محمدكاظم حضير
ما الذي يجري ؟! لماذا كل هذا الحقد ؟! لماذا هذه الكراهية ضد اليمن واليمنيين؟! هل اليمن وأبناؤه الطيبون يستحقون كل هذا العقاب والدمار والخراب ، من أجل ماذا ولأجل ماذا يتعرضون لكل هذا الويل والنكال ؟! جرائم نكراء ومجازر بشعة يندى لها جبين الدهر ، والعالم يتفرج ويلوذ بالصمت ، بل أن الغالبية مشاركون مشاركة فاعلة في العدوان ، هم من خططوا وقدموا للمعتدين أفتك أسلحة الدمار الشامل ، بينما يتباكون على حقوق الإنسان، إنها مفارقات عجيبة ، هذه الأسئلة وغيرها تفرض نفسها على اليمنيين وتحلق في سماء العالم باحثة عن إجابة ، زادت حدة بعد انقضاء النصف الأول من العام الرابع للعدوان بهمجيته وما يرافقه من حصار اقتصادي جائر يخنق الشعب ويضيق على أبنائه الحياة ، للأسف لم نجد إجابة حتى هذه اللحظة ، الصمم أصاب العالم ولم نسمع أي رد فعل يحاول إيقاف المعتدي عند حده ، ما يجري بالنسبة لنا في اليمن لم يشكل مفاجأة لأنه جاء عقب سلسلة طويلة من العمالات والخيانات وحالات الاستسلام الطوعية للمعتدي الذي ظل يخطط ويبرمج لفعل انتقامي قاتل ، وهذا هو هاجسه من زمن مبكر ، من مجزرة تنومة وما قبلها وما بعدها ، ومن أجل هذه الغاية استهدف الهوية الثقافية والفكرية والنسيج الاجتماعي المشهود له بالتجانس والتعايش، فأثار النعرات الطائفية والانقسامات المذهبية بأساليب مكشوفة وأخرى خفية ، واستقطب الكثيرين إلى مزالق المؤامرة من أبناء هذا الشعب ممن ساعدوه على إعلان وجوده وفرض قوة حضوره والتدخل في كل صغيرة وكبيرة ، وحينما واتته الفرصة هوى بهراوات الموت على رؤوس الأطفال والنساء والمشائخ وسعى إلى سحق الإرادة والقيم والمبادئ وزبانيته يصفقون ويصدقون كل أفعاله معلنين أنها في صالح الشعب ومن اجله ومؤكدين ضرورة الانصياع لنفس المضامين كونها حتمية وطنية ، مع أن العدو كان أكثر وضوحاً منهم ، فأفصح عما يريد في زمن مبكر ، وأبناء الشعب المؤمنون بقضيتهم لم يجهلوا تلك المقاصد ، لكن الذين انقادوا لنزواته استطابوا كل شيء واستمرأوا تعذيب الذات وتسويق الدعايات الكاذبة التي اختزلت الإسلام وأحكامه ومبادئه في هذا العدو وهو مع الأيام يتمادى في الكراهية ويقدم الموت رسالة مفتوحة لكل اليمنيين بما في ذلك الذين يرزحون تحت وطأة كابوس الجنون وهستيريا الحقد الدفين على أبناء شعبهم .
هذه الحقائق لا شك أنها تفرض نفسها بالذات على كل ذي بصيرة حينما يستمع إلى سيناريوهات ما يسمى بالتفاوض والحلول السلمية ، هنا يتساءل بمرارة مع من هذا التفاوض ؟! ومع من يتم ؟! هل مع الذين انقادوا إلى مزالق العدو وأصبحوا شر أدواته ، أم مع الذين سقطوا في أوحال العمالة والخيانة؟ إنها بالفعل أشياء غير طبيعية تجعلنا نقول (إذا كان للناس في اليمن لقاء جديد فلا بد من ذاكرة وطنية جديدة ، ووجدان وطني صادق لأناس يمتلكون الإرادة ومتحررين من التبعية ) وهنا نجد استحالة للوصول إلى أشخاص يتمتعون بهذا المستوى من الولاء والصدق والموضوعية ، وبالتالي نقول إن الحل يكمن في استمرار المخاض والرهان على تاريخ جديد يصنعه الأبطال المرابطون في الثغور ببطولاتهم الأسطورية ، إنهم بهذه الأعمال العظيمة يبشرن بقدوم فجر صادق يلغي الارهاصات التي شكلت حالة اختناق بشعة تكاد تقضي على الأخضر واليابس ، وكل يمني يقول سئمنا من الكذب والتجارب الفاشلة ، تضحيات وبطولات هؤلاء العظماء هي عنوان الفجر الصادق وهي التي ستسدل الستار على المسرحيات الهزيلة والمملة التي ظلت تعبث باليمنيين وبمشاعرهم الطيبة ، وهذا هو القول الفصل .. و
تزامناً مع استمرار طائرات العدوان السعودي ومن معه وبارجاته ومدفعيته في القصف المتواصل على مدار اليومين الماضيين والذي تسبب باستشهاد وإصابة عشرات المدنيين بمديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة ، وما يجري بالدريهمي سبقه مجزرة دموية ارتكبها تحالف العدوان على اليمن باستهداف حافلة لنقل الأطفال في صعدة شمالي اليمن ، وضرب مستشفى الثورة بعمق الحديدة ،وووو…إلخ.
ومع كل هذا مازالت حالة الصمت العربي والإسلامي والدولي مستمرة إزاء ما يجري في اليمن من حصار وقصف شامل براً وبحراً وجواً تفرضه قوى العدوان والتحالف على اليمن ، ومن هنا بدأت تتضح لليمنيين خصوصاً أن الرهان على العالم العربي والإسلامي وما يسمى بالمجتمع الدولي ، ثبت انه رهان فاشل.
ولكن هنا والأهم اليوم ،هو أنّ ندرك أنّ هذه المرحلة وهذا الحصار والقصف الشامل المفروض على اليمن وما سيتبعه من مراحل دقيقة من تداعيات الحرب العدوانية على اليمن، تستدعي بكلّ تطوراتها وأحداثها من الجميع أن يقفوا وقفة حق مع ضمائرهم، وأن لا يكونوا شركاء في مشروع التدمير والتمزيق والإجهاز على اليمن، فالحدث الجلل والحصار والقصف الشامل على اليمن يستدعي حالة من الصحوة الذهنية والتاريخية عند كلّ العرب والمسلمين، فالمرحلة لم تعد تحتمل وجود مزيد من الانقسام والتفتيت والتمزيق لهذه الأمة جغرافياً وديمغرافياً.
وفي وقت ما زالت أصداء العدوان السعودي – الأمريكي على اليمن تأخذ أبعادها المحلية والإقليمية والدولية، عادت من جديد قوى العدوان لتكثف من عملياتها الجوية في الشمال اليمني رغم فشل جميع عمليات الزحف الميداني البري وخصوصاً باتجاه الحديدة .
هذا الفشل ومحاولات التعويض بالميدان من قبل أطراف العدوان بدأت تأخذ بمجموعها عدة مسارات على صعيد المسار الدموي الكارثي لهذه العمليات العدوانية ،وهنا يلاحظ كل متابع لما يجري باليمن كيف بدأ بشكل واضح أن تداعيات الحرب العدوانية على اليمن بدأت تأخذ مسارات خطيرة جداً.
وبهذه المرحلة لا يمكن لأيّ متابع لمسار تحركات الحرب العدوانية السعودية- الأمريكية على اليمن أن ينكر حقيقة أنّ هذه الحرب بطريقة عملها ومخطط سيرها ستجرّ المنطقة بكاملها إلى مستنقع الفوضى والاحتراب ، والكلّ يعلم أنّ المستفيد الوحيد من التداعيات المستقبلية لهذه الحرب هو الكيان الصهيوني.
ومع كلّ هذا وذاك، ما زالت طبول حرب قوى العدوان تقرع داخل حدود اليمن براً وبحراً، وطائرات “الناتو الخليجي” تغطي سماء اليمن، والقصف يستمرّ والجوع يستمرّ ويموت أطفال اليمن ونساؤه ورجاله، ونستعدّ بفضل وبركة “ناتو الخليج” لخسارة وحدة بلد عربي جديد هو اليمن.
بهذه المرحلة، يبدو واضحاً، أن تداعيات الحصار والقصف الشامل والعدوان السعودي- الأمريكي على اليمن بدأت تلقي بظلالها على الوضع المعيشي بالداخل اليمني، فاليوم جاء المشهد اليمني ليلقي بكل ظلاله وتجلياته المأساوية واقعا جديدا على الواقع العربي المضطرب.
يظهر إلى جانب هذا المشهد العربي المضطرب واقع المشهد اليمني بكل تجلياته المؤلمة والمأساوية، والتي ما زالت حاضرة منذ اندلاع الحرب العدوانية السعودية -الأمريكية على الشعب اليمني قبل ما يزيد على ثلاثة أعوام ، وفي آخر تطورات هذا المشهد استمرار فصول هذا العدوان العسكري على الأرض، تاركاً خلفه آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى ودمارا واضحاً وبطريقة ممنهجة لكل البنى التحتية في الدولة اليمنية. وهنالك إحصائية منذ هجوم تحالف الشر على اليمن تشير إلى
شهداء وجرحى : 7000
الاوبئة : 200,000
سوء التغذية : 2,200,000
تركوا مدارسهم : 1,800,000
يعتبر القانون الدولي الإنساني حقوق الطفل أساس حقوق الإنسان ويلاحظ ذلك في اتفاقية جنيف الرابعة عام 1948م وكذا البروتوكول الأول عام 1977م والتي تعترف بحماية عامة للأطفال في الحروب باعتبارهم اشخاصا مدنيين وتعترف لهم بحماية خاصة وردت في سبع عشرة مادة على الأقل وقد تأكد الأمر مع تبني الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل عام 1989م والتي شكلت منعطفا حاسما في تاريخ الطفولة وأصبح ينظر إلى حقوق الطفل على أنها أساس حقوق الإنسان ولا يمكن التفاوض عنها .
لذا فإن ما قام به مؤخرا تحالف العدوان الامريكي السعودي من مجزرة مروعة بحق أطفال ضحيان يعد جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية جمعا وتعد هذه الجريمة إضافة إلى جرائمهم بحق أطفال اليمن حيث بلغ إجمالي الضحايا من الأطفال بسبب عدوان تحالف العدوان 7000 بين شهيد وجريح وهذا انتهاك صارخ لأسس ومبادئ حقوق الإنسان تستدعي من المجتمع الدولي أن يقف ولا يقعد حتى يقدم قادة تحالف العدوان وعلى رأسهم بن سلمان وبن زايد كمجرمي حرب إلى محكمة الجنايات الدولية وإلا فإن المجتمع الدولي وعلى الأخص الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس حقوق الإنسان شركاء في هذه الجريمة وبقية الجرائم طيلة ثلاث سنوات بحق الشعب اليمني التي لم تكن لتحدث لولا الصمت المطبق والمخزي لهذه المؤسسات الدولية الذي شكل صمتها غطاء شجع تحالف العدوان على الاستمرار في عدوانه .
لكن ليعلم الجميع في هذا العالم أن هذه الجرائم لن تثني الشعب اليمني عن تحقيق استقلاليته والسعي لنيل رضا الله ومواجهة الطغاة حتى يكسر “قرن الشيطان” ويتحرر الناس من قيود امريكا وصهاينة العرب بنو سعود وجهال زايد.
ختاماً، يمكن القول إن المشهد اليمني يزداد تعقيدا مع مرور الأيام، ولقد أسقطت حرب “ناتو الخليج” الأخيرة على اليمن الكثير من الأقنعة التي لبسها البعض من العرب كذباً ورياء وتملقاً أحياناً، وأحياناً أخرى بهدف تحقيق بعض المصالح الضيقة والسعي إلى اكتساب شعبوية كاذبة مزيّفة، فالبعض ذهب مرغماً إلى هذه الحرب لارتهانه لمشروع ما أو بهدف الانتفاع الشخصي، والتفاصيل تطول هنا ولا تقصر، ففكرة “الناتو الخليجي” الجديد، أن يكون اليمن هو الساحة الأولى لاختبار نماذج نجاحات هذا “الناتو الخليجي”، فكرة حمقاء ولعينة بكلّ المقاييس، وستكون لها نتائج كارثية وتداعيات خطيرة على المنطقة كلّ المنطقة.
https://telegram.me/buratha