د. حسين القاصد ||
كتب الشاعر د.عارف الساعدي مقالا في صحيفة الشرق الأوسط ، حمل عنوان " حين تنعزل الذات تنتفخ القصيدة " ؛ وقد استعرض الساعدي قصائد عراقية بوصفها منتفخة لذوات منعزلة ، وكان الساعدي موضوعيا جدا إذ لم يستثن ذاته من العزلة وقصيدته من الانتفاخ .
كان من بين مختارات الساعدي قصيدة للجواهري، كتبها في السبعين من عمره ؛ وهنا يستوقفنا سؤال هو : هل يحتاج الجواهري الى الانتفاخ وهو شاعر العرب الأكبر قبل نصف عمره من كتابة قصيدته هذه ؟
وهل عاش عزلة وهو المدلل في كل المراحل ولاسيما في زمن كتابته القصيدة حيث حياته المستقرة في الشام وحياة ابنه فرات المستقرة في العراق ؟ .
انتفاخ القصيدة الذي جاء به "الساعدي" يبدو مرادفا لنسق الفحولة الذي أخذه عبد الله الغذامي عن الدكتور علي الوردي ؛ وراح الساعدي يطبقه على الشعر التسعيني في العراق ، ومع ان عوامل العزلة ضاغطة بشكل واضح على ذات الشاعر التسعيني لكن الساعدي يطالب حتى الجواهري بعدم انتفاخ الأنا في شعره عازيا ذلك للعزلة ؛ ثم دعا ، ما بين سطور مقاله ، الى الانفتاح على العالم ، وكأن القصيدة العمودية وحدها المنتفخة أو المنتفخ شاعرها؛ وإلا ماقولنا في ( أسير مع الجميع وخطوتي وحدي)؟
قلت: ان المقال يستحق الاهتمام ، ولعل مقالي هذا ، يعد من ثمار استحقاقه ؛ لكننا حين نضع المقال نفسه على طاولة التشريح الثقافي نجد "ذات" الساعدي بعد تحولاته الجديدة في الشعر تفرض نفسها وتطغى على المقال ، لاسيما بعد أن تناول أقرب قصائده الى نفسه ، ليخبرنا أنه غادر هذه المنطقة .
وبعد استعراضه المهذب لقصائد عراقية ، يقع الساعدي في ما وقع فيه الغذامي من قبل ؛ ذلك لأن كل النماذج الشعرية كانت عراقية وكلها منتفخة ، وقد كانت عند الغذامي كلها فحولية ، ثم ينهي المقال ليترك النسق المضمر لعبد الله الغذامي الذي مازال أسيراً لموروث أستاذه الشيخ محمد بن صالح العثيمين . لكن الساعدي لم يحدثنا عن عزلة الغذامي في كنف العثيمين ولا عن انتفاخ تشريحه الثقافي.
https://telegram.me/buratha