عباس الكتبي
متى كانت التسويات السياسية ذات حلول ناجعة ومثمرة؟
ليس كل تسوية سياسية،تفضي الى سلام، بل أحياناً تجر الى عنف وإقتتال، ففي التاريخ الأوربي والعربي،حدث هذا الشيء.
التسويات بعد الحرب العالمية الأولى، أنتجت أبرام معاهدة فرساي سنة 1919،وعوقبت بها ألمانية خاصة، وعلى أثرها قدمت ألمانيا تنازلات كبيرة وكثيرة.
لكن بعد ذلك ظهرت النازية في ألمانيا عام 1933،وقيام حلف جديد من دول المحور:( ألمانيا-ايطاليا-اليابان)،وحلف مضاد من دول الحلفاء:(بريطانيا-فرنسا- أمريكا)،أدى بالحلفين الى نشوب حرب عالمية ثانية،لم تنتهي الا بدخول دول الحلفاء الى المانيا سنة 1944،واعدام" موسوليني" من الثوار الأيطاليين بميلانو،وانتحار هتلر 1945،وقصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان، بقنبلتين ذرتين من قبل أمريكا.
ثمار الحرب العالمية الثانية،التي دامت ست سنوات،وفق ما ثبّت في التاريخ، كانت خسائرها 17 مليون قتيل من العسكريين،وأضعافه من المدنيين! بعد هذه الحرب حدثت تسويات سياسية، وبمبادرة من أمريكا،الى تكوين"عصبة الأمم"ثمة"الامم المتحدة"،لمواجهة القوى الأوربية وأحتوائها من خلال المنظمة الدولية.
التسويات التي جرت في اليمن عقب الثورات،وما أكثرها،فبعد كل ثورة تلجأ الأطراف المتناحرة،الى طاولة الحوار، والى تسوية سياسية،آخرها الثورة الشبابية السلمية ضد الرئيس صالح، انتهت بتسوية سياسية،تقدمت بها دول الخليج،وبرعاية من المجتمع الدولي،الى نقل السلطة على اساس التوافق والشراكة الوطنية،مقابل الخروج الآمن لصالح ومن معه.
لم تنجح هذه التسوية،فأحدثت ثورة مضادة،وتسوية سياسية جديدة، أطرافها الحوثيين وحلفائهم،والنظام الأنتقالي برئاسة هادي،قبل ان يجف حبر التسوية السابقة،وما زال مسلسل العنف ونزيف الدم في اليمن مستمر،بسبب التدخلات الخارجية.
السودان البلد المنكوب بنزاع مستمر على السلطة و الثروة،وحروب لا تنتهي،وخاصة بين أطرافه الأربعة:(حركتا دارفور،والحركة الشعبية،وحزب الأمة)، بالرغم من الدعوة الى هذه الأطراف، الى تسوية سياسية،وخارطة طريق، للحوار في أديس بابا، التي تبناها مجلس الأمن والسلم الأفريقي،وحصل على مباركة مجلس الأمن الدولي،لكنها لم تجدي نفعاً.
لكن كبير الوسطاء الأفريقي،ثامبو إمبيكي،رئيس جنوب أفريقيا سابقاً، أستطاع بحنكته ودهائه السياسي،ان يتوصل الى حلول ورؤية مشتركة بين الأطراف المتنازعة،وينتزع منهم تنازلات متبادلة،والدعوة الى حوار شامل للجميع،ربما ستنهي حالة العنف في المستقبل.
تفاقم الأزمات،وأزدياد العنف،هو الذي يدفع الفرقاء السياسيين الى التسويات،فمفهوم التسوية مواقف وسطية،تمليها ضرورة إنهاء الصراع والعنف، وتمليها ثفافة الحوار والتسامح، والتنازل عما هو خاص للصالح العام، وتركن الأحقاد والكراهية جانباً،فلا مجال للعواطف في التسويات السياسية.
عندما تظهر بوادر الخلاف بين الأطراف السياسية في أي بلد على السطح ،ينبغي عليهم المبادرة العاجلة الى تسوية سياسية بينهم،لا ان ينتظروا ان تتفاقم الأزمة وتتحول الى العنف،ومن ثم يبادروا الى التسوية، فالتسوية الإستباقية،والوقائية، والتحوطية،أكثر نجاعة من تلك،وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله مع يهود يثرب عند دخوله المدينة، ولعل التسوية بين التونسيين،وما قدمته حركة النهضة الشعبية من تنازلات،خير دليل على ذلك في وقتنا الراهن،وهي خير من تسوية يفرضها عليك القوي بعد النزاع.
ان ما قام به التحالف الوطني الشيعي،من عرض مبادرة في التسوية الوطنية على الاطراف السياسية العراقية الأخرى، قبل تحرير الموصل، لهي خطوة حكيمة،وتسوية أستباقية ،فقد ذكرت في مقالي(ما وراء تحرير الموصل)،الهواجس والمخاوف التي تحدث عنها المراقبون والمحللون السياسيين،لكن على التحالف الوطني ان يعد العدة،ويضع كل الخطط والبرامج،ويتحسب لكل طارئ، من أجل نجاح التسوية،شرط ان تكون جدية، وذي حلول جذرية،وتحت رعاية طرف دولي.
حكمتي في النهاية:مدّ لي يد الصلح والسلام،أمدّ لك يد المحبة والود، والأخاء،والتعاون.
https://telegram.me/buratha