ضياء المحسن
منذ أكثر من خمسة أشهر وأكثر من ثلتي سكان الكرة الأرضية يعيشون في خوف ورعب من وباء كورونا ، الأمر الذي توقفت معه كل شيء، المصانع والتجارة والترفيه؛ كل شيء أصابه الجمود بسبب الوباء الذي لا يُرى بالعين المجردة، ولم يكتف الوباء بشل حركة هذه المرافق التي يعتمد عليها الإنسان في توفير لقمة عيش كريمة له ولعائلته، بل أنه تسبب في تفاقم الأزمات المالية لعدد غير قليل من دول العالم، خاصة تلك الدول التي تعتمد في تأمين متطلبات العيش فيها على صادرات النفط، حيث انخفض سعر برميل النفط في الفترة الأولى من إنتشار الوباء الى ما دون العشرين دولار، والذي يعني أنه بالكاد يغطي تكاليف إنتاجه.
الإقتصادات التي تعتمد على الصادرات النفطية ومنها العراق، تعرضت الى ضربة شديدة جدا، تمثلت في إنخفاض الإيرادات من بيع النفط الخام، بما نتج عنه عجز كبير في حسابها الجاري.
بمراجعة بسيطة للعجز الحاصل في الحساب الجاري، وبين المخاطر التي ترتبط على الصادرات السلعية الأخرى، نجد أن الدول التي تعتمد على الصادرات النفطية، تكون المخاطر فيها عالية جدا، خاصة إذا كانت مثل حالة العراق الذي يعتمد في تمويل موزانته العامة بنسبة تزيد الى 95% على الصادرات النفطية، وإذا ماأخذنا بنظر الإعتبار أن نسبة كبيرة من هذه الإيرادات يعاد إخراجها من البلاد على شكل واردات سلعية، سنجد مقدار الكارثة التي يمر بها هذا البلد.
مع هذه الضبابية في الوضع الإقتصادي العراقي، السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: هل بالإمكان الخروج من هذه الإشكالية بأقل الخسائر؟ وما هي السبل لتحقيق طفرة نوعية، والإنتقال من إقتصاد يعتمد بهذه النسبة العالية على الإيرادات النفطية، والإعتماد على بقية القطاعات الإنتاجية؟
وجود الثروات الطبيعية في أي بلد من بلدان العالم هو عامل مهم في تطوير إقتصاد ذلك البلد، وبغض النظر عن كون هذه الثروات قابلة للنضوب أم لا، فإن من واجب الحكومات التعامل معها بما ينفع أبناء ذلك البلد، وهذا يحتم على الحكومة أن تكون هناك إستراتيجية واضحة لكيفية التعامل مع هذه الثروات لتوليد الدخول لأفراد المجتمع، قبل نضوب هذه الثروات، والتخطيط الإستراتيجي لهذا الأمر يجب أن يكون في وقت مبكرا، حيث أن الواقع يقول أن الأوقات الجيدة لن تستمر طويلا.
واقعا أن العراق طيلة السنوات الماضية لم يستطع أن يتحسب لهذا الأمر، مع أن العالم خلال الفترة بين عامي 2003 و2020 واجهته أزمتين ماليتين، الأولى عام 2008 والثانية عام 2014، وقبل هذين العامين كانت هناك وفرة في الموازنات العامة، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة الإستفادة من هذه الثروات، بحجج لا تصمد مع الواقع، فمجموع الموازنات تجاوز الواحد ترليون دولار بكثير، كان بالإمكان تفعيل القطاعات الإقتصادية المهمة (الزراعة والصناعة) بالإضافة الى قطاعي السياحة والخدمات، وهذه القطاعات كان بإمكانها إمتصاص أكبر عدد ممكن من القوى العاملة التي تعاني الأن من البطالة، بدلا من تبديد هذه الثروات على أمور أصبحت كاهلا على البلد؛ بدلا من أن تكون عامل قوة له.
هناك عوامل ساهمت في ما نراه من تردي الإقتصاد العراقي، سنحاول إيجازها تاليا:
العامل الأول الذي نتحدث عنه هنا، يتمثل في إرتفاع عدد العاملين في القطاع الحكومي، نسبة الى عدد السكان، مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية مثلا، والتي لا يتجاوز عدد العاملين في القطاع الحكومي هناك عدد الموظفين في الجهاز الحكومي في العراق، وهذا العدد من الموظفين يستهلك ما يقرب من 47% من مجموع الإيرادات في الموازنة.
العامل الثاني الذي نتحدث عنه هنا، هو العدد الكبير من الوزارات والدوائر والهيئات، التي لم تستطع أن تقدم خدمة سواء للمواطن أو للبلد بصورة عامة، بل كانت عبارة عن دكاكين تعود بالنفع على الأحزاب السياسية التي تستلم هذه الوزارة أو تلك، أو هذه الهيئة أو تلك الدائرة، فعلى السلطة التنفيذية أن تقوم بمراجعة دقيقة لواقع هذه الدوائر، فمثلا ليس من المعقول أن يتم إنفاق ما يزيد على 47 مليار دولار طيلة السنوات الماضية على قطاع الكهرباء، والى الأن لم يتجاوز إنتاج الكهرباء 20000 ميكاواط، مع أننا لو افترضنا أننا صرفنا نصف هذا المبلغ لأنتاج الكهرباء، لكان العراق ينتج ما لا يقل عن 23500 ميكاواط، وليس من المعقول عدم مغادرة المحطات الكهربائية والغازية والتحول الى الطاقة الشمسية والمتوفرة في بلد كالعراق لفترة طويلة على مدار اليوم، بحجة أننا نمتلك من الخبرات التي تستطيع التعامل مع المحطات الحرارية والغازية.
العامل الثالث الذي نتحدث عنه هو المستشارين الذين يملؤن المكاتب (سواء في رئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية أو رئاسة البرلمان) الموظفين في مكاتب رئاسة الوزراء وبقية الرئاسات الثلاث، الذين لا يفعلون شيء سوى إستنزاف ميزانية الدولة، كما أن نظرة بسيطة لعدد الموظفين وتوصيف الدرجات الوظيفية لهؤلاء تجد أن الموظفين في الدرجات الدنيا أقل من عدد الموظفين في الدرجات العليا، وهذا الكلام مأخوذ من الموازنة العامة، التي صادق عليها مجلس الوزراء ومن بعده مجلس النواب ورئيس الجمهورية ومنشورة في جريدة الوقائع العراقية.
لقد كان العراق يعيش في حياة جيدة عندما كانت الزراعة تمثل أكثر من 75% من الناتج المحلي الإجمالي، بحيث أننا نقرأ عن مجلس الإعمار العراقي ومشاريع هذا المجلس التي تنتشر في جميع أرجاء العراق، لكن اليوم ماذا فعلت الدولة للبلد مع هذه الأرقام الفلكية، قد يلقي البعض باللوم على الفساد الإداري والمالي في تبديد هذه الثروات، نعم في جزء منه صحيح، لكن الأصح منه هو غياب الرقيب النزيه والرادع القانوني المغيب الذي لم يفعل شيء أزاء الفساد المستشري، بسبب إرتباط الفاسدين بالكتل السياسية والأحزاب المتنفذة.
ـــــــــــ
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha