برغم قساوة مرحلة سيطرة (داعش) على مدينة تكريت، وتدهور الواقع الخدمي فيها، أبت الثمانينية التكريتية الحاجة هيلة داود سلمان، مغادرة منزلها، متحملة "معاناة الصبر والكفاف" طوال فترة سيطرة داعش على المدينة، والمعارك التي أدت أخيراً الى طرد عناصر التنظيم من المدينة.
أم تكريت
ويقول التدريسي في جامعة تكريت، باسم الجيشي، في حديث إلى (المدى برس)، لقد "تابعت قصة الحاجة هيلة داود سلمان، التي دفعها حبها لمنزلها ومدينتها إلى البقاء وحيدة برغم قساوة الحياة وغياب الأهل خارج العراق"، ويرى أنها "تستحق لقب أم تكريت، نتيجة صمودها وصبرها على المأساة التي تعرضت لها المدينة".
ويضيف الجيشي، أن ""داعش فرض على تكريت أجواء بعيدة عن القيم الإنسانية ما أدى إلى تفاقم معاناة تلك السيدة الوحيدة"، ويستدرك "لكنها قدرة الله تعالى ورحمته بخلقه، إذ سخر لها من أهالي تكريت أبناء لخدمتها".
وينتقد الأكاديمي، من "يدعي كونه ابن المدينة ويطلق التصريحات، ويختبئ في فندق، متصوراً أن أهالي المدينة سذجاً"، ويؤكد أن "المدينة لا يمثلها إلا أهلها الفقراء والأبطال الذين دافعوا عنها ويمسكون أرضها".
ويذكر الجيشي، أن "محافظ صلاح الدين، اجتمع مع رؤساء الدوائر الخدمية والصحية في مبنى مديرية البلديات، وسط تكريت، وأكد وجود حركة نشطة لإعادة الكهرباء والماء وباقي الخدمات، وسط انتشار الأجهزة الأمنية في الشوارع بكثافة"، ويتابع أن "ملامح عودة الحياة واضحة في تكريت برغم الحاجة لتكثيف جهود تفكيك العبوات الناسفة، ورفع الانقاض والنفايات".
وويتابع التدريسي الجامعي، أن "الجيش يواصل جهوده لضمان عودة العوائل النازحة التي فاض بها الشوق لتكريت، لكن ذلك لن يتم إلا بأخذ الضمانات من أعلى المستويات"، ويبين أن "قوات الحشد الشعبي من أبناء المحافظة دخلوا إلى تكريت وباشروا بمهامهم الأمنية".
ويقول أحد المقاتلين، طالباً عدم كشف هويته، في حديث إلى (المدى برس)، إن "المعركة ضد داعش شهدت الكثير من الجوانب الإنسانية التي تؤكد إصالة العراقيين وتمسكهم بأرضهم، ومنها قصة العجوز التكريتية التي أبت مغادرة منزلها"، ويضيف أن "القوات الأمنية اهتمت برعاية العجوز للتخفيف من المعاناة القاسية التي مرت بها طول استيلاء داعش على المدينة".
ويذكر المقاتل، وهو من متطوعي الحشد الشعبي، لقد "تلقيت مناشدة من أحد الإخوة، بشأن حال امرأة مسنة تركها الجميع، وهي باقية في غرفة قريبة من شركة دمشق، في شارع الأربعين، وسط تكريت"، ويضيف أنه "أجرى اتصالا بأخيه النازح إلى ناحية العلم لإنقاذها، حيث تم الوصول إليها برغم كثافة القصف".
لن أبرح المكان
ويواصل المقاتل، عندما "دخلت القوات الأمنية إلى غرفة العجوز وجدوها تقرأ القرآن الذي كان أنيسها طوال محنتها بعد أن تركها الأهل والجيران، وخلت المدينة تماماً من البشر"، ويتابع كانت "تحمد الله تعالى وتدعو لتكريت بالأمان وأن يعود لها أهلها وحياتها الطبيعية، برغم أنها طالما كانت تبكي وتدعو لهم بالأمان".
ويضيف "لمست القناعة لدى العجوز خلافاً للكثيرين، ما يدلل على أصالة معدنها وعمق إيمانها"، ويزيد "تركناها وهي تدعو لنا بالخير وكان ذلك خلال آب 2014 المنصرم، وسط حرارة الجو وانقطاع الكهرباء، وعندما طلبنا منها شربة ماء تأسفت قائلة لقد نفد تماما، ما أثار استغرابنا الشديد إذ كيف يمكن لإنسان البقاء حياً في مثل تلك الظروف".
ويؤكد المقاتل، عندها "جلبنا لها الماء من منطقة مجاورة وغادرناها والدموع تنهمر من أعيننا على وضعها الصعب وصبرها الذي يفتقده الكثير من المسؤولين الذين غادروا في وقت كان عليهم البقاء والصمود".
ويسترسل لقد "رفضت العجوز أي مبلغ لمساعدتها أو الذهاب معنا مفضلة الاعتصام في بيتها مدة ستة أشهر، وهي محاصرة ووحيدة"، ويزيد "ها هي اليوم تبدو أكثر شباباً وقد عادت الابتسامة إلى محياها بعد تحرير تكريت وبدء عودة الحياة فيها، مسطرة بطولة من نوع فريد لم يتحل بها الكثير من مسؤولي المحافظة".
أبطال الإنسانية
بدوره يقول عضو مجلس محافظة صلاح الدين، زياد العجيلي، في حديث إلى (المدى برس)، لقد "زرت العجوز التكريتية في منزلها ووجدتها بالعزيمة والصبر ذاتهما"، مثمناً "موقف القوات الأمنية والحشد الشعبي الذين سطروا ملحمة جديدة عند تحرير المدينة".
ويضيف العجيلي، "تجولت في المدينة مع عدد من أبنائها وزرت الحاجة هيلة داود سلمان فوجدتها صابرة ومحتسبة، وكان أبناء تكريت لاسيما من عناصر الأجهزة الأمنية يتقاطرون عليها ويعطوها مما جادت به أنفسهم من طعام وفاكهة برغم قلة ذات اليد".
ويؤكد المسؤول المحلي، أن "العديدين عرضوا على الحاجة هيلة أن تحل ضيفة عليهم لخدمتها كأم لهم"، ويعد أن ذلك "يجسد روح التعايش والإخوة الجديدة التي تسود المدينة بعد تحريرها من داعش".
https://telegram.me/buratha