على عكس توقع المملكة السعودية بأن اتخاذ قرار إيقاف تصدير النفط عبر باب المندب سيلقى صدى واسعا لدى الغرب وسينتج عنه اصطفافا للقوى الدولية إلى جانب التحالف في الهجوم على محافظة الحديدة، كان الرد الغربي باهتا ومخيبا للآمال حيث لم يصدر الاتحاد الأوربي أي تعليق سوى انهم شجعوا تحركات المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفث باتجاه إنهاء الحرب,فيما لم تصدر الولايات المتحدة الأمريكية ولا أي دولة أخرى من الدول غير المشاركة في التحالف حتى اليوم أي تعليق، الأمر الذي دفع بالسعودية إلى شن هجوم لاذع على مجلس الأمن والمجتمع الدولي ففي حين اتهمت عبر رسالة وجهها مندوبها في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي إلى مجلس الأمن المجلس بالتراخي المغري لإيران بتسليح الحوثيين حسب زعمها وصف إعلامها المجتمع الدولي بالمتخاذل واتهمت أوروبا بالغرام مع إيران.
وأعلنت السعودية الأسبوع الماضي تعليق مرور شحنات النفط في مضيق باب المندب بالبحر الأحمر بعد أن هاجم الحوثيون المتحالفون مع إيران سفينتين في الممر المائي.
وحتى الآن لم تحذ حذو السعودية أي من الدول الأخرى المصدرة للنفط الامر الذي اثار غضب القيادة السعودية التي وجدت نفسها ام عزلة في القرار , ومن شأن إغلاق كامل للممر المائي الاستراتيجي أن يؤدي فعليا إلى وقف شحنات تبلغ نحو 4.8 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة إلى أوروبا والولايات المتحدة.
وعبر الحلفاء الغربيون الداعمون لتحالف تقوده السعودية يقاتل الحوثيين في اليمن عن القلق بشأن هذه التطورات، لكنهم لم يشيروا إلى أنهم سيتخذون إجراءات لتأمين المضيق لانهم يعلمون جيدا ان الحوثيون لم يستهدفوا ناقلات النفط وما تفعله السعودية يصب في غايات سياسية لتاليب العالم ضد الحوثيين وايران عبر رفع اسعار النفط عالميا من خلال اعلان وقف تصدير النفط عبر باب المندب حيث تهدد هذه التطورات بتصاعد وتيرة حرب ينظر إليها عالميا على أنها معركة بالوكالة بين السعودية وإيران من أجل الهيمنة الإقليمية وهو مالايصب في مصالح الدول المستوردة للنفط .
ويتصاعد التهديد للاقتصاد العالمي مع استثمار السعودية للهجومات الحوثية للسفن الحربية السعودية تحاول المملكة اقناع اوربا والعالم انها ناقلات للنفط لتاليبهم على الحوثيون والايرانيون معا ومن غير المعتاد عالميا إعادة تقييم الوضع الأمني بعد مثل هذه الحادثة، لكن إعلان الرياض ينطوي أيضا على أبعاد سياسية كما يعتقد الاوربيون.
ويقول محللون اوربيون إن السعودية تحاول تشجيع حلفائها الغربيين على النظر بجدية أكبر إلى الخطر الذي يمثله الحوثيون وزيادة الدعم لحربها في اليمن حيث أسفرت آلاف الضربات الجوية وعملية برية محدودة عن نتائج متواضعة في حين أدت إلى تفاقم أسوأ أزمة انسانية في العالم الامر الذي لم يلق صداه في اوربا ولا حتى في الولايات المتحدة الامريكة ما اصاب القيادة السعودية بحالة من الاحباط والغضب .
وقال سداد الحسيني وهو مسؤول تنفيذي سابق في أرامكو السعودية ومستشار للطاقة حاليا "بدلا من السماح لهذه التحركات العدائية بأن تمر دون أن يلاحظها العالم فإن وزير (الطاقة) السعودي يضع ما تقوم به إيران من تخريب للاقتصاد العالمي بأسره تحت أعين الجميع".
وأضاف قائلا "السيطرة على ميناء الحديدة لن تضع نهاية لهذه العراقيل إلا بعد وقت طويل".
والحديدة هي الميناء الرئيس لليمن والهدف لهجوم بدأه التحالف في 12 يونيو حزيران في محاولة لقطع خط الإمدادات الرئيسي للحوثيين. وبعد الإخفاق في تحقيق مكاسب كبيرة أوقف التحالف العمليات في الأول من يوليو تموز لإعطاء الأمم المتحدة فرصة لحل الموقف رغم استمرار بعض الأعمال القتالية.
ويقول محللون غربيون ان تعليق الشحنات السعودية، هو تهديد سعودي ضمني بارتفاع أسعار النفط، يهدف أيضا إلى الضغط على الحلفاء الغربيين الذين ما زالوا يدعمون الاتفاق النووي مع إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في مايو آيار، لاتخاذ موقف أقوى ضد برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودعم جماعات مسلحة في أرجاء المنطقة.
ولم يصدر أي تأكيد رسمي بأن هذه الخطوة جري تنسيقها مع واشنطن لكن أحد المحللين قال إنه سيكون من المثير للدهشة إذا لم يكن هناك تنسيق بالنظر إلى التحالف الاستراتيجي بين البلدين.
وما اوصل القيادة السعودية الى درجة الاحباط الشديد انه ليس لدى أي طرف غربي الرغبة في صراع شامل لكن الوضع يمكن بسهولة أن يتدهور. ويبدو أن هدف السعوديين هو التصعيد إلى أعلى مستوى ممكن لتحقيق أهدافها .
وقال جيمس دورسي من معهد إس.راجارتنام للدراسات الدولية: "الحوثيون ايضا يحاولون تصعيد الوضع حتى يتم بذل المزيد من الجهد للتفاوض لإنهاء الحرب في اليمن".
وأضاف قائلا "السعوديون هم الاخرون يحاولون خلق وضع تكثف فيه الولايات المتحدة بشكل أو آخر دعمها إلى حد كبير,حتى يمكنهم الإعلان عن نصر عسكري ولكن الواقع وتحدي وصمود الحوثيون يحرج الجميع ".
ويتمثل الخطر في أن يخطئ أحد الجانبين التقدير، وهو ما قد يثير ردا أقوى من المتوقع.
وقالت حليمة كروفت الرئيس العالمي لاستراتيجية السلع الأولية بشركة آر.بي.سي كابيتال ماركتس "نحن على بعد مسافة قصيرة من الدخول في مواجهة مباشرة على نحو أكبر".
خيارات نقل النفط السعودي
أعلنت السعودية وقف شحنات النفط عبر البحر الأحمر "إلى أن تصبح الملاحة في مضيق باب المندب آمنة".
ولم يتضح متى ستصبح الملاحة آمنة. لكن المملكة، وهي أكبر مصدر للنفط في العالم، ليست في عجلة من أمرها لأن لديها وسائل أخرى لنقل الخام إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية وما تسعى اليه هو اقناع اوربا بخطر ايران والالتحاق بامريكا واسرائيل ودول الخليج لمقاطعتها والخروج من الملف النووي .
وتمتلك المملكة خيار تغيير مسار السفن للالتفاف حول الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية ولكنه سيؤدي إلى تكلفة كبيرة في الوقت والمال وهو ما يجعله خيارا غير مرجح.
وبدلا من ذلك، ستتجه المملكة على الأرجح إلى خط أنابيب الشرق-الغرب (بترولاين) الذي ينقل الخام من حقول النفط في المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، ومنه إلى أوروبا وأمريكا الشمالية لرفع الحرج عن قرارها الفاشل في عدم التصدير عبر باب المندب.
وتقول مصادر بالقطاع إن المملكة قد تستأجر أيضا سفنا غير سعودية لنقل النفط عبر باب المندب.
الحاجة لحل سياسي
وحتى قبل حادث الأسبوع الماضي، اتخذت شركات الشحن إجراءات احترازية إضافية منها الاستعانة بحراسات مسلحة والمزيد من المراقبة والإبحار بسرعات أكبر وتكثيف الاتصالات مع القوات البحرية الدولية.
وكان تقرير للأمم المتحدة في يناير كانون الثاني ذكر أن الإجراءات الحالية لن تحمي السفن من هجمات تتضمن عبوات ناسفة بدائية محمولة بحرا، وصواريخ مضادة للسفن، وصواريخ موجهة مضادة للدبابات متمركزة على البر، وألغام بحرية.
ويقول خبراء إن الولايات المتحدة وشركاء آخرين يمكنهم تقديم حراسات بحرية للناقلات واتخاذ المزيد من الخطوات لتقليل قدرة الحوثيين على استهداف الملاحة، بما في ذلك إمدادات أسلحة والمساعدة في المجال اللوجستي والمعلومات الامر الذي اعتبره المحللون انه استثمار للاخطاء السعودية لكسب المزيد من الاموال ستدفعها الدول المصدرة للنفط .
وسبق وان ساعد تكثيف الدوريات البحرية في كبح هجمات القراصنة في خليج عدن القريب قبل عشرة أعوام لكن من المستبعد أن ينخرط الحلفاء الغربيون بشكل مباشر هذه المرة تفاديا للانجرار إلى حرب اليمن لانها سكون مكلفة .
ورغم أن النهج العسكري قد يواجه التهديد الماثل أمام حركة الشحن إلا أن إليزابيث ديكنسون من مجموعة الأزمات الدولية تقول إن الحل الحقيقي الوحيد هو تسوية الحرب في اليمن وهو هدف لا يزال بعيدا.
ما هو الرد الإيراني المحتمل؟
بعد انسحابها من الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية المبرم في عام 2015، تضغط واشنطن على الدول الأخرى حاليا من أجل وقف وارداتها من النفط الإيراني اعتبارا من نوفمبر تشرين الثاني. وحذرت طهران بأنها ستتخذ إجراءات مضادة، وهددت بمنع مرور سفن نقل الخام من الخليج إذا تم إيقاف صادراتها.
ورغم تهديدات عدائية متبادلة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإيران، إلا أن عددا من المسؤولين الإيرانيين يعتبرون احتمال مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة "منخفضا للغاية". ولا يزال البعض يؤمن بإمكانية إجراء مفاوضات مباشرة، لكن كثيرين ممن اتصلت بهم رويترز حذروا من أن رد طهران على أي مواجهة عسكرية تشنها واشنطن سيكون مكلفا.
وقال مسؤول كبير طلب عدم نشر اسمه "قوتنا العسكرية قد لا تكون مكافئة للقوة الأمريكية لكن القدرات الإيرانية غير التقليدية ستكون ضربة للأمريكيين وستجرهم إلى مستنقع مؤلم آخر في المنطقة".
وإلى جانب تعطيل تدفق النفط في الخليج، تقول مصادر مطلعة إنه إذا نشبت مواجهة مباشرة فإن من المحتمل أن تستهدف إيران المصالح الأمريكية الممتدة من الأردن إلى أفغانستان، بما في ذلك القوات الأمريكية في سوريا والعراق.
استبعاد حرب للناقلات
أثناء "حرب الناقلات" في منتصف الثمانينات، انتشرت في مياه الخليج ألغام مع قيام إيران والعراق بمهاجمة شحنات النفط. وقامت الولايات المتحدة وبريطانيا وقوى أجنبية أخرى بحراسة ناقلات لدول أخرى، وغيًرت بعض السفن الكويتية راياتها ورفعت العلم الأمريكي، ونفذت ضربات محدودة ضد أهداف بحرية إيرانية.
ورغم قدرة السعوديين على تسيير السفن بأعلام دول أخرى لتفادي هجمات الحوثيين، إلا أن محللين يقولون إن ذلك سيقوض جهود السعودية لإظهار نفوذها في المنطقة .
غضب سعودي من تجاهل الغرب لمزاعم الخطر على الملاحة في باب المندب:
ونشرت صحيفة الشرق الأوسط السعودية مقالا للصحفي السعودي المقرب من الديوان الملكي مشاري الذايدي حمل عنوان “هل تعيق أوروبا تحرير اليمن؟” عكس فيه مستوى خيبة الأمل لدى السعودية من تفاعل المجتمع الدولي مع مزاعمها بشأن استهداف قوات صنعاء لناقلتي نفط قبالة الساحل الغربي اليمني.
الذايدي أبدى إحباطا كبيرا من انحسار تشجيع أوروبا لحرب التحالف في اليمن واصفا ذلك باللؤم وتساءل : هل يحتاج العالم (هل نقول لؤم الأوروبيين؟) ليفيق من غفوته إلى حادث استهداف ناقلة نفط سعودية بالبحر الأحمر، ليصدر القرار السعودي «الفوري والمؤقت» بوقف مرور شحنات النفط السعودي عبر هذه المياه؟
وأضاف : المحيّر في الأمر أنه وبعد رحيل الرئيس الأميركي «الكارثة» باراك أوباما، ما زال هناك غرام غربي بالنظام الخميني، وهناك بصراحة ما وصفْته بحالة «لؤم» غربي سياسي، خصوصاً المجموعة الأوروبية، تجاه القضية اليمنية.
ورغم أن تعثر القوات العسكرية للتحالف في الحديدة أمام مقاومة قوة صنعاء هو ما أعاق الهجوم على الحديدة إلا أن الذايدي أعاد سبب هذا التعثر إلى ما قال أنه مقاومة وضغط غربيين
وقال: كأن المطلوب من السعودية والإمارات وغيرهما، التصالح مع وضع يحكم به الحوثي اليمن أو يشارك بثلثه المعطل، على غرار لبنان، ويرشق صواريخه على المدن السعودية، ويهدد حركة التجارة في البحر الأحمر… لكنّ هذا وضع يستحيل على السعودية التصالح معه.
صحيفة عكاظ السعودية هاجمت في تقرير لها اليوم الأحد مجلس الأمن وأمين عام الأمم المتحدة واتهمتها بالتآمر , وقالت الصحيفة: إن الأمين العام للأمم المتحدة البرتغالي أنطونيو غوتيريس “يلعب دورا مشبوها في المؤسسة الدولية، ويبدو أنه يحرك مجلس الأمن وفق أجندة من شأنها خدمة مصالح بعينها. فما تقوم به المنظمة الدولية منذ أن تولى رئاستها بات مشبوها، وبعيدا عن العمل السياسي والأخلاقي والدبلوماسي بمناصرته القوى الداعمة للإرهاب في الشرق الأوسط”
ووصفت الصحيفة عدم استجابة مجلس الأمن لمساعدة التحالف للهجوم على الحديدة وعدم تقديمه أي رد حول مزاعمها بشأن الخطر على ممرات الملاحة بالعجز مستجدية من الدول دائمة العضوية التحرك ضد غوتريش.
عكاظ أوردت على لسان من وصفتهم بـ سياسيين أردنيين أنه لا يمكن الحديث عن التحالف العربي بعيدا عن حقيقة التأييد الدولي، بما فيه تأييد الأمم المتحدة لهذا التحالف منذ اللحظة الأولى التي تشكل فيها، ما يعني بحسب مراقبين شعور التحالف بأنه بات يمضي وحيدا في قرارات الحرب وتخلي الحلفاء عنه.
واتهمت الصحيفة غوتيريس بأنه يقامر بسمعة المنظمة الدولية على مستوى العالم، وقالت إن ذلك يضع علامات استفهام عديدة حوله! وشددت على لسان السياسيين الأوربيين على ضرورة التحرك الحاسم لعواصم القرار لوقف هذا الجنوح لصالح أجندات مشبوهة، معتبرو أن مواصلة غوتيريس لعبة الأكاذيب ستدفع الأمم المتحدة إلى الانهيار الأخلاقي الكامل.”
وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش كان قد اعتبر تباين في وجهات النظر بين أمريكا واورباء بشأن إيران أمر مقلق، حيث رفض الاتحاد الأوربي فرض أي عقوبة على إيران ووقع معها في العشرين من يونيو الماضي على بقاء الاتفاق النووي، ما يعني بحسب مراقبون أن قرار السعودية بإيقاف تصدير النفط عبر باب المندب –ممر الملاحة الأساسي إلى أوروبا- هو بإشارة أمريكية للضغط على الأوروبين للمضي في مسار الوجهة الأمريكية في العداء مع إيران.
ويؤكد مراقبون أن تأخر أوروبا في الرد يكشف عدم رضوخها للمطالب الأمريكية بالابتعاد عن إيران، بل قد يدفع أوروبا نحو مزيد من التقارب مع الأخيرة.
ويدعم الاتحاد الأوربي جهود المبعوث الأمم للسلام في اليمن، وفي وقت سابق حذر الاتحاد الأوربي من مغبة هجوم التحالف على الحديدة مؤكدا أن العودة إلى المفاوضات هي الحل.
ويعاني التحالف من فشل عملياته العسكرية في تحقيق أية إنجازات ميدانية وسط تعاظم لقوات صنعاء بشكل بات يهدد الاقتصاد السعودي والإماراتي كما تؤكد مجلة فوربس الأمريكية.
https://telegram.me/buratha