الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب باب الحوائج الإمام موسى الكاظم عليه السلام للدكتور حسين الحاج حسن: قال داود بن زربي: سمعت أبا الحسن الأول عليه السّلام يقول: (اللهم إني أسألك العافية، و أسألك جميل العافية، و أسألك شكر العافية، و أسألك شكر شكر العافية. و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يدعو و يقول: أسألك تمام العافية ثم قال: تمام العافية الفوز بالجنة، و النجاة من النار). و لا ريب أن الدعاء من قلب العبد الصالح المؤمن، التقي، الورع يستجاب من اللّه العزيز القدير. و جاء ذلك في القرآن الكريم: "وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (غافر 60).
وعن دعاء يوم الجمعة يقول الدكتور الحاج حسن: روى الشيخ الطوسي قدس اللّه سره، باسناده عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام: اللهم اغفر لي، و ارزقني، و ارحمني، و اجبرني، و عافني، و اعف عنّي، و ارفعني، و اهدني، و انصرني، و الق قلبي الصبر و النصر يا مالك الملك، فإنّه لا يملك ذلك غيرك. اللهم و ما كتبت عليّ من خير فوفّقني و اهدني له، و منّ عليّ به، و أعني و ثبّتني عليه، و اجعله أحب إليّ من غيره، و أثر عندي مما سواه، و زدني من فضلك. اللهم إني أسألك رضوانك و الجنة، و أعوذ بك من سخطك و النار، و أسألك النصيب الأوفر في جنّات النعيم. اللهم طهّر لساني من الكذب، و قلبي من النفاق، و عملي من الرياء و بصري من الخيانة، فإنّك تعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور اللهم إن كنت عندك محروما مقتّرا عليّ رزقي فامح حرماني و تقتير رزقي، و اكتبني عندك مرزوقا موفّقا للخيرات، فإنك قلت تباركت و تعاليت "يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ ما يشاء وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ" (الرعد 39) صلّى اللّه على محمد و آله إنك حميد مجيد.
وعن الامامة يقول الدكتور حسين الحاج حسن في كتابه: الذي دفعني إلى الحديث عن الإمامة هو سؤال بعض الأساتذة الزملاء في الجامعة اللبنانية، كلية الآداب قوله: لما ذا الشيعة يعظمون دور الإمامة أكثر مما تستحق؟ و ما هو دور الإمام بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم؟ قبل الجواب على هذا السؤال أرى من الغريب جدا ما يدعيه غير الشيعة من أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم رحل من هذه الدنيا و لم يوص إلى أحد من بعده ليقوم مقامه، و يتحمّل مسئولية تنفيذ الدعوة الإسلامية، فترك الأمة بلا إمام يدير شئونها، و يجمع شملها، و يوضح السنن، و يقوّم الاعوجاج، و يقيم الحدود، و يرشد الضالين عن الخط الإسلامي الصحيح؟ و ما هو ثابت عند المؤرخين و كتاب السنن أنه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يستخلف على المدينة إذا أراد سفرا، و لا يرسل جيشا في مهمة حتى يعيّن له قائدا، و ربّما عين لبعض جيوشه أكثر من قائد. و من المؤسف انه عند ما يريدون تنزيه شخص أو جماعة يخلقون أفضل المبررات في نظرهم، و يعتذرون عنهم بأحسن الأعذار. من ذلك ابتدع معاوية فرقة القصاصين الذين يشيدون بمآثره، و يعيبون على عليّ و أنصاره. ثم اخترع فرقة المرجئة الذين يرجئون معايب و نقائص الخليفة إلى يوم الحساب، و يعفى من محاسبة الجماعة له إن ظلم أو أخطأ. كما نسب إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم و إلى اللّه سبحانه و تعالى ما لم ينزل به سلطان. كل ذلك من أجل تصحيح عمل قام به السلف، أو من أجل مصالح دنيوية ضيّقة، و قد نسوا أو تناسوا قول اللّه تعالى: "أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ" (يونس 35). و لو أنصف الناس الإمام علي أمير المؤمنين عليه السّلام لاكتفوا بنص الغدير وحده دون غيره من النصوص الكثيرة، فقد شهد بيعة يوم الغدير جل المسلمين، و شاهدوا المراسيم التي اجراها الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم في ذلك اليوم التاريخي و من العجيب كيف نسيت الأمة بعد وفاة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم ذلك اليوم، هذا و العهد قريب، و الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعد لم يدفن و الشهود الكثر حضور. و لا أريد أن أخوض في هذا الحديث المؤلم الذي دب الاختلاف بين المسلمين و فرّقهم فرقا و شيعا. و لا يخفى على كل ذي بصر ان الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام وحده المنصوص عليه بالخلافة من قبل الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و كذلك أولاده عليهم الصلاة و السلام. و قد التزم الأئمة عليهم السّلام في نص بعضهم على بعض، السابق منهم على اللاحق، و الوالد على ولده، إقامة للحجة، و إعذارا للأمة. و هنا أحد النصوص الكثيرة في حق الامام موسى الكاظم عليه السّلام من قبل أبيه الصادق عليه السّلام: قال محمد بن الوليد: سمعت علي بن جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد عليهما السّلام يقول لجماعة من خاصته و أصحابه: استوصوا يا بني موسى خيرا، فانه أفضل ولدي، و من أخلفه من بعدي، و هو القائم مقامي، و الحجّة للّه تعالى على كافة خلقه من بعدي.
وعن معنى الإمامة يقول الدكتور الحاج حسن في كتابه: الإمام لفظا: يقال للطريق الواسع الواضح، و لدليل المسافرين، و لحادي الإبل، و القدر الذي يتعلمه التلميذ كل يوم في المدرسة يقال: حفظ الصبي إمامه. و القرآن للمسلمين جاء في التنزيل: "وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ" (يس 12). و الإمامة اصطلاحا: (رئاسة عامة في أمور الدين و الدنيا لشخص انساني) و الإمام حسب هذا التحديد هو الزعيم العام و الرئيس المتبع الذي له السلطة الشاملة على جميع شئون الناس الدينية و الدنيوية فالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم فكذلك الإمام حسب ما نص عليه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في خطابه بغدير خم حينما نصب الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام خليفة و إماما على المسلمين من بعده.
وعن تعيين الإمام يقول الدكتور حسين الحاج حسن في كتابه: أجمع الشيعة ان الانتخاب في الإمامة باطل، و الاختيار فيها مستحيل، فحالها كحال النبوة، ليس بيد الأمة، و لا بيد أهل الحل و العقد فكما أن النبوة لا تكون بايجاد الإنسان و رغبته كذلك الإمامة، لأنّ العصمة التي هي شرط من شروط الإمامة عند الشيعة، لا يعلمها إلّا اللّه سبحانه و تعالى، المطلع على دخائل القلوب و خفايا النفوس، فهو عزّ و جلّ وحده يمنحها لمن يشاء من عباده و يختاره لمنصب الإمامة و الخلافة. فالنبوة و الإمامة، كونهما منصبا إلهيا فإن تعيينهما من مختصاته تعالى و لا يجوز فيهما الترشيح و الانتخاب. و قد أعلن ذلك في القرآن الكريم. قال تعالى: "يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ" (ص 26). و قال تعالى أيضا: "وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ" (القصص 68). و النصوص المتضافرة عن أئمة أهل البيت تدل بوضوح على وجوب تعيين الإمامة من اللّه عز و جل. من تلك النصوص ما استدل به حجة اللّه على أرضه، و خليفته على عباده الذي يصلح ما فسد من نظام الدين و يقوم الاعوجاج، مهدي هذه الأمة (عجل اللّه فرجه الشريف) و ذلك عند ما سأله سعد بن عبد اللّه عن العلة التي تمنع من اختيار الناس إماما لأنفسهم فاجابه عليه السّلام قائلا: - يختارون مصلحا أو مفسدا؟- بل مصلحا. - فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من إصلاح أو فساد؟ - بلى - فهي العلة أوردها لك ببرهان يثق به عقلك، اخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم اللّه و أنزل الكتب عليهم، و أيدهم بالوحي و العصمة، إذ هم أعلام الأمم، و أهدى إلى الاختيار، منهم مثل موسى و عيسى هل يجوز مع وفور عقلهما، و كمال علمهما إذا هما بالاختيار ان تقع خيرتهما على المنافق و هما يظنان أنه مؤمن. - لا. - هذا موسى كليم اللّه مع وفور عقله و كمال علمه، و نزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه، و وجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لا يشك في ايمانهم و اخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين. قال تعالى في ذلك: "وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيَّايَ أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ" (الأعراف 155). إلى قوله تعالى: "فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ" (النساء 153) فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه اللّه للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح، و هو يظن أنه الأصلح علمنا ان الاختيار ليس إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور، و تكن الضمائر. من هنا نعلم ان الطاقات البشرية قاصرة عن إدراك الأصلح الذي تسعد به الأمة و إنما أمر ذلك بيد اللّه تعالى العالم بخفايا الأمور قال تعالى: "إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (آل عمران 29).
https://telegram.me/buratha