ـ رهيل محمد رستم موسى (16 عاما)
ـ عبد الرحمن رحيم قادر حسين (16 عاما)
ـ بلال سليمان عبد الرحمن احمد (18 عاما)
هؤلاء الشبان المراهقون الثلاثة، هم الذين اقتحموا صباح الاثنين الماضي، الثالث والعشرين من شهر تموز/ يوليو الماضي، مبنى محافظة اربيل، عاصمة اقليم كردستان، وتحصنوا فيه لعدة ساعات قبل ان تنجح قوات الامن الكردية بقتلهم، واعادة الامور الى نصابها.
وبصرف النظر عن المكان والزمان وطبيعة الموقع المستهدف، لا يمكن النظر الى هذه العملية الارهابية والتعاطي معها، كما في التعاطي مع عمليات ارهابية كثيرة، استهدفت مختلف المدن العراقية على امتداد عقد ونصف العقد من الزمن، ناهيك عن استهداف دول في اوروبا واسيا وافريقيا والاميركتين.
ففيما يتعلق بعمر الارهابيين الثلاثة، يبدو واضحا، انهم لم يتجاوزا مرحلة الدراسة الاعدادية، ما يعني ان تجربتهم وخبرتهم بالحياة تكاد تكون قليلة ومحدودة للغاية.
وهذا الامر، من جانب يدفع الى الاستغراب والتساؤل عن السر الكامن وراء اقدام شباب مراهقين على عمل ارهابي من هذا القبيل، من غير الممكن ان ينتهي بهم لغير القتل، او السجن في افضل الاحوال، ومن في مثل اعمارهم يفترض ان يفكر ويتطلع الى افاق الحياة المختلفة بفرصها وملذاتها ومغرياتها.
ومن جانب اخر، يمكن الذهاب الى التحليل والتفسير الاقرب الى الواقع، وهو انه اذا كان من الصعب جدا تضليل الاشخاص الناضجين والمدركين لنتائج واثار أي فعل يقدمون عليه، بحكم اعمارهم الكبيرة وتجاربهم الكثيرة، فانه قد يكون يسيرا الى حد كبير، تضليل وخداع شبان مراهقين، واجراء عمليات غسيل لادمغتهم، تجعلهم يندفعون الى ارتكاب اعمال لا تعود عليهم بأي مكسب مادي او معنوي.
وبما انه على ضوء الكثير من معطيات واقع منظومات العمل الارهابي، يتراوح معدل اعمار الارهابيين، الذين يقدمون على ارتكاب عمليات ارهابية انتحارية، بين خمسة وعشرين عاما، وخمسة وثلاثين عاما، فان انخراط شبان تحت سن العشرين، يعني الشيء الكثير والخطير، الذي يستوجب التوقف عنده طويلا، والبحث في خلفياته ومنابعه، وكذلك تبعاته وتأثيراته ومدى امكانية توسعه.
ولا شك ان الجهات الامنية المعنية، سارعت الى البحث والتدقيق في طبيعة البيئة الاجتماعية للشبان الثلاثة، وطبيعة اهتماماتهم وتوجهاتهم، والاماكن التي يرتادونها، والاشخاص الذين يلتقون بهم ويؤثرون عليهم.
ولعل النتيجة التي توصلوا ـ او سيتوصلون ـ اليها، او التي يمكن ان يتوصل اليها أي تحقيق امني في قضية مشابهة،هي ان هناك ضغوطات اجتماعية ونفسية، ترافق معها تثقيف ديني خاطئ ومنحرف، وتحريض سياسي، لا يخلو في نهاية الامر من اجندات، لم تكن واضحة للارهابيين "الضحايا"، انتهت الى ما انتهت اليه الامور بالنسبة لهم.
السلطات السياسية والامنية في اقليم كردستان، نجحت الى حد كبير في تحصين الاقليم من المد الارهابي
ولعل التقويم الموضوعي المنصف، يقتضي القول، ان السلطات السياسية والامنية في اقليم كردستان، نجحت الى حد كبير في تحصين الاقليم من المد الارهابي، بشقه العملياتي المسلح، الذي اجتاح العراق بعد الاطاحة بنظام صدام في عام 2003، بيد انها لم تنجح بنفس المستوى في تحصين الاقليم من المد الارهابي، بشقه الفكري-الثقافي التكفيري المنحرف، وهذا ما يصدق على دول تمتلك من الامكانيات والموارد والطاقات الشيء الكثير.
والملا اسماعيل سوسايي، الذي القي القبض عليه من قبل جهاز مكافحة الارهاب الكردي، على خلفية تورطه في التخطيط لعملية اقتحام مبنى المحافظة، وتم العثور على اسلحة ومواد متفجرة في منزله، هو في الواقع نتاج الفكر التكفيري المنحرف، الذي تعود بعض جذوره في اقليم كردستان الى تسعينيات القرن الماضي، حينما اخذت هيئة الاغاثة الاسلامية العالمية السعودية، تنشط في الاقليم، من خلال تبني مشاريع صحية وتعليمية وتنموية مختلفة، في ذات الوقت الذي كانت تبث وتنشر الافكار الدينية الضالة المتشددة، مثلما كانت تنشط وتتحرك في دول اخرى عديدة، مستغلة مظاهر الاضطراب السياسي والازمات والمشاكل الاقتصادية.
قد يكون الشق الفكري ـ الثقافي للمد الارهابي اخطر من الشق العملياتي ـ المسلح، لانه لا يمكن للثاني العمل بدون تغذية من الاول.
الارهاب، بأجياله الثلاثة المتعاقبة، وعناوينه ومسمياته المختلفة ـ التكفير والهجرة، والقاعدة، وداعش وغيرهما ـ تركز بمقدار كبير على الجانب النظري
وفي هذا الاطار، نلاحظ ان الارهاب، بأجياله الثلاثة المتعاقبة، وعناوينه ومسمياته المختلفة ـ التكفير والهجرة، والقاعدة، وداعش وغيرهما ـ تركز بمقدار كبير على الجانب النظري، التنظيري، مستفيدا من المنابر الدينية، والفضاء الالكتروني، والقنوات الفضائية، وكذلك المدارس والمراكز الدينية، من اجل ان يخلق جوا تعبويا تضليليا يساهم في تجنيد الشباب وترسيخ حقائق مزيفة في اذهانهم وعقولهم، ليأخذوها بالتالي كمسلّمات غير قابلة للنقاش، تنتهي بهم ـ حسب تصورهم ـ الى جنات النعيم، وليتناولوا غداءهم او عشاءهم مع الرسول الاكرم(ص)!.
وفي الواقع، ان الملا اسماعيل سوسايي وامثاله، اما من ادوات ذلك الخداع والتضليل الديني الخطير، او هم من ضحاياه.
وما يجدر ذكره هنا هو ان الكثير من الذين يقعون في شراك ذلك الخداع والتضليل، اما ان يصلوا الى ما وصل اليه الشبان المراهقون الثلاثة بعد اقتحامهم مبنى محافظة اربيل، ولا نعتقد ان تلك النتيجة كانت غائبة عن اذهانهم، بل اغلب الظن انهم كانوا ينتظرونها بشغف ولهفة، على ضوء خدعة "تناول الغداء او العشاء مع الرسول(ص)!، او ان هناك من يكون رد فعله كبيرا وقويا، بعدما يدرك فداحة الطريق الذي سار فيه، من خلال الصورة البشعة الظلامية للدين، لذا فانه يقرر الكفر بكل ما يمت الى الدين بصلة، ويسلك طريق الرذيلة والانحراف الاخلاقي والديني والاجتماعي، وهذه النهاية ليست اقل وطأة وضررا من نهاية اصحاب الخيار الاول، الا كونها لا تنتهي الى سفك الدماء وازهاق الارواح.
ان الخطير في الامر، هو ان تنظيم داعش الارهابي، الذي تعرض الى هزائم وانتكاسات في مواقع عديدة خلال الاعوام القلائل الماضية، ربما يعيد تنظيم وتسويق نفسه تحت مسمى اخر، ليكون جيل المراهقين المخدوعين والمندفعين بأوهام وصور غيبية زائفة ومشوهة، عماد وركيزة الاسم الجديد، وبالتالي ليشكل الجيل الرابع للارهاب التكفيري، وعملية مبنى محافظة اربيل، قد تكون مؤشرا اوليا، يفترض ان لا يقلق ويشغل الاكراد فقط، بل الاخرين ايضا، في داخل العراق وخارجه.
https://telegram.me/buratha