التقارير

2016 عام سقوط الوهم الداعشي

1273 2016-11-12

د. علي مزيد

هزائم داعش لم تقف فقط عند حدود بلاد الشام، بل وصلت أيضاً إلى شمال افريقيا، حيث خسر مدينة سرت الاستراتيجية ومسقط رأس معمر القذافي.

ضياع دابق

إنه إذن عام هزائم هذا التنظيم الارهابي الذي روّع المنطقة ليس بقوته هو، بل بالدعم الذي كان يتلقاه من دول كبرى واقليمية، والتي وفّرت له جميع متطلبات معاركه وحروبه وعلى رأسها حربه النفسية والاعلامية، بما فيها استراتيجيات التحريض والدعاية القائمة على نشر مشاهد الذبح والقتل والتضحية بالبشر كالخراف في الأعياد. لم يتوقّف الأمر عند هذا الحد، بل اعتمد التنظيم على دعاية تروّج لمستقبل دولته تقوم على مقولة «باقية وتتمدد»، وهي تستمد فكرتها من هذيان الزرقاوي عن معارك آخر الزمان بين المسلمين والروم في دابق بالقرب من حلب. يقول الزرقاوي في إحدى تسجيلاته التي تعود إلى 2004 : «ها هي الشرارة قد انقدحت في العراق وسيتعاظم أوارها حتى تحرق جيوش الصليب في دابق». احتل التنظيم دابق في شهر آب 2014، وعلى أرضها نفّذ التنظيم أول عملية ذبح مصوّرة لعامل اغاثة اميركي «بيتر كاسج»، مصحوبة بجملة للذباح «هنا ندفن أول صليبي في دابق». فوق ذلك، أطلق التنظيم اسم المدينة المذكورة على مجلته الالكترونية الناطقة باللغة الإنكليزية، واعتبر منظروه ووعاظه أن الشطر الأول من النبوءة قد تحقّق.

لكن وكاستمرار لشؤم عام 2016 على داعش سقطت «أيقونة آخر الزمان الثمينة» بأيدي «الجيش السوري الحر» مدعوماً من القوات التركية بتاريخ 16 تشرين أول من السنة الحالية، مما شكّل حدثاً مؤلماً وبالغ الدلالة بالنسبة للتنظيم، فهو خسارة معنوية بكل المعايير وضربة قوية لمصداقية كل حملاته الدعائية والتحريضية. وجاءت خسارة داعش لدابق لتؤكد صحة المقولة التالية التي رددها البعض بأن دولة داعش «زائلة وتتبدد». وبذلك احترقت ورقة اللعب بالغيب من أجل تحفيز المجندين الجُدد في صفوف داعش، واضفاء الشرعية على مساره الإجرامي، فانتفاء هذه المادة شديدة الرمزية بالنسبة للتنظيم ترك أثره على العقيدة القتالية والنفسية لمقاتليه وكوادره.

 

الانتفاض على وحشية داعش

يشكّل تململ أهالي المدن والمناطق التي احتلها داعش وعلى رأسها مدينة الموصل دليلاً قاطعاً على انعدام امكانية العيش في ظل هكذا تنظيم متوحش وعلى حتمية زواله. نستذكر هنا القمع المتكرر من قبل التنظيم لأهالي الموصل وتنفيذه لمئات الإعدامات بحق المدنيين، بسبب رفضهم للتنظيم وممارساته الإرهابية، كما حصل في شهر تموز من العام الماضي، حين أعدم أكثر من 120 مدنياً موصلياً، فضلاً عن عمليات الاعتقال العشوائي والتعسفي بحق الأهالي الرافضين لممارساته الإجرامية.

مع تحرير كل مدينة عراقية من سيطرة داعش الارهابي كان من اللافت ظهور علامات الفرح على وجوه المدنيين وخاصة النساء والأطفال والعجزة والترحيب بالجيش العراقي، إنه توق هؤلاء الناس إلى الحرية والانعتاق من السجن الداعشي الرهيب، فلطالما قام هذا التنظيم بقتل النساء لرفضهن الاستجابة لرغبات أعضائه، وعمد إلى تحويل المساجد إلى سجون، ومارس أعمال الاعتداء على الأعراض والممتلكات. هذا الغضب الشعبي يقابله غضب آخر من داخل التنظيم، نذكر هنا حالة التململ التي سادت بين صفوف مقاتلي داعش بسبب خفض الأجور. مع العلم أن داعش يحتكر الحياة الاقتصادية والتجارية في المدينة، إذ يفرض سيطرته على المصانع فيبيع المنتجات للتجار بالدولار لكنه يدفع أجور موظفيه بالدينار، وبذلك يحقق أرباحاً طائلة فضلاً عن العائدات النفطية التي تشكل مدخوله الرئيسي بالإضافة للاتجار بالأعضاء البشرية.

كل واحدة من الممارسات المذكورة أعلاه، كانت تشكّل ضربة معول في قبر داعش، وتبذر الكره لداعش في نفوس العراقيين، من كل المذاهب والقوميات والمناطق العراقية. هذه النقمة ستكون بمثابة أحصنة طروادة المتوثبة للانقضاض عليه وهي تنتظر من يلاقيها عند منتصف الطريق، وهذا ما تفعله هذه الأيام طلائع الجيش العراقي ووحدات مكافحة الإرهاب والحشد الشعبي هناك.

نداء البغدادي وصداه

لقد ترك النداء الذي وجهه البغدادي لأعضاء تنظيمه، أثراً سلبياً تترجم في الميدان الموصلي في اليوم التالي، انسحابا لإرهابيي داعش وتحريرا متتابعاً ومتسارعاً لعدد من الأحياء، فطريقة كلام البغدادي أعطت انطباعاً بأنه يُصدر التعليمات لمناصريه من خارج مدينة الموصل، وبذلك يكون هو وأكثرية كوادر داعش، قد تخلّوا عن المدينة وتركوا باقي المقاتلين ليواجهوا مصيرهم منفردين، وذلك كمقدمة للقتال في مناطق مفتوحة ولكن وفقاً للاستراتيجية اللامركزية، وذلك يفسر التحرير السريع لأحياء عدة على الساحل الأيسر للمدينة.

أخيراً يجدر القول بأن الجيش العراقي و»قوات الحشد الشعبي» والتحالف قد استفادوا من تجارب الحرب على داعش في الهجوم والقيادة والسيطرة واقتحام المدن والتغلب على استراتيجيته العسكرية وامتصاص هجماته الانتحارية واحباطها قبل بلوغ أهدافها. وإذا كان داعش قد راكم الهزائم، فهم راكموا خبرات وانتصارات هامة جداً، ستكون معيناً لهم في هجومهم من أجل استعادة عاصمة العراق الثانية وما حولها بالكامل، فضلاً عن أن جنود مكافحة الارهاب العراقيين هم مدربون تدريباً تخصصياً جداً، يتفوق حتى على تدريبات داعش بمرات، ولديهم مقدرة على التدخل السريع والانتقال جواً، والقيام بعمليات الكومندوس والانزال الجوي 

بظرف ساعات قليلة في مواقع العدو. 

كذلك لا يمكن لنا اغفال ما يتمتع به الحشد الشعبي من عقيدة عسكرية استشهادية ستكون ناجعة في ضرب فلول داعش المنسحبة من جهة غرب الموصل، وفي استعادة قضاء تلعفر الذي يشكل نقطة التقاء فائقة الأهمية.

لما كان تحرير الموصل بالكامل قد صار قاب قوسين، فإن الأمر يحتم التنبه الى أمرين أساسيين: الأول هو إحباط أية محاولة لإثارة النعرات الطائفية وخاصة في قضاء تلعفر، والثاني هو النظر بحذر شديد الى التحركات التركية التي تعمل على استقطاب مقاتلي داعش وإعادة تدريبهم بهدف ضخهم من جديد لتنفيذ مآربها ومخططاتها عندما تدعو الحاجة لذلك.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك