التقارير

الكُتّاب والمكتبات في النجف الأشرف .. واقع وطموح

5378 17:07:00 2007-11-09

تحقيق / أحمد رضا المؤمنتُعتبر مدينة النجف الأشرف في العراق من المدن المشهورة بمكتباتها الكبيرة والعريقة والأصيلة وقد بقيت هذه الصفة مُلازمة لها رغم كُل ما أصابتها ــ مكتبات النجف الأشرف ــ من أضرار بليغة في عهد النظام السابق . وتمتاز مدينة النجف الأشرف بعلاقة مُميزة جداً مع الكتاب وأسواقه ولأسباب عديدة أهمها وجود مرقد باب علم الرسول الإمام علي "ع" وكذلك وجود الحوزة العلميّة في النجف الأشرف والأجواء الثقافية المناسبة لإحتضان مدارس وجامعات العلم والمؤسسات الثقافية .

وإلى هذا تُشير الكاتبة الألمانية "زيغريد هونكه"( 1 ): ( أن مكتبة النجف في العراق كانت تحتوي في القرن العاشر الميلادي على أربعين ألف مُجلّد بينما لم تحوِ أديرة الغرب سوى إثنا عشر كتاباً رُبطت بالسلاسل خشية ضياعها !! ) . فيما أشار الأديب اللُبناني "جُرجي زيدان" إلى طبيعة المُنافسة بين مكتبات بغداد والنجف الأشرف بالقول : ( .. وبغداد هي اُُم المكتبات إلاّ أن كُتب النجف أقدم خطاً وأندر وجوداً وأتقن كتابةً وموضوعاتها مُختلفة )( 2 ).أما "كارل بروكلمان"( 3 ) فقد إعتبر أن مكتبات النجف الأشرف بأنها مصدر من مصادر تأريخ الأدب العربي .ومن طرائف عُشاق مُطالعة الكُتب وبيعها في النجف الأشرف هو ما يطلقونه من لقب ( صرعى الكُتب ) على هذه الفئة العاشقة للكتاب ..أرقام وبيانات سريعة ..يكفي أن نعلم أن مكتبات هذه المدينة قد إستعادت جُزءً كبيراً من حيويتها بعد سقوط نظام صدام في نيسان 2003 فمن خلال إحصائية أجرتها "مؤسّسة القلم الأخضر الثقافية" مطلع هذا العام نجد أن :ــ عدد المكتبات التجاريّة وصل عددها إلى ما يزيد على ( 50 ) خمسون مكتبة وهو عدد كبير بالقياس مع مساحة النجف الصغيرة .ــ عدد المكتبات العامة ( 25 ) مكتبة أشهرها المكتبة الحيدريّة العامة ومكتبة الإمام أمير المؤمنين "ع" ومكتبة الإمام الحسن "ع" ومكتبة السيّد الحكيم "قده" العامة ومكتبة النجف المركزية وغيرها ..ــ عدد معارض الكُتب الجوالة ( 3 ) .ــ عدد الكُتب المطبوعة في الشهر الواحد ( 50 ــ 75 ) عنوان 80 % منها إعادة طباعة والباقي عناوين جديدة .ــ عدد المجلات والصُحُف الدوريّة المطبوعة في الشّهر الواحد ( 30 ) مجلّة وصحيفة .ــ عدد المطابع ( 56 ) مطبعة معظمها قديمة وبحاجة إلى تطوير وتحديث .يُضاف إلى هذه الإحصائية ما يدخُل سوق الكُتُب في النجف الأشرف ما يصلها من خارج العراق من دور النشر اللبنانية والإيرانية والكويتية والسورية والأردنية وغيرها ..لمحة من مُعاناة العهود السابقة ..من الأهمية بمكان الإطلاع على لمحة من مُعاناة المثقفين والكتاب والكتبيون في العراق عموماً والنجف الأشرف خصوصاً لأن معرفة ولو بسيطة عن نوع وحجم هذه المعاناة يوضّح للمثقفين مدى أصالة وقوة الكتاب والكاتب النجفي الذي إستطاع أن يصمد في مثل هذه الظروف الرهيبة ، حيث يروي الكتبي النجفي الأُستاذ سعدون مُصطفى الخزاعي صاحب مكتبة الرافدين بعض أوجُه هذه المعاناة قائلاً : ( مُنذُ أن بدأ صدام حُسين حربهُ على حزب الدعوة الإسلامية والحركة الإسلامية ثُم إعدامهُ للشهيد الصّدر الأول عام 1980 لم نعُد نجرؤ أن نبيع أي كتاب إسلامي وتحديداً لم نعُد نجرؤ أن نبيع أي كتاب شيعي بمعنى أن يكون الكاتب من عُلماء الشيعة أو المضمون شيعياً حتى لو كان بعيداً عن السياسة ككُتب الأدعية والزيارات .. ويكفي أن أذكرك بأن كتاب ( مفاتيح الجنان ) قد تسبب بإعدام العشرات من الشباب والعوائل لأن من يقتنيه وخصوصاً فترة الحرب التي شنها صدام على إيران فإنهُ سيُتهم بالعمالة إلى إيران والإنتماء إلى حزب الدعوة وأن من يقتنيه هو من أصول إيرانية صفوية مجوسية .. إلخ .وحتى في آخر أيام حُكم صدام كان كتاب ( مفاتيح الجنان ) يُباع سراً وبأسعار خيالية تصل إلى ما قيمته ( 20 ) دولار أمريكي بينما تجدهُ الآن لا يتجاوز ( 2 ) دولارين ..

أما من حيث الطباعة فالمثقف كان مُراقباً ومُحاصراً ولا يستطيع طباعة ما يُريد إلا نادراً ، فالمؤلف عندما يُريد طباعة كتابه يضطر إلى إرسال كتابه إلى جهاز الرقابة سيء الصيت في وزارة الثقافة في بغداد . وهُناك لن يسلم كتابه من الرفض في حال تضمّن كتابه أي شيء يستفزّهُم كأن يكون إسم مصدر أو كتاب لأحد مراجع الدين .. يكفي أن تعلم أنني رأيت العديد من الكُتاب والمؤلفين في النجف عندما يكتب إسم السيّد الخوئي أو السبزواري أو أبو الحسن الأصفهاني في المصادر أو في مضامين الكتاب فإنه يستعيض عن لقب هؤلاء المراجع بلقب الأصل النسبي العشائري فيرمز للسيد الخوئي بالسيد أبو القاسم الموسوي والسيّد السبزواري بالسيد عبد الأعلى الموسوي وهكذا .. كُل ذلك تلافياً لعيون الرقابة الأمنية التي قد تؤدي به إلى المجهول كما حدث للكاتب المفكر "عزيز السيّد جاسم" عندما كتب كتاباً في فضائل الإمام علي "ع" ورفض تأليف كتاب حسب طلب السُلطات .ومما يُذكر بخصوص مُعاناتنا في هذا المجال كان هُناك ضابط أمن سري إسمهُ "جبار" يتفقّد المكتبات ليُسجل معلوماته عن أصحاب المكتبات المخالفين لتعليمات السلطات ولكننا كُنا نعرفه ، فما أن يسمع أحدنا أن "جبار" دخل شارع الرسول "ص" حتى نتسابق إلى إخفاء مؤلفات السيد السيستاني ومفاتيح الجنان وصدقني حتى القرآن كُنا نخشى من إطلاعهم عليه لأن الأمن الصدامي آنذاك قد يتهموننا بالخيانة إذا ما كانت فيه طباعة حروف أو أرقام فارسية ..!!

ومن أبرز مُعاناة الكاتب والمؤلف النجفي هي المعاناة المادية ، فبعد غزو صدام للكويت تردت الحالة المادية للعراقيين بشكل كبير جداً وبالتالي إنعكس ذلك على وضع الثقافة والمثقف فأصبحنا نتعامل بالكُتب المستنسخة ( Copy ) التي يصعُب قراءتها لأنها وفي الكثير من الأحيان تستنسخ من كتاب هو الآخر مُستنسخ خاصة إذا كان كتاباً مُهماً مُرتفع الثمن ..

ثم أضاف الخزاعي سرد مُعاناة الكتاب والكاتب في النجف بالقول "بحسرة" كانت مجموعة أمنية يُعتقد بأنها مرتبطة بمجموعات تكفيريّة أصولية مُتطرفة تعمل على شراء المخطوطات النادرة لعلماء ومراجع الشيعة بمبالغ خيالية ثم يقومون بحرقها وإتلافها وفي أحسن الأحوال تزويرها ونسبها إلى شخصيات مشبوهة ولم نكُن نستطيع فعل شيء لأن هذه المجموعات كانت محمية من النظام السابق ، ولكننا أنقذنا والحمد لله بعض المخطوطات وحافظنا عليها .

مُستقبل الكتاب النجفي الكتاب والكاتب في النجف الأشرف وبعد التحرر من القيود السياسية والأمنية وغيرها من القيود بعد نيسان 2003 بحاجة اليوم إلى إعادة النظر في وضعها العام ومن جميع النواحي أملاً بإعادة إحياء حضارة إنسانية متكاملة من جميع الأوجه . حول الوضع العام لحالة الكتاب والكاتب النجفي سألنا الأُستاذ مهدي هادي شعلان الرئيس الفخري لجمعية الناشرين العراقيين في النجف الأشرف فأجاب : ( إننا ورغم ما حصلنا عليه بعد سقوط نظام صدام من حُرية واسعة إلاّ أننا بحاجة إلى تنويع وتوسيع ثقافتنا من خلال تنويع وتوسيع مضامين الكُتب الموجودة في مكتباتنا ، فأنت تعلم بأن الكتاب الديني والعقائدي هو الذي يطغى على بقية المضامين إذ أننا ورغم الحرية المتوفرة إلاّ أننا نفتقد بشدة للكتاب العلمي الحديث والسياسي والقانوني والطبي ، والمثقف الذي يحتاج إلى مصادر من هذا النوع يضطر للذهاب إلى بغداد للحصول عليها نظراً لأن الكتاب الديني والعقائدي هو الأكثر إنتشاراً في المدينة بحُكم وجود الحوزة العلمية الشريفة وأساتذتها من المراجع والعُلماء الأعلام . ورغم ما تحصل عليه بعض جامعات ومعاهد النجف الأشرف من الكُتُب العلمية المهمّة عن طريق التعاقد مع جامعات ومعاهد العالم إلاّ أننا ككُتبيين نحترف مهنة تجارة الكُتب لا يُمكننا الحصول على مثل هذه الكُتُب العلمية الأكاديميّة .كما أننا نُعاني من عدم وجود أماكن مُناسبة ــ في النجف ــ لإقامة معارض كتاب لعدم إهتمام الدولة بما يكفي بالكتاب والدليل أنك تجد أن محلات بيع الكُتب تجدها في أماكن ضيقة وبعيدة عن الخدمات مثل شارع الرسول "ص" وسوق الحويش في حين أننا نطمح أن يكون لنا في النجف الأشرف شارعاً أو منطقة مُتخصّصة ببيع وتجارة وتوزيع الكُتب والمطبوعات .

وأنا شخصياً وجّهت نداء إستغاثة إلى السيّد رئيس الوزراء بعد حادثة تفجير شارع المتنبي في بغداد ناشدتهُ فيها بأن تعمل حكومته على أن يكون لدينا في العراق في كُل مدينة شارع نظير شارع المتنبي ليس بديلاً عنه بل لتعميم ونشر الثقافة الكتابية بدل حصرها في شارع ومنطقة واحدة . وفي الحقيقة فإن السادة المسؤولين في الحكومة المركزية وفي المحافظة ما لم يهتموا بدعم وإقامة معارض الكتاب ــ المتنوعة ــ فإننا لن نتمكّن من نشر الثقافة بالشكل المأمول والمرجو في العراق الجديد الذي نتمنى أن تسود فيه الثقافة والأجواء الحضارية .وأخيراً أطلعنا الأُستاذ "هاشم الزكي" صاحب مكتبة ومؤسسة العارف للطباعة والنشر فرع النجف الأشرف على مُشكلة جديدة يُعاني منها سوق الكُتب في العراق بقوله : لقد واجهتنا صعوبات جديدة في عملية تسويق الكتب في العراق بسبب الوضع الأمني المتردي ممّا يقطع علينا طرق نقل الكُتب القادمة من خارج العراق فنضطر إلى جلب الكُتب من لبنان ومصر وإيران وغيرها عن طريق شحنها من ميناء البصرة . وهو ما يعني تحميلها أجور إضافية ..

وحول إتجاه القاريء العراقي عموماً والنجفي خصوصاً قال : من الملاحظ أن حالة إيجابيّة حدثت للقاريء العراقي بعد سقوط النظام السابق وهي تخصّصهُ بالقراءة وإختيار الكُتب الملائمة لحاجته وذلك بسبب الإنفتاح الثقافي الكبير والمعلومات التي توسعت وتشعبت الكتابة عنها .الهوامش :1/ شمس العرب تسطع على الغرب ــ ص 3862/ تأريخ آداب اللُغة العربيّة ج/4 ص1293/ تأريخ الأدب العربي ج/1 ص30

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك