عادل الجبوري
قبل اربعة اعوام ونصف العام، وبالتحديد في العاشر من شهر حزيران-يونيو 2014 صحى العراقيون، على تنظيم داعش الارهابي وهو يجتاح مدن ومناطق عديدة في نينوى وصلاح الدين والانبار وديالى ويصل الى مشارف العاصمة بغداد والنجف وكربلاء، وسط انهيار كبير ومروع لمعنويات الجيش العراق وتخاذل قادته الكبار.
حينذاك بدا ان كل شيء قد انهار في العراق، ولم يعد ممكنا ايقاف المد الداعشي التكفيري، وعمّ الاحباط واليأس والخوف والرعب مختلف فئات وشرائح الشعب العراقي.
بيد انه بعد ثلاثة اعوام ونصف العام، تغيرت الصورة بالكامل، ليكون يوم التاسع من كانون الاول-ديسمبر 2017، الذي اعلن فيه رئيس الوزراء العراقي السابق والقائد العام للقوات المسلحة في حينه، حيدر العبادي تحقيق النصر النهائي على تنظيم داعش، انعطافة تأريخية، ونقطة تحول مهمة، ومحطة فارقة في مسيرة العراق.
بشائر النصر على داعش، وامكانية دحره وهزيمته لم تظهر وتبرز خلال الشهور الاخيرة، بل انها بانت بعد ثلاثة ايام فقط من الاجتياح الهمجي الداعش للعراق، حينما اصدر المرجع الديني الكبير فتوى "الجهاد الكفائي" لدرأ الخطر عن البلاد، ولعل هذه الفتوى كانت بمثابة شرارة الثورة الحقيقية ضد الارهاب التكفيري-الداعشي، لانها رسمت الخطوط الرئيسية للمواجهة، وحددت واجبات ومهام الشعب والدولة معا.
ويمكن القول بدون تردد ان فتوى المرجع السيستاني، مثلت العامل الرئيسي من بين مجموعة عوامل ساهمت في قلب موازين القوى، وتحويل نكسة العاشر من حزيران-يونيو 2014 الى انتصار شامل ونهائي في التاسع من كانون الاول-ديسمبر 2017. وما بين هذين التأريخين، كانت الوقائع والاحداث تتحرك بأتجاهات الوصول الى يوم النصر النهائي، عبر انجازات وانتصارات متلاحقة في كل الميادين والجبهات، اشتركت فيها قوات الجيش والشرطة الاتحادية ومكافحة الارهاب والحشد الشعبي والحشد العشائري والبيشمركة.
في واقع الامر، فأن فتوى السيد السيستاني، بقدر ما الهبت الحماس في نفوس الاف الشباب ليشكلوا الحشد الشعبي المقدس، فأنها ساهمت في اعادة الروح الى جسد المؤسستين العسكرية والامنية، ليكون الجيش المنسحب والمنكسر والمهزوم امام عصابات داعش في صيف عام 2014، هو صانع النصر الى جانب العناوين والتشكيلات الاخرى في شتاء 2017.
ليس هذا فحسب، بل ان كل من ساهم بتقديم الدعم والاسناد اللوجيستي للحشد الشعبي والجيش، من مؤسسات وافراد، يعد مساهما في تحقيق النصر، فليس الذين حملوا السلاح فقط هم من استجابوا للفتوى، بل كل من ساهم وتبرع بالمال والمؤن والعلاج والدواء، وكذلك من تحدث وكتب.
وقد اشار العبادي في خطاب اعلان النصر الذي القاه في التاسع من شهر كانون الاول-ديمسبر من عام 2017، الى دور المرجع السيستاني بالقول "وسيسجل التأريخ الموقف المشهود للمرجعية الدينية العليا لسماحة السيد على السيستاني وفتواه التأريخية بالجهاد الكفائي دفاعاً عن الارض والمقدسات، تلك الفتوى التي استجابت لها الجموع المؤمنة شيبا وشبانا في اكبر حملة تطوعية ساندت قواتنا المسلحة، وتحولت بعدها الحرب ضد الارهاب الى معركة وطنية شاملة قلَّ نظيرها وتشكّل على اساسها الحشد الشعبي وقوافل المتطوعين".
وكذلك لم يستثن العبادي طرفا حين اشاد بمن ساهم بتحقيق النصر، اذ قال "احيي المنتصرين جميعا.. قواتنا البطلة من الجيش والشرطة والاجهزة الامنية والحشد الشعبي وجهاز مكافحة الارهاب والقوة الجوية وطيران الجيش وجميعِ صنوف وتشكيلات قواتنا المسلحة من الاسناد الهندسي والطبي والإمداد، والمساندين من ابناء العشائر والمواطنين في المناطقِ المحررة الذين تعاونوا مع جيشهم، وتحية لوزارات ومؤسسات الدولة التي بذلت جهودا مساندة واسهمت بإعادة الحياة والبنى التحتية والخدمات الاساسية.. واحيي مواقف وتضحيات الصحفيين والاعلاميين والفنانين والمثقفين وكل كلمة قيلت وكل صوت حرّ وقف مع شعبنا وقواتنا في عمليات التحرير".
اما العامل الرئيسي الثاني الذي ساهم في تحقيق النصر التأريخي الكبير هو الحشد الشعبي، الذي وصف بالمقدس، من قبل مختلف ابناء الشعب العراقي، لما قام به من دور مشرف في استعادة هيبة الوطن وحماية المقدسات، وصيانة الحرمات. ولولا الحشد لما استعاد الجيش معنوياته وحماسه، وبالتالي، هيبته ومكانته الوطنية اللائقة.
وبالرغم من بعض الاخطاء والسلبيات التي رافقت مسيرة الحشد طيلة ثلاثة اعوام ونيف، الا ان حجم المنجز كان كبيرا ويستحق الاشادة والتثمين والتقدير.
وقد كان للحشد الشعبي مشاركات فاعلة ومحورية في كل المعارك ضد تنظيم داعش في الموصل وصلاح الدين والانبار، فضلا عن دوره المحوري في حماية العاصمة بغداد والعتبات والمراقد الدينية في كربلاء المقدسة والنجف الاشرف وسامراء.
والعامل الاخر في تحقيق النصر، هو الدعم الذي قدم للعراق، لاسيما من ايران وقوى اقليمية ودولية اخرى، في مجالات مختلفة، كالاستشارات العسكرية، والاسناد والدعم اللوجيستي، الى جانب التعاون الامني والاستخباراتي.
وعلى عكس اطراف اقليمية ودولية، وفرت الكثير من الظروف والمناخات المناسبة للارهاب في العراق ودولا اخرى في المنطقة، فأن ايران لم تتأخر في المساهمة بأمكانياتها وخبراتها العسكرية وغير العسكرية في التصدي للارهاب الداعشي، انطلاقا من شعورها بأن التهاون في مواجهة الارهاب، ايا كانت عناوينه ومسمياته، سوف يؤدي الى استفحاله، وبالتالي اغراق المنطقة والعالم في الفوضى والاضطراب والدماء والخراب.
ولاشك ان العراق قدم الكثير من التضحيات البشرية والمادية في حربه ضد تنظيم داعش، وهذه الحرب خلفت اثارا سلبية كبيرة على البنى التحتية وعلى مختلف مفاصل الحياة، الامر الذي يتطلب وضع خطط ومشاريع مدروسة بدقة، وتظافر كل الجهود والطاقات لمحو تلك الاثار السلبية، ولعل محاربة الفساد الاداري والمالي بصورة جادة وحقيقية امر في غاية الاهمية، لان الفساد يمثل الوجه الاخر للارهاب الدموي.
ومعلوم ان الفساد كان من بين ابرز الابواب التي دخل منها الارهاب الداعشي التكفيري الى العراق، وعدم اغلاق ذلك الباب بأحكام، يعني امكانية عودة داعش-لا سمح الله-بمسميات وعناوين اخرى، خصوصا اذا كان هناك اطراف خارجية تدعم وتمول، ولا تريد ان تغادر وتترك اجنداتها ومشاريعها التخريبية.