عادل الجبوري
لم يكن كل ما حصل في مؤتمر وارشو، الذي كان عنوانه الواسع والعريض هو "السلام والاستقرار في الشرق الاوسط"، مفاجئا او خارج سياق التوقعات والقراءات المسبقة، ولم يمثل انعطافة حادة في المواقف والتوجهات، بقدر ما جاء ليعزز ويكرس ويرسخ منهج الانهزام والذل والخنوع العربي، والغطرسة الاميركية الصهيونية.
منذ البداية، اي حينما طرحت فكرة عقد المؤتمر، قبل عدة شهور وراحت تتبلور على الارض، انفرزت المواقف وتحددت المساحات بصورة واضحة الى حد كبير، ولم يكن صعبا ولا عسيرا على المتتبع والمراقب الموضوعي المحايد، تلمس المسارات المختلفة والمتقاطعة، وتشخيص ماهية وطبيعة نقاط ومواضع التقاطع والاختلاف.
الولايات المتحدة الاميركية، ارادت من وراء عقد المؤتمر، ان تزيد من حجم الضغط على ايران ومحور المقاومة، وتعزز حصارها الاقتصادي، بحصار سياسي واعلامي مدعوم من قبل قوى اقليمية ودولية في مقدمتها الكيان الصهيوني والمملكة العربية السعودية، وما قيل على لسان عدد لايستهان به من كبار الساسة واصحاب الرأي الاميركان قبل المؤتمر وخلاله وبعده، يعد مصداقا ودليلا دامغا على حقيقة ذلك التوجه المعادي لايران والمقاومة.
ولم يك غريبا ان تجد واشنطن من يتفاعل معها ويتحمس لها، ويهرول ورائها، ويفتح لها خزائنه المالية.
وطبيعي ان اي اضعاف واستهداف لايران ومحور المقاومة، يعني تلقائيا دعم وتقوية واسناد للكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين واراضي عربية اخرى.
وحينما نتابع وندقق لانجد اي حديث عن حقوق الشعب الفلسطيني ومظلوميته المتواصلة منذ سبعة عقود من الزمن، ولو حرص المخططون والمنظمون لمؤتمر وارشو على الالتزام بالعنوان الذي رفعوه له "السلام والاستقرار في الشرق الاوسط"، لكانوا قد افردوا حيزا من اطروحاتهم ونقاشاتهم لفلسطين والفلسطينيين، بأعتبارهم الطرف الاساس في خيارات الصراع والسلام على السواء.
كيف يتم بحث موضوعة السلام في الشرق الاوسط بمؤتمر قاطعه كل الفلسطينيين بما فيهم السلطة الفلسطينية التي تعد الاكثر مرونة واعتدلا وانفتاحا على محيطها العربي والاقليمي والفضاء الدولي؟.
وفي بيان لها عشية انعقاد مؤتمر وارشو، اعتبرت الرئاسة الفلسطينية، "أن أي مؤتمرات دولية بشأن الشرق الأوسط لن تنجح دون ضمان حل القضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية، وان أن قضية الشرق الأوسط هي سياسية وليست أمنية، ومفتاح تحقيق الأمن والاستقرار هو حل القضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة".
واكثر من ذلك ترى الرئاسة الفلسطينية، "إن الاستمرار في مثل هذه المشاريع الفاشلة لن يؤدي سوى إلى خلق مناخ سلبي يستفيد منه المتطرفون وأعداء السلام".
كيف يمكن لمؤتمر ان يترجم عنوانه الى واقع عملي على الارض، في وقت كانت اهدافه واجنداته بعيدة كل البعد عن جوهر ومضمون العنوان.
فالبحث عن السلام والامن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط، لايتحقق بقرع طبول الحرب، وتجييش الجيوش، وتعبئة الحشود ضد طرف ما، وهذا ما اريد من مؤتمر وارشو وما حصل بالفعل.
رئيس وزراء الكيان الصهيوني، كان نجم المؤتمر، ونائب الرئيس الاميركي مايك بينس، خاطب الحاضرين، مطالبا اياهم بفتح الابواب والقلوب والحدود للمدللة "اسرائيل"، والتحريض على ايران والتحذير من خطرها عليهم.
كيف لايصبح نتنياهو نجما لمؤتمر وارشو، وهو الذي تصدر الحاضرين، ووجد من يتملقه ويجامله ويسترضيه من الخانعين والمنهزمين، وسمع من عبارات الدعم والتأييد له ولنظامه ما لم يسمع مثله من قبل، كما سمع من عبارات التنديد بأيران والمقاومة الشيء الكثير.
بيد ان كل ذلك لايعني ان مؤتمر وارشو نجح في تحقيق اهدافه وتمرير اجنداته، فذلك لايمكن ان يتحقق بمجموعة اجتماعات ولقاءات تتخللها خطب وكلمات في عاصمة ما، بل على العكس من ذلك، فأنه-لانقول كشف عن حقائق-وانما اثبت ورسخ حقائق قائمة.
فالدعم والتأييد الاميركي غيرالمحدود للكيان الصهيوني، ليس بالامر الغريب او الجديد، لكن كان مؤتمر وارشو، فرصة جيدة لافهام من لازالوا يعولون على واشنطن في لعب دور الوسيط النزيه والصادق للتوصل الى سلام حقيقي في المنطقة، انها –اي واشنطن-لم ولن تكن في يوم من الايام محايدة وموضوعية ومنصفة، وربما تكون في ظل وجود ترامب، اسوأ كثيرا مما كانت عليه في مراحل واوقات سابقة.
وكذلك الخنوع والانهزام والضعف العربي امام واشنطن وتل ابيب، ليس بالامر الجديد، فالذين ذهبوا الى وارشو، وعبروا عن عدائهم لايران واستعدادهم للتطبيع مع اسرائيل، هم انفسهم من فتحوا بالامس القريب ابوابهم على مصاريعها لنتنياهو ولبعض وزرائه ولوفود ثقافية ورياضية صهيونية، بحيث لم يعودوا يشعروا بأي حرج او خجل حينما يجلسون جنبا الى جنب مع الصهاينة بالعلن وعلى مرأى ومسمع العالم كله.
اضف الى ذلك، فأن كل ما قيل في المؤتمر ضد ايران وقوى محور المقاومة، لم يتضمن شيئا جديدا، ولعلهم يثبتون قصر نظرهم وسطحيتهم، حينما يتصورون ان مؤتمر وارشو سيرغم ايران على الخضوع والاستسلام بعدما صمدت وقاومت على امتداد اربعين عاما، او سيجعل حزب الله يلقي سلاحه ويرفع الرايات البيضاء، او يرغم الحوثيين على الركون والركوع للتحالف السعودي-الاماراتي، الذين لم تركعهم الطائرات والصواريخ والمدافع وكل وسائل الموت والقتل والدمار طيلة اربعة اعوام.
يخطأ من يتصور ان مؤتمر وارشو قد نجح في تحقيق اهدافه، لان النجاح لايتمثل في ان يلتقي الحلفاء والاصدقاء والاتباع في مكان واحد ليكرروا ما يقولونه هنا وهناك، وانما النجاح يكون حينما تتقدم خطوات الى الامام، وان تأتي بجديد، وان تطرح جديدا.
قبل اكثر من اربعين عاما انعقد مؤتمر كامب ديفيد، وبعده انعقدت مؤتمرات اوسلو ومدريد وواشنطن وواي بلانتيشن ووادي عربة، وكلها كانت حبر على ورق، ولاشك ان وارشو لن يكون افضل من سابقاته، في زمن اخذت مساحات المقاومة والصمود والتحدي تطغي وتهيمن على مساحات الذل والخنوع والضياع والاستسلام والتردي.
https://telegram.me/buratha