عادل الجبوري
لم يتبق من عمر مجلس النواب العراقي الحالي سوى أيام قلائل فقط، وما زالت الصورة غامضة، والمشهد ضبابياً، والمسارات قاتمة، في ظل جدل وسجال واسع، وبدلا من ان ينتهي الى نتيجة مثمرة وعملية ارتباطاً بالخطوات المتخذة والقرارات والتشريعات الصادرة، فإنه اخذ بالاتساع، وكلما اتسعت مدياته وآفاقه ومساحاته وسقوفه، كلما ارتفعت مستويات القلق، وتنامت الهواجس، وطغت المخاوف.
لا يتصور عاقل أن أياماً قلائل جداً ستشهد حلاً سحرياً اعجازياً، يضع حداً لحالة التداعي الخطير في الوضع السياسي العراقي.
لا يوجد نص دستوري يتيح للبرلمان تمديد بقائه، حتى ولو ليوم واحد، وهذا ما يراد الالتفاف عليه بطريقة أو بأخرى.
فالبرلمان الحالي، يتحرك من خلال بعض أعضائه، ليبقى فترة أطول بعد انتهاء الأربعة أعوام التقويمية له في الثلاثين من شهر حزيران - يونيو الجاري، بحجة أن المحكمة الاتحادية أشارت في قراراتها الأخيرة، الصادرة في الحادي والعشرين من الشهر الجاري، بشأن الاشكالات الانتخابية والخطوات التي يفترض اتخاذها، الى أنه يقع على عاتق البرلمان متابعة الاجراءات التنفيذية لعمليات العد والفرز اليدوي، حتى استكمالها وظهور نتائجها.
بعبارة أخرى، إن البرلمان العراقي، الذي لا يمكن أن يجد نصا، او ثغرة دستورية، تتيح وتبرر له البقاء والاستمرار في عمله بعد الثلاثين من حزيران-يونيو، راح يتعكز على عبارة، ربما تكون عابرة، وردت بين طيات قرارات المحكمة الاتحادية، واغلب الظن ان الاخيرة ذاتها، لن تقر بذلك، ولن تمنح الشرعية لاستمرار البرلمان في عمله، في حال عرض عليها الامر.
هذا من الناحية القانونية - الدستورية، أما من الناحية السياسية، فإن الاتجاه العام لمختلف القوى السياسية، يتمثل بالرفض القاطع لتمديد الدورة الحالية للبرلمان بعد انتهائها، أياً كانت الأسباب والدواعي والمبررات، واذا كان هناك من يدعو ويؤيد التمديد، فإنه اما خاسر ولا يريد مغادرة مسرح الأحداث، أو يحمل أجندات معينة يراد منها خلط الاوراق، والدفع بالأمور نحو المزيد من التعقيد والتأزيم.
ولعل تمرير أي مقترح أو مشروع لتمديد عمل البرلمان، يمكن أن يفتح الباب واسعا لأسوأ الخيارات، وما أشارت اليه بعض القوى والشخصيات السياسية عبر بيانات وتصريحات اعلامية، ينطوي على اشارات - تهديدات - بعضها ضمنية وبعضها الآخر صريحة عن مثل تلك الخيارات.
واذا كانت هناك أطراف وجهات سياسية وغير سياسية مخلصة وحريصة على عدم تجاوز الدستور والقفز عليه، فإن هناك اطرافا وجهات اخرى، تتحين الفرص، لكي تدفع بمجمل الوضع العام في البلاد الى المجهول، ومن يتابع ويتأمل في مسارات الاحداث وتداعياتها المتلاحقة خلال الشهور الثلاثة الاخيرة، يدرك أن لا شيء يحدث عفويا، لا سيما ما يتعلق بالملف الانتخابي.
وفي اطار البحث عن مسوغات ومبررات مقنعة لتمديد وجود وعمل البرلمان الحالي، يذهب دعاة التمديد الى انه في عام 2010، وتحديدا بعد الانتخابات، حصلت ظروف مشابهة، اذ تعطل تشكيل الحكومة لمدة تسعة شهور.
هذه المقاربة غير دقيقة، لانه في عام 2010، صادقت المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات، والتأم البرلمان الجديد، وبقيت جلسته الاولى مفتوحة، حتى حسم أمر ترشيح رئيس الوزراء، مع التأكيد على ان تلك الحالة لم تكن سليمة ولا مقبولة، ومثلت في حينها نوعا من الالتفاف على الدستور، الذي بادرت المحكمة الاتحادية الى معالجته وتلافيه من خلال قرارها الصادر في الرابع والعشرين من شهر تشرين الاول - اكتوبر من عام 2010، بناء على الدعوى المرفوعة اليها من قبل عدد من منظمات المجتمع المدني ضد رئيس مجلس النواب المؤقت (رئيس السن) في حينه، فؤاد معصوم. حيث قضى قرار المحكمة الاتحادية بـ"إلغاء القرار الذي اتخذ بجعل الجلسة الاولى لمجلس النواب (مفتوحة) والى زمن غير محدد ودون سند من الدستور، باعتباره يشكل خرقاً لأحكامه وصادر مفهوم (الجلسة الاولى) ومراميها التي قصدتها المادة ( 55 ) منه".
ولا يختلف اثنان في أن انتهاء عمر البرلمان الحالي، مع عدم حسم نتائج الانتخابات ومصادقة المحكمة عليها، يعد اشكالية كبيرة، تسبب فراغا دستوريا، لا يمكن لأي كان القول بخلافه، أو التقليل من خطورته، ان لم يكن اليوم، فعلى صعيد المستقبل، وهو ما يترتب عليه فتح الباب واسعا لكل الاحتمالات السيئة والسلبية، كما أشرنا انفاً.
طبيعي أن ما وصلنا اليه من أوضاع قلقة ومضطربة، ولا نبالغ اذا قلنا خطيرة، هي نتاج مقدمات غير صحيحة، وخطوات واجراءات غير مدروسة بما فيه الكفاية، والاسوأ من ذلك، أن معالجة ما هو سلبي وخاطئ، لا يتم بأدوات ووسائل وسياقات صحيحة، وبالتالي تزداد الامور سوءا وتعقيدا وتأزيما.
واذا كان المعارضون لأي تمديد لعمر البرلمان الحالي، يتحدثون متسلحين بالدستور، وهذا شيء جيد وموضع قبول وترحيب، فإنهم -والبعض منهم يتحمل جزءا من المسؤولية- لا يمتلكون حلا عمليا وواقعيا يقطع الطريق على دعاة التمديد، ويدحض حججهم ومطالبهم.
وهذا يعني ان تداعيات ما بعد الثلاثين من حزيران، لن تأتي بمعزل عن مجمل تفاعلات واشكاليات وأزمات ما قبل هذا التاريخ، ان لم تكن استمرارا لها، وبنهايات مفتوحة وغامضة ومربكة ومقلقة!.
https://telegram.me/buratha