وزارتا الزراعة والصناعة تفضلان "اليوريا" المستوردة على المحلية
في أجواء صيفية لاهبة وأثناء زيارتي لأحد أقاربي في محافظة البصرة استأجرت سيارة تاكسي خالية من ابسط المواصفات لراحة السائق والراكبين، حيث لا يوجد جهاز تبريد في السيارة وحرارة الجو تكاد تتجاوز الـ(50) درجة مئوية مع رطوبة خانقة، بينما بدا على ملامح السائق الهدوء وأسلوب متميز بالحديث كلها تشير الى انه انسان واعٍ، لذا دفعني فضولي الصحفي لسؤاله عن واقع البصرة ومستوى المعيشة فيها ,فكان الجواب صادما، اذ اتضح بانه مهندس في مصنع البتروكيمياويات في البصرة، وقبل ان اصل وجهتي صدمني ايضا بمعلومة أخرى مفادها انه واحد من (3600) موظف تضرروا جراء استقطاع الحوافز والمخصصات، وانهم يعيشون عند حد الكفاف بسبب توقف المصنع عن العمل.
بقيت تلك المعلومة تجول في راسي، فكيف تعيش (3600) عائلة براتب ضئيل جدا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد. توجهت صباحا صوب مصنع البتروكيمياويات، فوجئت بمكائن وأنابيب صدئة ترك الزمن آثاره عليها وأحسست بألم لما آل اليه مصنع كان يعد من أضخم المصانع الحكومية في محافظة البصرة، لكن المفاجأة الأكبر كانت هي التي ذكرها رائد ريسان السعد معاون المدير الفني في المصنع والذي أكد ما جاء به سائق التاكسي من أن العاملين في المصنع يكابدون مشكلة كبيرة ألا وهي انخفاض الرواتب ما أثر سلبا على حياتهم من دون أية بارقة أمل لإنقاذ هذه الشركة وموظفيها البالغ عددهم (3600) منتسب.
تناقضات حول تجهيز الغاز
رئيس لجنة النفط والغاز في مجلس محافظة البصرة علي شداد أكد: ان السبب الرئيسي في توقف مجمع البتروكيمياويات هو فشل وزارة الصناعة في إدارة ملف المصانع للتمويل الذاتي وأهمها البتروكيمياويات وعدم توفر الغاز الطبيعي بالكمية والضغوط المطلوبة وحسب التصميم الأساسي للمجمع. مبديا أسفه لقول احد مسؤولي الصناعة بأن البتروكيمياويات عاله على الوزارة. مؤكدا: ان كل المدراء في وزارة الصناعة منذ عام ٢٠٠٣ حتى الآن لم يكونوا بمستوى الطموح لإنقاذ المجمع من الدمار. وبشأن عدم توفر الغاز ذكر عاصم جهاد ، المتحدث الرسمي لوزارة النفط: ان الوزارة ملتزمة بتجهيز مصانع البتروكيمياويات والأسمدة بالغاز فضلا عن محطات الطاقة الكهربائية. مشيرا الى: ان مصنع البتروكيماويات يواجه مشاكل فنية ومالية كبيرة وغير ذلك، وجميع الجهات في البصرة تعرف هذه الحقائق وكانت تعتذر لوجود مشاكل فنية وغيرها. مؤكدا: وجود مباحثات ومذكرات تفاهم لوزارة النفط مع شركات عالمية لإنشاء مصانع حديثة للبتروكيمياويات ومنها شركة لوك اويل الروسية وتوتال الفرنسية، وضمن الخطط المستقبلية فإن الوزارة تستطيع تلبية احتياجات هذه المصانع من الغاز.
تأييد ومعارضة المشروع الجديد
اما بشأن المعمل الجديد المزمع انشاؤه واهمال المعمل الحالي فقد بيّن الناطق الرسمي لوزارة الصناعة عبد الواحد الشمري لـ(المدى): ان هناك مفاوضات مع شركة شل العالمية لانجاز مشروع بناء مصنع جديد للبتروكيمياويات في البصرة. والذي يعده الشمري من المشاريع الستراتيجية المهمة التي من الممكن أن تساهم في نهضة الصناعة في العراق. مؤكدا ان: في حالة إكمال المصنع والمباشرة بالعمل فيه وإكمال المخططات من حيث تخصيص الأراضي وتجهيز الغاز وكذلك الموارد المالية المطلوبة سيوفر عائدات مالية كبيرة للدولة أولا وسيوفر فرص عمل كبيرة جدا لأبناء المحافظة ثانيا.
بينما رجح شداد وجود مؤامرة كبيرة لإبقاء المجمع بعيدا عن العمل من اجل أرباح شخصية قد تدفع لأشخاص نافذين اذا ما تم بناء مجمع جديد. متابعا: حيث لاحظنا أن الوزارة ذهبت باتجاه استثمار معمل جديد (مشروع نبراس) مع شركة شل النفطية في ظل الأزمة المالية والمشروع بالحقيقة لا يمكن أن يقام إطلاقا في ظل وجود تراكمات بيروقراطية في الوزارة ووكلائها الفاشلين، حسب تعبيره.
إهمال واندثار
توقف المجمع يجعل من السهل الاعتماد على استيراد المواد التي تحتاجها الوزارات وبالأخص وزارة الزراعة .. ناهيك عن توقف دعم المزارعين والزراعة والمعامل الصناعية الصغيرة التي كانت تحت رعاية هذه المنشأة المهمة ... حيث تصل قيمة مايستورده العراق من الحبيبات البلاستيكية أكثر من (300) مليون دولار سنويا بسبب توقف المعمل عن انتاجها، والمادة الأساسية لصناعتها هو الغاز الطبيعي.
الخبير الاقتصادي في جامعة البصرة الدكتور عبد الجبار الحلفي يحمل إهمال الموازنات العراقية للتخصيصات اللازمة لوزارة الصناعة واندثار المكائن إضافة إلى إغراق سلعي من الدول المجاورة في مادة البلاستيك اثر على المصنع. مؤكدا: ان بعض المتنفذين في السلطة أصبحوا وكلاء في كثير من المنتجات التي تغزو الأسواق العراقية ما تسبب في موت الصناعة العراقية، وهو إهمال قد يكون متقصداً أحيانا.
البصرة تحرق (5,6) مليار متر مكعب من الغاز!!
واضاف الحلفي: أن الغاز المصاحب يسد الحاجة ويزيد، فالعراق يحرق سنويا من (7) الى (8) مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي حسب تقديرات الأوبك. مضيفا: ان منظمة الأوبك هي التي تقرر القضايا الفنية لذلك فـ(8) مليارات تعني أكثر من (17) مليار دولار يخسرها العراق سنويا بسبب هدر الغاز، فالبصرة تحرق (5,6) مليار متر مكعب في العمليات النفطية المتولدة في المحافظة.
وعن أمكانية تأهيل المصنع قال الحلفي انها صعبة جدا حيث يفترض من الحكومة العراقية ان تتفق مع شركة أجنبية مثل ما هو معمول به في دول الخليج مثل والكويت وقطر والإمارات لتكون مجموعات مشتركة أفضل من خلال راس مال ثابت ووضع خطط واقعية صحيحة لإدارة المصنع. كذلك لا توجد لديها اية تخصيصات ونفقات لتأهيل المصنع والنهوض بالصناعة مقارنه بين إنتاج الغاز قبل 2003 وبعدها.
في حين رفض المهندس خالد كاظم ناجي مدير معمل البتروكيمياويات في البصرة تلك المزاعم مؤكدا ان المعمل الذي سيتم إنشاؤه لن يؤثر على المصنع الحالي لاختلاف التكنولوجيا والمنتجات وهو مشروع كبير جدا. مضيفا: كان في وقتها ولحد الآن شحّ في الغاز لاستخدامه في تجهيز المحطات الكهربائية ولذلك حتى مصنع الأسمدة تم إيقافه في فصل الصيف بسب الكهرباء.
العائق الوحيد هو الغاز
من جانبه، يؤكد الخبير النفطي حمزة الجواهري : ان العيب ليس في الغاز وإنما العيب في المصنع نفسه لأن كميات الغاز التي يحتاجها المصنع لا تتجاوز (200) مق مق وهذه الكميات قليلة جدا ومتوفرة عندنا. متابعا: الآن ممكن تشغيل مصنع أو مصنعين للبتروكيمياويات بسهولة تامة. مردفا: المشكلة بالمصنع الذي دُمر بالحروب وعمليات النهب لبعض أجزاء المبنى، كل هذا قلل من طاقته الإنتاجية حتى بعد إعادة تأهيله، نحتاج الآن مصانع بترو كيماويات متكاملة.
وأكد الجواهري بأن: كل المكائن والمعدات الموجودة حاليا في المصنع بشكل عام تحتاج إلى تجديد أو توسعة أو استبدال، وهذا ليس الموضوع الرئيسي. منوها: ان العائق الوحيد الآن هو مسالة سعر الغاز المناسب للمستثمر وللوزارة والذي يجب أن يكون مشجعا. مستدركا: لأن العراق إذا لم يعطِ سعرا مشجعا للمستثمر بالنسبة للغاز فلا نستطيع أن نطور الصناعة البتروكيمياوية ويبقى الغاز يحترق ويهدر.
الزراعة تستورد من قطر وإيران
الوكيل الفني في وزارة الزراعة الدكتور مهدي ضمد القيسي أوضح لـ(المدى) ان هناك عقدا بين الوزارة ومعمل الأسمدة وذلك باستلام إنتاجه كاملا قبل 2014. متابعا: ومع استمرار عملية الاستلام ومنحه سلفة مقدمة ليستطيع تغطية بعض التكاليف وديمومة عمله ولغاية شهر حزيران 2014 بدأ المعمل بصيانة خطي الإنتاج الأمر الذي أدى إلى توقف عملية تجهيز الأسمدة.
واسترسل القيسي: طلبنا أن تتم صيانة خط واحد ليستمر الخط الثاني بتزويدنا باحتياجاتنا من السماد. مستدركا: لكن معمل الأسمدة أكد عدم أمكانية عمل صيانة لخط دون الآخر وذلك لتعاقده مع إحدى شركات دول الجوار حتى نهاية عام 2014. متابعا: وبما أننا ملزمون بتوفير السماد لموسمي الزراعة الشتوي والصيفي للقطاع الزراعي بموجب الخطة الزراعية فلذلك لجأنا الى الاستيراد من قطر وإيران.
الأسمدة العراقية أفضل من المستوردة
في حين اوضح الناطق الرسمي لوزارة الزراعة حميد النايف بأن الشركة العامة لصناعة الأسمدة لديها خطان إنتاجيان تمت أعادة تأهيلهما من خلال القرض الياباني الذي منح للعراق. مردفا: ولأن سماد اليوريا من الأسمدة المهمة خاصة للفلاح في زراعة المنتوجات الزراعية عملنا جاهدين لتشغيل الخط الأول. لافتا الى: ارتباط الوزارة بعقود مع الدول المجاورة سواء كانت قطرية أو سعودية أو أردنية أو إيرانية لغرض شراء مادة اليوريا.
واستطرد النايف: لوحظ وجود تلكؤ عند التفاوض مع وزارة الصناعة والمعادن وقناعتهم بان المستورد أفضل من المنتج العراقي بالرغم من ان نتائج تحليلات المختبر لإنتاجنا من مادة اليوريا أثبتت بان الإنتاج العراقي هو الأفضل من المستورد في كثير من حيث الأمور الفنية والمختبرية. منوها الى: ان الامانة العامة لرئاسة الوزراء اوعزت الى الشركة العامة للأسمدة بالتوقف لفترة محدودة وذلك لاستخدام الغاز في محطات توليد الكهرباء لحلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة. مضيفا: بعد زيارة لشركتي نفط وغاز الجنوب اكدوا ان الموضوع لا يؤثر على تزويد محطات الكهرباء بالغاز الكافي للتشغيله في حال تجهيز معمل الاسمدة . موضحا: أن شركة غاز الجنوب تستطيع أن تغطي انتاج الغاز سواء الأسمدة أو لمحطات الكهرباء الأمر الذي أدى إلى اعادة الإنتاج.
لدينا انتاج يفتقد للتسويق والشراء
الناطق الرسمي لوزارة الصناعة عبد الواحد الشمري بين لـ(المدى): بالرغم من صدور قرارات عليا من الأمانة العامة لرئاسة الوزراء ومجلس الوزراء يجبر كافة وزارات الدولة بالتعامل مباشر مع وزارة الصناعة والمعادن في شراء المنتجات الوطنية والمنتوج الوطني، لكن لحد هذه اللحظة لم نرَ أن هذا القرار يفعل بشكل جيد. مضيفا: لدينا انتاج حربي يخص عمل وزارتي الداخلية وصناعات مدنية يمكن ان تسد حاجة وزارات الكهرباء والصحة الا ان كل ذك متوقف بسبب غياب الرؤية الحقيقية لدعم الصناعة العراقية.
وذكر الشمري: بعد قرار دمج شركات وزارة الصناعة وتقليصها إلى (32) شركة أصبحت متخصصة في كافة المجالات والقطاعات الإنتاجية. وأضاف متأسفاً: لتوقف الكثير من الشركات في الوقت الحاضر لعدم وجود عقود حقيقية وفي نفس الوقت اكتظاظ الأسواق العراقية بمختلف البضائع والسلع من مختلف المناشئ وبأسعار رخيصة ولا تنافس المنتوج الوطني.
الموظفون خط احمر !
وعن الاتهامات حول إيقاف مصنع الأسمدة بشكل متعمد لاستيراده من قطر قال الناطق الاعلامي باسم وزارة الصناعة والمعادن: ان هناك عقودا خارجية لوزارة الزراعة ولكن المفاوضات الأخيرة مع الوزارة تسير بالاتجاه الصحيح. مبينا: يوجد لدينا ما يقارب الـ (3000) منتسب سواء على الملاك الدائم أو المؤقت 3000 نعتبرهم كوزارة خطا احمر لابد من توفر رواتبهم ولابد من أن تستمر الشركة في الإنتاج لغرض أن تغطي الرواتب.
تحقيق / رجاء حميد رشيد
https://telegram.me/buratha