حيدر السراي
في الثاني من اكتوبر دخل رجل الى قنصلية بلاده في اسطنبول ، ولكنه لم يخرج ، بدا الامر طبيعيا لبضع ساعات ، وما لبث ان تحول الى ازمة دولية وبدأ الاعلام الغربي والشرقي يتداول الحدث ، وبدأت وزارات الخارجية تتحدث بالامر ، وفاحت رائحة جريحة بشعة نفذت بطريقة غبية جدا ، وانتهت الضغوطات الدولية الى تلفيق قصة مشاجرة حدثت في داخل القنصلية وادت الى مقتل الرجل ، اعلنها الديوان الملكي فجر العشرين من اكتوبر ، بالنسبة لي لا يهمني كيف قتل ولماذا ، واين جثته وكيف تم التخطيط لها ، وما هي الدوافع لكنني مهتم جدا بالنتائج المترتبة على ما بعد حادث الثاني من اكتوبر ، فماذا سيحصل في مملكة ال سعود وهل ستكون سحابة صيف ام اعصارا سيطيح برؤوس كبيرة :
1) الصراع بين المحاور السنية : في ظل الصراع على قيادة السنة في العالم والتي تدور رحاها بين محور الاخوان (تركيا + قطر) وبين محور (السعودية + الامارات وتوابعهما ) ، جاءت حادثة خاشقجي لتجعل كفة المحور الاخواني هي الكفة الراجحة ، فالتسجيلات الصوتية الكاملة وربما المرئية ايضا اصبحت في يد الحكومة التركية ، وقد استثمرها اردوغان بدهاء ولم يفوت اي يوم دون ان يبتز السعودية بهذه التسجيلات ، اردوغان لا يريد فقط ان يتربع على عرش القيادة الاسلامية السنية ، بل يريد ايضا ان يأخذ حصته من البقرة الحلوب وسيضطر الاعلام السعودي الى تغيير بوصلته ويتوقف عن مهاجمة المحور التركي ، وبالمناسبة اردوغان لم ينس ان يصفي حسابه مع بن سلمان في قضية محاولة الانقلاب عليه.
الخلاصة انني اتوقع ما يلي :
أ. حصة من المال السعودي مقابل السكوت التركي.
ب. تغيير نهج السعودية واعلامها والخضوع كليا لسياسة السلطان العثماني والتخلي عن قيادة العالم السني.
ت. انتهاء الازمة القطرية لصالح قطر وحلفائها في المنطقة.
2) مصير الثروة السعودية : منذ ان استلم بن سلمان الحكم والنزيف المالي للسعودية لم يتوقف فحرب اليمن وتدخلات السعودية في الشرق الاوسط والعالم ، والجزية التي تدفعها السعودية لترامب ، جعلت من الوضع المالي للبلد على شفا جرف هار ، ومنذ عدة اسابيع ازدادت وتيرة تصريحات ترامب الواضحة والصريحة تجاه سياسة دفع المال التي تنتهجها ادارته مع السعودية ومع حادثة الثاني من اكتوبر لم يعد ترامب يقبل بالجزية التي يستلمها من السعودية ، فها هو يطلب 75% من اسهم شركة ارامكو التي كان يستلم منها قبل الثاني من اكتوبر 25% فقط ، ما يعني ان الثروة السعودية ستنتقل مستقبلا من الابار النفطية الى جيب ترامب مباشرة ، وهو ما سيجعل السعودية من الضعف الاقتصادي الى الدرجة التي لن تتمكن معها من قيادة دور محوري في احداث الشرق الاوسط والعالم مستقبلا.
3) مصير الحكم في المملكة : هل سيتمكن بن سلمان بعد تقديم الدية الى اولياء الدم ترامب واردوغان والتي تتمثل بثلاثة ارباع الثروة السعودية ان يحافظ على الكرسي الملكي السعودي؟؟! القصة ليست بهذه البساطة فالانتخابات التشريعية للكونغرس ستنطلق بعد ثلاثة اسابيع فقط والجمهوريون محرجون جدا من دعم ترامب الصريح للسعودية على حساب حقوق الانسان التي تتباهى بها حكومة العم سام ، فضلا عن ذلك فان موقف واشنطن لوحدها لن يكون كافيا لتوفير بيئة مناسبة لبقاء بن سلمان في الحكم ، فهناك الاتحاد الاوروبي والاعلام الدولي ، وهناك العائلة المالكة والامراء المعارضون واسكات كل هؤلاء ليس ممكنا ، ولو اعطى بن سلمان كل ثروته لترامب فماذا سيعطي لفرنسا والمانيا وبريطانيا ؟؟! ما نتوقعه هو ان قرار اعفاء بن سلمان سيتخذ في النهاية سواء كان هذا القرار داخليا ام خارجيا ، لكن اليس لبن سلمان خطة مضادة ، نعم بن سلمان لن يترك حكم السعودية بهذه البساطة التي يتوقعها الكثيرون ، الرجل مريض نفسيا ويمكن ان يفجر ازمة داخل العائلة المالكة بل لا يستبعد قيامه بقتل ابيه واستلام الحكم رسميا استباقا لأي تحرك داخلي مضاد ، واذن فالمستقبل في السعودية مظلم وغير امن وانا اجزم بأننا اصبحنا قاب قوسين او ادنى من معركة دامية على الكرسي الملكي. ولله امر هو بالغه.
السعودية بعد الثاني من اكتوبر 2018 لم تعد المملكة الثرية التي تتحكم بمصائر شعوب المنطقة بل هي مملكة فقيرة منشغلة بازماتها الامنية الداخلية وصراع امرائها على الحكم ، وبالمناسبة يمكن اعتبار حرب اليمن انتهت عمليا فلا المال السعودي يكفي ولا الموقف الدولي يسمح باستمرار هذه الحرب ، انه فجر انتصار كبير لكل ضحايا مملكة الدماء ، وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.
https://telegram.me/buratha