سوريا - لبنان - فلسطين

فلسطين/ الأسرى الأحرارُ شموخٌ وإصرارٌ ووعدٌ بالانتصار


د. مصطفى يوسف اللداوي ||

 

كشفت كلمات شيخ الأسرى والمعتقلين الأسير المحرر اللواء فؤاد الشوبكي، عشية الإفراج عنه من السجون الإسرائيلية بعد سبع عشرة سنة قضاها خلف القضبان، عن الروح المعنوية العالية التي يتمتع بها الأسرى والمعتقلون، التي ما أوهنها السجن ولا حط منها السجان، وعن الأمل الكبير الذي يعمر قلوبهم ويتعاظم مع الأيام في نفوسهم، الذي ما انطفأ يوماً رغم عتمة الزنازين ولا خنس رغم سطوة الجلاد، وعن اليقين الذين يملأ صدورهم، ويمنحهم القوة والحياة، رغم القيود الأليمة والأغلال الثقيلة، وجدران السجون العالية وأبواب الزنازين السميكة الصدئة، وعن الثقة الكبيرة بالنصر والتحرير مهما طال الزمن وتأخر الوقت، وظن الاحتلال بغطرسةٍ وخيلاء أنه الباقي وأن خصمه الفلسطيني هو الفاني.

خرج اللواء فؤاد الشوبكي من سجنه، وهو المعروف بين إخوانه ولدى شعبه بشيخ الأسرى والمعتقلين، مرفوع الرأس موفور الكرامة، منتصب القامة واثق الخطوة، شامخ الجبين عالي الصوت، نقي السريرة أصيل الفطرة، فلسطيني الهوى عربي الانتماء، صادق الوعد وَفِيَّ العهد، واضح الهدف بصير الرؤية، ثابتاً في موقفه، ومتمسكاً بحقه، يؤمن أن فلسطين هي أرضه التاريخية من بحرها إلى نهرها لا تتجزأ ولا تتقسم، ولا تكون لغير شعبه دولةً ووطناً، فكان صوته هو صوت الأسرى جميعاً الذين تركهم خلفه وواثقهم، وموقفه هو موقفهم الثابت الأصيل الذي لا ينحرف ولا يزيغ، ولا يتغير ولا يتبدل.

لم يكن اللواء فؤاد الشوبكي الذي ما إن خرج من السجن حتى أعلن برباطة جأش ويقين شيخ، عن ثوابت شعبه في أرضه ووطنه، وعن إصرارهم على حقهم وتمسكهم بوطنهم، يعبر عن نفسه فقط، ويكشف عن قناعاته وحده، أو يغرد خارج السرب منفرداً، بل كان ينطق بلسان الأسرى والمعتقلين جميعاً، ويعبر عنهم كلهم، إذ كان رائدهم كما كان شيخهم، وكان أمينهم كما كان حكيمهم، يتقدمهم ويعرف سريرتهم، ويسبقهم ويدرك حقيقتهم، ولهذا فقد كانت كلماته التي أطل بها على الحرية، واستقبل بها المهنئين وخاطب بها ياسر عرفات في قبره، تعبر عن الأسرى جميعاً، وتصور حقيقة مواقفهم، التي لا تضعف ولا تتزعزع، ولا تنقلب ولا تتراجع، ولا تؤثر فيها الضغوط، أو تنال منها الخطوب.

يخطئ العدو كثيراً عندما يظن أنه باعتقاله الشيوخ والرجال، وسجنه النساء والأطفال، وحبس حريتهم وتقييد حركتهم، وعزلهم وعقابهم، وحرمانهم وتعذيبهم، أنه يستطيع أن يؤثر عليهم ويضعفهم، وأن يفت في عضدهم ويوهنهم، وأن يكسر شوكتهم ويذلهم، وأن يغير قناعاتهم ويخترقهم، وأن يغزو عقولهم ويغسل أدمغتهم، وأنه باعتقالهم سينجح في حشو عقولهم بما يريد ونزع ما لا يريد، وزرع المفاهيم التي تخدمه وتنفعه، والتخلص من الأفكار الوطنية والثوابت القومية التي تهدده، وسيستبدلها بالمرحلية والحلول الجزئية، ومبادئ السلام وقواعد التعايش والاعتراف به والتعامل معه، على قاعدة الشراكة والجوار والأحقية التاريخية في العيش والحياة.

إلا أن الأسرى والمعتقلين، واللواء فؤاد الشوبكي أحدهم ويشبههم، ويمثلهم وينطق باسمهم، يحبطون العدو ويخزونه، ويحزنونه ويغيظونه، ويثبتون له أنهم عكس ما يظن وعلى خلاف ما يتوقع، عندنا يدرك أنهم أثبت من الأحرار، وأكثر صلابةً من الذين يعيشون في بيوتهم، وأصدق موقفاً من الذين ينعمون بالعيش مع أبنائهم وبين عائلاتهم، وأنهم من سجونهم يقودون المقاومة، ويشكلون الخلايا ويتابعون عناصرها، ويشاركون في تحديد الأهداف ويشرفون على تنفيذ العمليات، ويساهمون في حل النزاعات وفرض الحلول الوطنية، ويشاركون في الانتخابات التنظيمية وتكون لهم أدوارٌ فاعلة ومراكز حساسة في فصائلهم وحركاتهم، ولا ينغص السجن عيشهم، ولا تكدر المعاناة حياتهم، ولا تقيد القيود عقولهم، ولا تحبس الجدران والأسوار حريتهم.

يؤكد الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون أنهم سيبقون دوماً جنوداً في الميادين، ومقاومين على الجبهات، وجبالاً على أرض فلسطين راسيات، وأن ظهورهم وإن كانت قد أعيتها السياط إلا أنها لم تكسر، وأن عيونهم وإن كانت قد آذتها العزلة إلا أنها ما زالت بصيرةً، وأن أيديهم وإن كانت القيود قد أدمتها إلا أنها ما زالت ترفع الراية وتحمل البندقية، وأن أرجلهم وإن كانت الأغلال قد تركت فيها آثاراً مؤلمة، إلا أنها ما زالت تحث الخطى وتواصل المسير نحو النصر الأكيد والحرية الكاملة.

في يوم حرية شيخ الأسرى ولوائهم فؤاد الشوبكي، يزجي له الفلسطينيون جميعاً في الوطن والشتات التحية الخالصة، ويهنئونه بالحرية الناجزة، ويتمنونها لمن بقي خلفه عاجلةً عزيزةً، ويسألون الله عز وجل أن يمد في عمره، وأن يبارك له فيما بقي من أيامه، حتى يرى فلسطين حرةً، ترفرف في سمائها أعلامنا، ويصدح في مساجدها آذاننا، وتقرع في كنائسها الأجراس، ويعاهدونه والأسرى والشهداء، أنهم سيكونون أوفياء لهم، وأبراراً معهم، ومخلصين مثلهم، يحفظون دماءهم، ويقدرون تضحياتهم، ولا يخونون عهدهم أو يفرطون في حقهم.

 

بيروت في 14/3/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

 

ـــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك