأرض بمن فيها، ولرأينا الأمم المتحدة تنتفض وفرنسا تحشد، ومجلس الأمم يجتمع والرؤساء تخرج في احتجاجات، والمواعيد تؤجل والشرق والغرب يلتقي ببعضه البعض، ولكن لأن المقتول مسلمًا والقاتل غير ذلك فلا نرى سوى حملات إعلامية وتغريدات أثرها سينتهي عما قريب، ولأن هناك فرق بين كلب ينبح وكلبٌ يعض، فهناك أيضًا فرق بين حملات إعلامية وقرارات أممية.
إسلاموفوبيا ما هي إلا حملات إعلامية نفذتها جماعات يمينية وجهات معينة وذلك لمصالح خاصة، وهذا يعتبر أحد الأسباب لقيام الجماعة الإرهابية بهذه الجريمة؛ فقد زرعت هذه الجماعات في عقول الناس أن الإسلام والمسلمين هم الرعب والإرهاب وهم السبب في بؤس العالم والشقاء الذي يعيشه، لقد صوروا الإسلام والمسلمين على أنهم أفلام رعب وأيادي وحشية في قت أن الواقع يظهر عكس ذلك، لكن أحب أن أقول لهذه الجماعات "شكرًا لكم لأنكم ظهرتم على حقيقتكم".
هو اختار بعناية كلماته لتدل على دلالات عنصرية يختزلها التاريخ فالدعوة الى التخلص من الصراصير استعملت بكثافة في رواندا عام 1994 حينما بدأت قبائل «الهوتو» عبر الجيش والميليشيات في قتل مواطني التوتسي، في أثناء تلك المجزرة أنشأ متطرفو «الهوتو» محطات اذاعية لنشر الكره والغضب الشديد ضد «التوتسي»، فكانت الجملة الأكثر شهرة وتكراراً هي «تخلص من الصراصير» تسبب ذلك في مقتل حوالي مليون شخص واغتصاب مئات الالاف من النساء، أما ما كان يشغله الارهابي «تارانت» فهي الاغنية العنصرية «تخلص من الكباب» والتي تشير الى التطهير العرقي الموجه ضد الاتراك والبوسنيين على وجه التحديد وأتباع الاسلام بشكل عام، نشأت هذه الاغنية في صربيا من قبل الجيش تحديداً وكانت تدعو «رادوفان كاراديتش» الى قيادة جيشة للاستمرار في التخلص من المسلمين في البوسنة والهرسك، وهو ما نتجت عنه مذابح وتهجير وقتل لآلاف المسلمين.
المعتدي الارهابي، قرأ التاريخ من زاوية عنصرية وشحن رشاشه بأسماء لشخصيات تاريخية ومعاصرة تتشابه في أنها كانت عنصرية وارهابية، وكان أول ضحاياه شيخ سبعيني من أفغانستان، حيث رحب به قائلاً: أهلاً أخي، لكنه رد عليه بسيل من الرصاصات أردته قتيلاً، هو الذي هرب من العنف الدائر بأفغانستان ليموت على يد يميني متطرف في بلد ديموقراطي. وقد عبر المجتمع الدولي عن إدانته لتلك المجزرة حيث وصف رئيس الوزراء الاسترالي الهجوم بأنه عمل ارهابي نفذه اليمين المتطرف.
من يتابع المقاطع التي بثت سيجد أنه يشاهد مقاطع مماثلة لما يتم تطبيقه في ألعاب التواصل الاجتماعي، ومنها لعبة (ببجي)، وهي لعبة استهدفت الشباب ودربتهم على العنف والقتل حتى أنني أجد البعض لا يقوم بشيء في حياته سوى اللعب في هذه اللعبة طيلة النهار والليل في صورة جديدة لغسل العقول والتغلب على المجتمعات وبث السموم فيها.
لا أبرئ ساحة القاتل ولا أجد له مبررا لكنني أدق ناقوس الخطر لمواجهة مثل تلك الألعاب التي لا تعود سوى بالسلب على الشباب والمجتمعات، فهل من وقفة جادة أمام ما يتم تداوله عبر الفضاء المفتوح.
الخاتمة
العمل الإرهابي الذي أدى إلى مجزرة في نيوزيلندا يؤكد تمام التأكيد أن الإرهاب ليس مرتبطاً بدين أو عرق، بل هو نتاج فكر متطرف متراكم تتم ترجمته عن طريق العنف دون رحمة أو شفقة، فالإرهابي شخص تخلى عن إنسانيته، وباع نفسه لمعتقداته المتطرفة ضارباً عرض الحائط بكل المثل والقيم الإنسانية التي كرستها الرسائل السماوية، وفي مقدمتها الحفاظ على النفس البشرية.
ما حدث في نيوزيلندا يؤكد للعالم، والغربي منه تحديداً أن الإسلام ليس دين إرهاب، بل هو دين سلم وسلام، وأن من حاولوا ويحاولون إلصاق الإرهاب بالإسلام لا يقلون تطرفاً عمّن نفذ العمل الإرهابي في نيوزيلندا، بل يعتبرون محرضين بطريقة أو أخرى، صحيح أن هناك ممن ينتمون للإسلام جعلوا من الإرهاب عقيدة لهم، ولكنهم لا يمثلون أمة بأسرها تتمسك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الداعية للحق والعدل والمساواة (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَق وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا )، فديننا الإسلامي الحنيف لا يجيز قتل النفس إلا بشروط وجب توفرها ؛ فما هو الحل؟ والسؤال موجه للأمم المتحدة بأجهزتها ووسائلها وامكاناتها.
فهل من مجيب؟ والله المستعان. متى يبقى العالم يتفرج ويحصي الضحايا ويأسف على الأبرياء؟ والى متى يبقى العالم شاهد زور على وحش يتهدد البشرية والانسانية بأبشع من القنبلة النووية؟ ألا يشكل هذا الخنوع أيضاً صناعة للإرهاب؟في الأخير وببالغ الحزن والأسى أعزي نفسي وجميع المسلمين على هذا الحدث الجلل، وكما أختص بالتعزية أهالي الشهداء وأسأل الله أن يتقبلهم في واسع رحمته وأن ينتصر لهم وأن يفسد كل من يخطط ضد الإسلام والمسلمين وضد الإنسانية أجمعين
https://telegram.me/buratha