عندما كانت النساء تذيب الخبز المتيبس في الماء لأطفالها، ولما تطهو حبات الباقلاء بطرق بدائية على الحطب – لإسكات جوع فلذات قلوبهن، ويكتفي الكبار بوجبة طعام واحدة، أو جوع ليوم كامل وأكثر، كان الدواعش يتقاسمون حد الجشع بينهم لأنفس خيرات أرض العراق بشكل يومي.
فضحت وثيقة عُثر عليها في مدينة الموصل، طمع الدواعش وجشعهم في الاستيلاء على إحدى أبرز الثروات العراقية، وهي مادة من مشتقات النفط الخام الذي وقع تحت سطوة ونهب داعش كما البشر والمعالم التاريخية والحياة برمتها.
وتكشف الوثيقة التي حصلت عليها وكالة روسية ناطقة باللغة العربية، المؤرخة في شهر حزيران 2016، بالإضافة إلى نهش عناصر داعش لمادة البنزين، تدهور أحوالهم وتدني رواتبهم خلافاً للمغريات التي كانت تستقطبهم من مختلف الدول، بمئات الدولارات مع بيت وجارية من إحدى الفتيات الإيزيديات اللواتي سباهن من قضاء سنجار وقرى غرب الموصل، للاستعباد الجنسي مطلع آب 2014.
وعنونت الوثيقة بترشيد استهلاك البنزين وخاطب فيها داعش الإرهابي كافة ألويته ومفاصله، مترجيا عناصره في الوثيقة وفق نصها التالي:
[الرجاء، الرجاء ، المحافظة على حصص البنزين وترشيد استهلاكها، كون الفرقة لديها حصة ثابتة وفي بعض الأحياء الأخوة يطالبون بأكثر من حصصهم، وهذا يسبب الحرج، ويؤدي إلى الاستقطاع من حصص الغير، وبدون وجه حق، وهنا نذكر جميع الأخوة" أن سعر اللتر يكلف 1750 دينارا، وهذا يعني أنه في حالة استهلاك الأخ 100 لتر في الأسبوع فإنه يعادل مبلغ 700 الف دينار في الشهر وهذا يعادل كفالة 11 عنصرا أعزبا، فعلى الجميع تقوى الله، والالتزام بالحصص المقررة]".
وبتقسيم 700 ألف على 11 داعشيا أعزبا، فإن راتب الواحد منهم يبلغ نحو 64 ألف دينار عراقي وهو ما يعادل 50 دولاراً، بالتزامن مع خسارة داعش على أول مدينة يستولي عليها في العراق، وهي الفلوجة التي حررتها القوات العراقية بالكامل في معركة بدأت في أواخر أيار، وحسمتها حزيران 2016 نفس تاريخ الوثيقة بالضبط.
وجنى داعش الإرهابي أرباحاً طائلة من مشتقات النفط العراقي، بعد سرقته من آبار ومصافي بمحافظتي نينوى، وصلاح الدين شمالي العاصمة بغداد، وأبرزها مصفى بيجي أكبر معمل لتكرير النفط في العراق والشرق الأوسط.
وباع داعش كميات كبيرة من مشتقات النفط، وعلى رأسها مادة البنزين بأنواع مختلفة متفاوتة الجودة، على المدنيين في الموصل، وبأسعار وصلت لأكثر من ألف دينار للتر الواحد.
وذكر مصدر محلي من مدينة الموصل، أنواع البنزين الذي كان يبيعه داعش على المدنيين على مدى نحو ثلاثة أعوام، قبل أن يتم تحريرهم منه.
وأنواع البنزين هي: كنده ستان، وبيجي أي الذي يسرقه داعش من مصفى بيجي شمالي محافظة صلاح الدين قبل أن تحرر منه خلال عام 2015، ومحلي الذي يكرره داعش الإرهابي ومالكي الحراقات محليا، وبنزين الشمال الذي يأتي للموصل عبر مهربين من مناطق إقليم كردستان، وحلبي المسروق من الأراضي السورية، والأخير يدعى مخلوط أي يحتوي على مواد أخرى وشوائب.
وألمح المصدر الذي تحفظ الكشف عن اسمه، إلى أن أغلى نوع من بين المذكورة كان بنزين بيجي، والشمال، لأنهما بنوعية جيدة مقارنة بالبقية التي تحتوي على نسبة من الماء، وزيت الغاز [الكاز] ، دائما.
ويقول المصدر إن سعر لتر البنزين كان يتراوح ما بين 900 - 1000 دينار، وتكون أسعاره مرتفعة عندما يشح من السوق السوداء التي عملها داعش في الموصل وباقي مناطق سيطرته في العراق، قبل أن يخسر أغلبها وما تبقى له منها سوى ثلاثة أقضية هي "عانة، وراوة، والقائم" غربي الأنبار.
وخلف داعش في الموصل، دمارا هائلا مع آلاف المدنيين ما بين قتيل ومفقود ويتيم من كلا الأبوين وفاقد لكل أفراد أسرته، بعد أعوام ثلاثة من الجوع والإبادة والرعب اليومي الذي كان يطبقه على المحاصرين تحت ذريعة تطبيق الخلافة التي لم يسفر عنها إلا سفك الدماء والمجاعة.
https://telegram.me/buratha