فوجئ أهالي ناحية الكرمة، التابعة لقضاء الفلوجة،(60 كم غرب العاصمة بغداد)، فجر منتصف حزيران الماضي، بدخول المسلحين إلى منطقتهم وتحوليها إلى ساحة حرب ضروس مع القوات الأمنية، ما اضطر المئات منهم الفرار إلى أقرب منطقة يمكن أن تقودهم للعاصمة بغداد، دون أن يعلموا أن تصاريف القدر ستقودهم وهم "السنة" إلى كربلاء حين وجدوا لدى أهلها "الشيعة"، ما جسد مشاعر "الإخوة والوحدة الوطنية فعلاً لا قولاً".
هكذا استهل جلال عاطف، أحد نازحي مدينة الفلوجة إلى كربلاء، حديثه إلى (المدى برس)، قائلاً إن "قرابة 120 من الأهالي (السنة) اضطروا إلى الهرب من المنطقة بعد أن حوصروا نهاراً كاملاً، نتيجة تبادل إطلاق النار بين الارهابيين والقوات الحكومية".
ويضيف عاطف، أن "أولئك الأهالي ساروا مسافة طويلة للوصول إلى أقرب منطقة يمكن أن تقودهم نحو العاصمة بغداد، قاصدين منازل أقاربهم أو معارفهم فيها"، ويبين أن "البعض منهم استقروا في منزل قريب شيعي لهم، سبعيني، في العاصمة".
ويذكر النازح الفلوجي، الذي سكن عند قريبه السبعيني، مع آخرين ضاقت بهم الدار، أن "قريبي وهو شيخ وقور، اقترح أن يرسلنا لبيوت أبناء أحد اشقاءه الذي يعمل قاضياً في كربلاء ضماناً لراحتنا، لما تتمتع به تلك المحافظة المقدسة من سكينة وأمان"، ويتابع "هكذا تمكن القاضي الكربلائي من تهيئة عدة منازل لنا، بعضها مستأجر، قبل مضي أسبوع على تواجدنا هناك، لتنهال علينا التبرعات من أقاربه وغيرهم".
ويستطرد عاطف، أن "كثيراً من الخيرين كانوا يعودوننا للوقوف على احتياجاتنا حيث أمنوا لنا الأثاث والمستلزمات الضرورية، فضلاً عن صواني الطعام التي كانت تردنا من الجيران بنحو خفف كثيراً من معاناتنا وجعلنا نشعر وكأننا بين أهلنا وأقاربنا"، ويواصل "كما تمكن القاضي الكربلائي الجليل من التواصل مع المنظمات الإنسانية العاملة بالمحافظة، التي شملتنا بمساعداتها الغذائية والعينية".
ويرى النازح الفلوجي، أن "اللجوء إلى كربلاء جعلنا نلمس بنحو عملي أصالة العراقيين وطيبتهم وتلاحمهم، مثلما دلل على حقيقة المعدن النفيس لأهالي المحافظة المقدسة الذين أخذوا الكثير من سجايا الأئمة الأطهار الذين تشرفوا باحتضان أجسادهم الطاهرة"،
ويزيد أن "ما قام به أهالي كربلاء كشف زيف دعاوى الطائفيين والإرهابيين والبعض من السياسيين الذين يعتاشون على إثارة الفتن بين العراقيين، تنفيذاً لأجندات خارجية مشبوهة".
من جانبه يقول رشيد سمير، وهو نازح فلوجي آخر من أقرباء جلال عاطف، في حديث إلى (المدى برس)، وهو يرنو ببصره صوب مدينته، بحسرة، هناك "احرق منزلي وسيارتي نتيجة المعركة"، لكنه "يحمد الله للتمكن من انقاذ عائلتي كبيرة العدد، والنزوح إلى كربلاء حيث وجدنا طيب الأهالي وكرمهم".
ويعد سمير، أن "استقبال أهالي كربلاء لإخوتهم من أبناء الأنبار، يشكل أبلغ رد على السياسيين الذين يلعبون على أوتار الطائفية"، ويستدرك أن "المبادرات الكربلائية السخية تجاه نازحي الأنبار كانت من الأهالي، والمنظمات الخيرية والدينية، ولا علاقة للدولة بها، ما يؤكد إخوة العراقيين وعمق أواصر العلاقات التي تربطهم".
وينتقد النازح الأنباري، "المسؤولين الحكوميين والنواب سواء في كربلاء أم الأنبار أم بغداد، الذي لم يكلفوا أنفسهم عناء السؤال عن النازحين أو تقديم المساعدة لهم"، ويعلق على ذلك ساخراً "يبدو أن انشغالهم بخلافاتهم وحرصهم على تقاسم الكعكة الحكومية، أنساهم واجبهم الأخلاقي والإنساني تجاه معاناة النازحين".
قانوني: كربلاء طالما كانت ملاذاَ آمناً للمظلومين من أبناء المحافظات الأخرى
بالمقابل يقول القاضي الكربلائي، أحمد الهلالي، الذي تكفل باستقبال النازحين الأنباريين، في حديث إلى (المدى برس)، إن "ما قدمه أهالي كربلاء لإخوتهم من محافظة الأنبار، يعد واجباً أخلاقياً وشرعياً ووطنياً في آن معاً"، ويضيف أنه "يدلل أيضاً على عمق الصلة بين العراقيين الذين كانوا وما يزالون إخوة في كنف وطن واحد، برغم كيد الحاقدين على هذا الشعب الأصيل والوطن العريق".
ويؤكد الهلالي، أن "أهالي كربلاء ومؤسساتها الدينية الموقرة هبت لمساعدة النازحين للمحافظة على اختلاف أطيافهم، وديانتهم ومن دون أن يسألوا عما إذا كانوا سنة أو شيعية، مسلمين أو مسيحيين"، ويعزو ذلك إلى "الشعور العالي بالضمير الإنساني الذي تحرك لدى الجميع لمساعدة اخوانهم من أبناء المحافظات الأخرى التي ابتليت بالإرهاب الذي لا يقبله دين أو عقل سليم".
ويتابع القاضي الكربلائي، أن "كربلاء المقدسة طالما كانت ملاذاً آمناً للمظلومين والمتضررين من أبناء المحافظات الأخرى، لأن أهلها تشربوا بمبادئ الإسلام الحقة التي تؤكد على السمو الأخلاقي والتسامح ومساعدة الضعيف والترحيب بالغريب"، ويعد أن ذلك "ليس غريباً على أهل كربلاء الذين يستقبلون ملايين الزوار سنوياً ليس من مختلف أنحاء العالم فكيف الحال مع إخوتهم من العراقيين".
مؤسسة الشيرازي: استقبلنا نازحين من مختلف الطوائف بدون تمييز
على صعيد متصل يقول سيد رافع، من مؤسسة الشيرازي لإغاثة النازحين في كربلاء، في حديث إلى (المدى برس)، إن "المؤسسة عمدت منذ بداية الأزمة الراهنة على إغاثة النازحين من دون تمييز بين عرق أو طائفة أو مذهب"، ويبين أن "كربلاء استقبلت نازحين كثر من أبناء السنة والطوائف الأخرى، إذ وجه سماحة المرجع الشيرازي، بأن العتبة العباسية المشرفة، مستعدة لاستقبال المسيحيين أيضاَ".
ويضيف ممثل مؤسسة الشيرازي، أن "المكان الذي خصص للطوائف الأخرى أفضل من ذلك الذي المسلمين، حتى لا يشعر أحداً منهم بالضيق أو الغربة"، ويوضح أن "المؤسسة قدمت خدماتها للسنة كما الشيعة، من سكن وطعام ورعاية صحية، تنفيذاً لتوجيهات المراجع الكرام، المتكررة بهذا الشأن".
ويواصل السيد رافع، أن "أي منظمة دولية لم تساعدنا في خدمة النازحين، بل ولم نطلب ذلك، لأننا نشعر أنه من صميم واجبنا"، ويستدرك أن "المتطرفين والإرهابيين هم من يحاول التفرقة بين العراقيين ويثير الفتن بين صفوفهم".
https://telegram.me/buratha