اولا، حكومة الاغلبية السياسية (لا احتاج الى اي توصيف اخر) نمط من انماط تشكيل الحكومات، معمول به في اغلب، ان لم اقل كل الانظمة الديمقراطية. وهو يختلف عن حكومات "الوحدة الوطنية" التي تعني مشاركة جميع الاحزاب السياسية التي تملك مقاعد في مجلس النواب. ثانيا، الاغلبية الواردة في وصف هذه الحكومة ليست اغلبية قومية (عرب مقابل اكراد مثلا)، ولا اغلبية دينية (مسلمون مقابل مسيحيين مثلا)، ولا اغلبية طائفية (شيعة مقابل سنة، مثلا). فهذه اغلبيات موروثة وليست مصنوعة، وهي ثابتة او شبه ثابتة، ويصعب تغييرها. ثالثا، المقصود بالاغلبية هنا هو الاغلبية السياسية، اي اغلبية حزب سياسي ذي برنامج سياسي معين فاز باغلبية مقاعد البرلمان (نصف +١)، او اغلبية تحالف سياسي من حزبين او اكثر يتفقان على العمل معا وفق برنامج متفق عليه لتحقيق اغلبية المقاعد البرلمانية ثم تشكيل الحكومة. هذه الاغلبية متحولة و متغيرة تبعا لاصوات الناخبين كل اربع سنوات وخيارات النواب. ومن الممكن ان يتحول حزب اغلبية سياسية اليوم الى حزب اقلية سياسية غدا. رابعا، التعريف الوارد في النقطة (ثالثا) يتطلب وجود احزاب "وطنية" اي احزاب غير مغلقة قوميا او دينيا او طائفيا. وهذا وصف او شرط غير موجود في اي من الاحزاب السياسية الحالية التي فاز بعض مرشحيها في الانتخابات الاخيرة. خامسا، تتطلب حكومة الاغلبية السياسية الغاء طريقة المحاصصة على اساس ما يسمى بالاستحقاق الانتخابي والتي تعني في العراق مشاركة جميع الاحزاب الفائزة في الحكومة بعدد من الحقائب الوزارية يتناظر حسابيا مع عدد المقاعد البرلمانية التي يملكها كل حزب. سادسا، تتطلب حكومة الاغلبية السياسية فصل المسار الاداري التنفيذي للدولة (من منصب وكيل وزارة فما دون) عن المسار السياسي للاحزاب. وظائف الدولة تبقى مفتوحة امام كل المواطنين الذين تتوفر فيهم شرائط هذه الوظائف، وليس من بينها الانتماء الحزبي. سابعا، وهذا يعني ان وظيفة الانتخابات هي تشكيل مجلس النواب، وتشخيص الكتلة النيابية الاكثر عددا، فقط. هذه هو المعنى الوحيد المقبول ديمقراطيا لعبارة الاستحقاق الانتخابي. كل ماعدا ذلك يندرج تحت عنوان الانحراف الديمقراطي. وهو ما حاصل عندنا في العراق. ثامنا، ما تقدم كله يقتضي تغيير طبيعة الدولة العراقية ونظامها السياسي، ونقلها من دولة المكونات الى دولة المواطنين، ومن الديمقراطية التوافقية الى الديمقراطية بمعناها الاصلي، او ما يسمى بنموذج ويستمنستر الذي يعني انقسام البرلمان الى قسمين: اغلبية سياسية تشكل الحكومة، واقلية سياسية تشكل المعارضة (حكومة الظل). وهذا ما يجب ان يدركه بشكل اساسي الناشطون السياسيون لما يسمى المكونات الثلاثة: المكون الشيعي، والمكون السني، والمكون الكردي. (اين المكون العربي؟!) تاسعا، يقول الكثير من الناس، وانا منهم، ان النقاط السابقة صعبة التحقيق او ربما مستحيلة في المدى المنظور. وهذا صحيح. لكن وظيفة العارف اشاعة المعرفة السياسية الصحيحة. لان هذه المعرفة هي اساس الوعي السياسي العميق. ولا يمكننا اقامة حياة سياسية سليمة، ومن ثم بناء دولة حضارية حديثة، دون اشاعة هذا الوعي السياسي-المعرفي العميق. وظيفتي ككاتب المساهمةُ في اشاعة هذا المستوى من الوعي. وهو امر يقوم يقوم به كتاب اخرون ايضا.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha