المقصود بعبارة ( النبؤات اليهودية) الواردة في عنوان المقال هو تلك النصوص الموجودة في ثنايا الكتاب المقدس لليهود (التناخ) والتي يستدل بها اللاهوتيون المسيحيون ويعتبرونها ادلة على تنبأ العهد القديم بشخص يسوع المسيح وكل ما يتعلق حوله من أحداث جرت عليه ,وكذلك يعتبرونها براهين قاطعة على صحة الأسس التي بنيت عليها الثيالوجيا المسيحية, مثل عقيدة الفداء والخلاص, وعقيدة التثليث , وغيرها.
تعتبر موضوعة نبؤات العهد القديم حول المسيح, من أكثر المواضيع الجدلية والخلافية بين المسيحيين وبين أصحاب العهد القديم ( اليهود) الذين جاءت هذه الكتب بلغتهم وضمن إطار مفردات ثقافتهم وأعرافهم وتقاليدهم الاجتماعية
لذلك,شغل هذا الموضوع حيزا كبيرا ,في ساحة الجدل الفكري والعقائدي ما بين الديانة الأصل(اليهودية) وبين الطائفة التي انبثقت منها ,ثم تطورت لتصبح ديانة مخالفة لها تماما,رغم أنها لازالت تستند على نصوص اليهود, لإثبات صحتها !
ففي الوقت الذي يؤكد فيه المسيحيون, ويكررون باستمرار, ان هناك مئات النبؤات في نصوص العهد القديم, قد تحدثت عن يسوع المسيح, وعن مجيئه, وصلبه, وقيامته, و افتداءه لخطايا المؤمنين به من خلال بذل دمه, وعن امور اخرى عديدة تتعلق بسيرة حياته, و توضح حقيقته الالهية وخطته التي رسمها لانقاذ البشر من تبعة وزر ذنب ابويهم !
في نفس الوقت, نجد هناك إنكارا شديدا, و نفيا قاطعا , من اليهود ,على ان يكون هناك أي نبؤة في العهد القديم, تثبت ما يدعيه المسيحيون, بل على العكس, يتحدثون عن نصوص تثبت خروج المسيحيين عن طريق الإيمان القويم !
ومن الأمور اللافتة ,أننا نجد المسيحيين واليهود يتفقون جميعا على ان هناك ما يسمى ب( النبؤات المسيحانية) وهي تلك النصوص التي تشير الى الاحداث والتغييرات التي سوف تطرأ على المجتمع البشري, بعد مجيئ المسيح الموعود, مثل حلول السلام في جميع اصقاع الارض, وعودة جميع اليهود من الشتات الى الأرض المقدسة, وبناء الهيكل الثالث, وغيرها من النبؤات التي تتحدث عن عالم ( طوباوي) سوف تشهده البشرية وتعيش فيه بكل سلام ومحبة ووئام
ورغم اتفاق الجماعتين على تلك النبؤات المسيحانية, الا أننا نجدهم ,يختلفون اختلافا كبيرا ,حول ما اذا كانت تلك النبوءات قد انطبقت فعلا على شخص يسوع الناصري, (كما يعتقد المسيحيون) ام انه كان مجرد شخص ادعى المسيحية ( كما يظن اليهود) او ربما نسب اليه اتباعه ذلك الادعاء, لكنه لقى حتفه قبل ان يحقق أيا من تلك النبؤات, وهذا وحده يكفي دليلا قاطعا ,على انه لم يكن المسيح الموعود, والذي من المفروض ان يحكم ويملك , لا ان يصلب ويموت !
ان عملية التحقق من صحة ادعاء كل طرف من الطرفين, تحتاج الى بحث جاد وموضوعي, يستغرق فترة طويلة, يحتاج فيه الباحث الى التدقيق والمقارنة ,وتتبع كل نبؤة مدعاة,ودراسة تفسيرها لدى كل طرف, مع قراءتها ضمن السياق الذي وردت فيه, وأحيانا تتطلب العملية الرجوع الى النصوص بلغاتها الاصلية التي كتبت فيها لتبيان المعنى الذي يرمي إليه النص, والغايات التي يشير إليها
وفي هذه الحالة, سيتطلب الأمر, بحثا طويلا ومفصلا, قد يحتاج إلى كتاب كامل ليستوعبه, وهذا ما اعمل عليه حاليا,
مع ذلك, ساتطرق في هذا المقال,بشكل مختصر, الى الأساليب التي انتهجها اللاهوتيون المسيحيون, في عملية بناء منظومة عقيدة النبؤات الكتابية, و سأورد شواهد عليها, بشكل سريع ومقتضب مراعاة لعدم الإطالة والتشعب
لقد اعتمد اللاهوتيون المسيحيون , ومنذ فترة التأسيس الاولى , والى اليوم ,على عدة تكتيكات وأساليب, في عملية استنباط نصوص معينة, للاستدلال على صحة إيمانهم حول المسيح من نصوص العهد القديم, منها :
1- التسويق الدعائي والترويج العقائدي عن طريق التضخيم والتهويل وادعاء أكبر ( عدد) ممكن للنبؤات.
فكل شخص يستمع إلى محاضرات اوعظات المكرزين, او يتصفح المواقع الدينية المسيحية, سيلاحظ ان هناك دائما ادعاء بوجود (مئات) النبؤات حول يسوع المسيح, يصل عددها الى 300 نبؤة , واحيانا اكثر بكثير !!
لكن عندما نبدأ, بتفحص تلك النبؤات وتتبعها, نجد ان المسيحيين يدرجون امورا لا يمكن تسميتها بالنبؤات, وإنما هي ذكر لمواصفات او شروط يجب ان تتحقق في الشخص, من اجل ان يكون مستحقا لوصف المسيح, وهذه الشروط قد تنطبق على الكثير من الناس, ولا يعني ذلك أنهم تلقائيا اصبحوا مسحاء !
ومن هذه الامور التي يدرجها المسيحيون, لغرض التهويل الدعائي, مثلا
ان المسيح من نسل إبراهيم (هذه نبؤة) وانه من نسل اسحق( اثنين) وأنه من نسل يعقوب(ثلاثة) وانه من ابناء داوود صارت (اربع نبؤات) ….وانه من بني إسرائيل ( خمسة!!)... وهكذا يتم ايهام المتلقي, بوجود عدد كبير من النبؤات, في حين ان كل هذه الأمور هي مجرد أمر واحد ,من ضمن مواصفات لشخص المسيح, لكنها لا تنحصر به!
يقابل علماء اليهود,هذا الأسلوب الدعائي الترويجي المسيحي, بالسخرية والاستهزاء, ويشبهونه, بترويج بعض الشركات لسلعهم التجارية, كسلعة السائل المنظف - على سبيل المثال - الذي له أكثر من 10 استعمالات!!
لكن عندما تقرأ تلك الاستعمالات ,تجدهم يقولون لك, انه يفيد في تنظيف المكتب, وفي تنظيف الزجاج, وينظف المطبخ..الخ
ويستمرون بتعداد مجالات تنظيف ذلك السائل….لكن في الحقيقة...هذا السائل هو مجرد سائل للتنظيف !!!
2- اختلاق نبؤات لا وجود لها في نصوص اليهود !!
وهذا الأسلوب يعتبر تكتيكا خطيرا ومثيرا للعجب والاستغراب, نظرا لجرأته وعدم الاكتراث بالمصداقية والنزاهة, وهذا الاسلوب نجده متبعا عند الآباء المؤسسين من الذين كتبوا نصوص العهد الجديد, والتي صارت لاحقا نصوص مقدسة!
ومن الامثلة على هذا الاسلوب…. ما نسبه كاتب انجيل ( متى) الى سفر ( ارميا) من نبؤة في الإصحاح 27 من إنجيله
(حِينَئِذٍ تَمَّ مَاقِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ:وَأَخَذُوا الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ،ثَمَنَ الْمُثَمَّنِ الَّذِي ثَمَّنُوهُ مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ)
وعند العودة الى سفر ( ارميا) ...لايجد القارئ اي اثر او ذكر لهذه النبؤة , وإنما هي من اختلاق كاتب انجيل (متى) والذي كرر ايضا نفس الأسلوب , عندما ادعى وجود نبؤة تقول ان المسيح سوف يدعى (ناصريا) ...ولا توجد اصلا هكذا نبؤة !!
3- التلاعب بالترجمة, من أجل تحريف المعنى !
وهذا التكتيك, يعتبر ايضا اسلوبا ماكرا من اجل تمرير عقائد معينة من خلال التلاعب بمعاني الكلمات ودلالتها, عند ترجمة النصوص من لغتها الاصلية , بل إننا نجد علماء اليهود والمتخصصين منهم في دراسات الكتاب المقدس, يعتبرون هذا الأسلوب , ليس فقط, اسلوب تضليل وخداع, وانما هو في حقيقته (جريمة) ارتكبها المسيحيون الاوائل بحق النصوص اليهودية, وخيانة علمية , تعكس انتهازية إيمانية و مشكلة أخلاقية, لدى أولئك الأشخاص الذين مارسوا هذا العمل!
ومن الامثلة العديدة على هذا الاسلوب, الترجمة المسيحية, لخاتمة المزمور الثاني, حيث يترجمها المسيحيون كالاتي
(قَبِّلُوا الابْنَ لِئَلاَّ يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ)
والغرض من هذه الترجمة واضح, وهو الاشارة الى ( الابن) والذي يتحقق في شخص يسوع حسب الفهم المسيحي
لكن بالرجوع الى النص اليهودي الاصلي, نجد النص يقول
(اعْبُدُوا الرَّبَّ بِخَوْفٍ،وَاهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ.تسلحوا بالنقاء,لِئَلاَّ يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ.لأَنَّهُ عَنْ قَلِيل يَتَّقِدُ غَضَبُهُ)
وهنا نجد المترجمين الاوائل, قاموا بلعبة ماكرة, من خلال ترجمة عبارة( نشكو بار) العبرية والتي تعني (تسلحوا بالنقاء)
الى عبارة ( قبلوا الابن) وترجموا كلمة (بار) بمعناها الارامي وليس بالمعنى العبري, الذي كتبت به نصوص المزمور!!
ومن الامثلة الاخرى على هذا الأسلوب الماكر, ترجمة عبارة (ثقبوا يدي ورجلي) في المزمور 22 العدد 16
في حين ان العبارة الصحيحة في النص اليهودي الأصلي هي( كها اري يداي با رجلاي) والتي تعني(كالأسد يداي ورجلاي)
وسبب تحريفهم للترجمة معلوم , وهو الإيهام بأن هذه العبارة هي نبؤة قديمة عما سيحدث ليسوع عند صلبه !
ومن الامثلة الشهيرة الاخرى على هذا الاسلوب, ايضا, تلك الترجمة المحرفة لكلمة (العذراء) في نبؤة سفر (اشعيا)
( ها العذراء تحبل وتلد ابنا) , فقد استبدل المسيحيون الاوائل كلمة ( صبية/ ارما) الواردة في النص اليهودي الأصلي بكلمة
( العذراء / بتولا) من اجل اعطاء قناعة خادعة بأن النص يتحدث عن نبؤة مستقبلية تخص شخص يسوع الناصري, في حين ان الأصحاح كله , يتحدث عن حادثة تاريخية وليس عن نبؤة مستقبلية !!
4- التلاعب بكلمات النص الأصلي من أجل تحريف المعنى للنص:
وهذا الأسلوب امتاز به شاول الطرسوسي( الرسول بولس) واستخدامه مرات عديدة, لغرض تمرير الأفكار التي كان يريد للآخرين ان يؤمنوا بانها عقائد تحدثت عنها نصوص العهد القديم , ...ومن الامثلة على ذلك
قول بولس في رسالته الى رومية 11/26
(وَهكَذَا سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:سَيَخْرُجُ مِنْ صِهْيَوْنَ الْمُنْقِذُ وَيَرُدُّ الْفُجُورَ عَنْ يَعْقُوبَ)
وبالعودة الى النص الذي يشير اليه بولس, وهو العدد 20 من الاصحاح 59 من سفر إشعياء ,نجد النص يقول:
(وَيَأْتِي الْفَادِي إِلَى صِهْيَوْنَ وَإِلَى التَّائِبِينَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فِي يَعْقُوبَ، يَقُولُ الرَّبُّ)
وبمقارنة ما نسبه بولس , وما هو مكتوب في النص الأصلي, نكتشف الخدعة الماكرة, التي مررها بولس بدهاء, حيث جعل خروج المسيح سببا لرفع الفجور والذنوب عن اليهود, بينما النص الأصلي يقول العكس تماما , وهو ان توبة اليهود عن الذنوب والمعاصي, ستكون سببا لخروج المسيح المنقذ, وان الفادي سيأتي الى اناس قد سارعوا بالتوبة اصلا !!
ونفس الاسلوب ,نجده في الرسالة الى العبرانيين في الاصحاح العاشر ,حيث يحاول الكاتب ان يشير الى ان المسيح قدم جسده ذبيحة للتكفير عن الخطايا ,حسب ما هو مدروج بالكتب (اي العهد القديم) وهو بذلك يشير الى ما ورد في المزمور الاربعين, العدد السابع, ...لكن بالعودة الى نص ذلك المزمور, نجده يتحدث عن شخص يقول عن نفسه :
(لأن شرورا لا تحصى قد اكتنفتني. حاقت بي آثامي، ولا أستطيع أن أبصر) مزمور 407
وهذا الوصف , لا ينطبق على يسوع المسيحي, حسب الإيمان المسيحي,الذي يعتبره منزها عن العيب والذنب
ومن الأمثلة الشهيرة على هذا الأسلوب, ما ورد في نبؤة أشعياء 53 والتي نقلها المسيحيون كالاتي
( وهو مجروح لأجل معاصينا, مسحوق لاجل اثامنا)
بينما يجد الباحث في النص اليهودي الأصل ان العبارة قد تم التلاعب بها, فالنص يقول
( وهو مجروح بسبب معاصينا, مسحوق بسبب آثامنا) راجع سفر اشعيا بالنص العبري او الترجمة منه
وبتغيير كلمات هذه العبارة ,قام المسيحيون الاوائل بقلب المعنى تماما, لكي يوظفوه في تمرير معتقدهم الجديد القائم على فكرة الفداء والخلاص من خلال تضحية الرب بنفسه, عن طريق عملية الصلب !
5- اسلوب الاقتطاع من السياق والخروج بمعنى لا يتطرق له النص الأصلي.
وهذا الأسلوب شهير ومتكرر, ولا يزال المسيحيون الى اليوم يستخدمونه كثيرا, لتمرير اي فكرة يريدون تأصيله او التاكيد على شرعيتها, حيث نجدهم ,يهرعون الى نصوص العهد القديم, ثم يمارسون عملية القفز بالباراشوت على النص !!
واقتطاع عبارة او جملة منه, لكي يوردونها كدليل على ان تلك الفكرة قد تحدثت عنها نصوص التوراة او غيرها
ومن الامثلة على هذا الاسلوب, ما نجده في إنجيل ( متى) ...فبعد ان سرد لنا كاتب الانجيل قصة خيالية لا أصل لها
وهي قصة أمر الملك هيرودس بقتل أطفال مدينة (بيت لحم) من عمر السنتين فما دون, نجد كاتب الانجيل يشير الى ان الحادثة (التي اختلقها) هي تحقق لنبؤة تكلم عنها سفر( ارميا)
(حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ:صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ)
وحين نذهب لنقرأ سفر (ارميا) سنجد ان تلك النبؤة الواردة في الإصحاح 31 , تتحدث عن بكاء (راحيل) على ابنائها الذين تم أخذهم أسرى, وان الرب يطمأنها بأنهم سيرجعون لها ,ويطلب منها ان تكف عن البكاء
وهذه النبؤة ترمز الى سبي اليهود , ولا علاقة لها بالقصة التي اختلقها كتبة انجيل (متى) ولا باطفال بيت لحم!
ومن الامثلة الاخرى على هذا الأسلوب في اختلاق النبؤات, ما ينسبه بعض المسيحيين الى سفر زكريا 13/6 على أنها نبؤة تتحدث عن المسيح وعن الجروح التي في يديه
(فَيَقُولُ لَهُ: مَا هذِهِ الْجُرُوحُ فِي يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هِيَ الَّتِي جُرِحْتُ بِهَا فِي بَيْتِ أَحِبَّائِي)
بينما نجد ان النص في سفر زكريا ,لا علاقة له بالمسيح, وانما يتحدث عن لسان نبي كاذب !... راجع زكريا 13
6- استخدام أسلوب مغالطة ( المنطق الدائري)
وهذا الاسلوب من اشهر الاساليب التي يستخدمها المسيحيون وأكثرها استخداما !!..حيث يقومون فيه بتقديم العربة على الحصان !!!...لغرض الاستدلال بما يحاولون استنتاجه !!...وهو بطبيعة الحال, ما يؤمنون به سلفا !!
فتراهم ,والحال هذه, يهرعون الى نصوص (التناخ) بعد ان يضعوا على أعينهم نظارة او عدسات (يسوع المسيح) بحسب إيمانهم به و بلاهوته وفدائه ...ثم يحاولون ايجاد اي نص قد يشير او يفهم منه ما يفيدهم بإثبات صحة معتقدهم
لذلك نجدهم يبحثون عن ما يثبت مسيحانية يسوع او لاهوته او حمله لكفارة الذنوب ...لانهم ابتداءا يعتقدون بذلك , وليس بسبب ان نصوص العهد القديم تشير الى ذلك !!
والامثلة على هذا الاسلوب عديدة ولا يمكن حصرها بمقال واحد, ومن أشهرها ما ورد في سفر (اشعيا) 53
والذي يتكلم عن (عبد بار) يتعرض للظلم والاذى فيصبر ويقاد للموت ولا يفتح فمه,وسيكون له و (لنسله)ملك تطول ايامه
وهنا نجد اللاهوتيين المسيحيين يؤكدون على ان هذه نبؤة تنطبق تماما على يسوع المسيح, لانهم - حسب ايمانهم- يعتبرون يسوع هو الذبيحة التي كان دمها كفارة لذنوب البشر !
في حين ان فقرات النبؤة لا تنطبق جميعها على يسوع الذي لم يكن فمه مغلقا حين تم صلبه, والذي لم يكن له ملك دنيوي ولا يتوقع أحد ان يكون له (نسل) سوف تطول مدة ملكهم !!
المسيحي هنا, يستخدم مغالطة (المنطق الدائري) للاستدلال بما يريد ان يستنتجه, فنجده يعتبر (يسوع الرب) هو(العبد) الذي يتحدث عنه النص!!..بينما يعرف كل من يقرأ سفر(اشعيا) ان توصيف (العبد) المتكرر كثيرا,هو اشارة الى (اسرائيل)
ومن الامثلة الاخرى على هذا الأسلوب, العبارة التي أوردها كاتب الرسالة الى العبرانيين ( بدون سفك دم لا تحصل مغفرة)
وهو بذلك يريد الاشارة الى سفر اللاويين الاصحاح 17 ….بينما قراءة ذلك السفر بتمعن ,تجعلنا نعرف بكل سهولة ويسر, ان الحديث هناك ,عن تنظيم طريقة تقديم اليهود للذبائح ,ولا علاقة للسفر بقصة المسيح اساسا !!
ونفس الأمر ينطبق على اعتبار المسيحيين ان الإصحاح 11 من سفر (إشعياء) هو نبؤة عن يسوع المسيح, لان النص يشير الى حلول روح الرب على ذلك الشخص
بينما نجد,عند قراءة ذلك السفر, انه يتحدث عن شخص تحل عليه ايضا ( مخافة الرب) بل ستكون لذته في مخافة الرب!
فهل يا ترى ان ( الرب يسوع) يتصف بأنه يخاف من ( الرب) رغم انه -حسب الفهم المسيحي- هو الرب نفسه ؟!!
في مورد ردهم و دحضهم لهذا الأسلوب, يضرب اليهود مثلا فيه نوع من الفكاهة على تهافت وزيف وسطحية اتباع مغالطة المنطق الدائري التي ينتهجها المسيحيون في الاستدلال على صحة عقيدتهم من خلال نصوص كتابية يهودية
وهذا المثل الذي يضربه اليهود هو عبارة عن حكاية ذلك الرامي الماهر جدا, الذين وجد الناس ان كل رمياته على الاهداف المرسومة على شجر المدينة, قد أصابت منتصف الهدف تماما, من دون ان تخطأ رمية واحدة,ولا ان تحيد عن قلب الهدف!
وبعد المتابعة والتحقق والمراقبة….اكتشف الناس الخدعة !!!...فهذا الرامي العبقري...يقوم اولا برمي السهم على جذع الشجرة, واينما يقع السهم...يذهب الرامي, ويقوم برسم دوائر الهدف حول السهم, ليظهر السهم وهو في قلب الهدف !!!
وهذا بالضبط هو الحال مع المسيحيين, فبعد ان قام المسيحيون الاوائل باعادة تعريف مفهوم المسيحانية, نتيجة للصدمة الحاصلة أثر النهاية السريعة ليسوع الناصري قبل تحقيق أي نتيجة متوقعة من مجيئ المسيح الموعود
اخذ المؤسسون الاوائل بالتعامل مع مفهوم ( المسيح) على أنه (عنوان) خاص بيسوع الناصري,يبحثون عن مصداقيته وشرعيته وأصالته في نصوص اليهود, بينما يعتبر اليهود هذا المفهوم هو ( صفة) لاشخاص عديدين ظهر منهم ملوك وأنبياء وكهنة, ولا زالوا الى اليوم ينتظرون ملكهم (الماشيح) الذي سوف يكون على يديه سلام الأمم وعزة اليهود, وبناء الهيكل الثالث, وإحياء العمل بشريعة التوراة.
د. جعفر الحكيم
https://telegram.me/buratha