ضياء المحسن ||
تختلف قياسات مستوى خط الفقر في البلدان النفطية، عنه في البلدان غير النفطية، ومرد ذلك الى أن الأولى لديها واردات كبيرة، يمكنها من خلالها أن ترتفع بالمستوى المعيشي لأفرادها، بالإضافة الى أنها تستطيع تنمية مواردها الأخرى وتنشيطها عن طريق الفوائض النفطية، من هنا فإننا نستطيع القول بأن المستوى المعيشي لرعايا الدول النفطية (المقيمين والوافدين) يكون ذو مستوى عالي قياسا بالدول الأخرى.
من المعلوم لدى كثير من الباحثين أن هناك قياسات تضبط إيقاع تعريف خط الفقر في البلدان الفقيرة، وهذه القياسات صادرة من الأمم المتحدة، لكن هذه القياسات تخضع لمزاجات المسؤولين في الدول التي تقيس خط الفقر لبلدانها، لأسباب سياسية.
قلنا أن هناك قياسات لتعريف خط الفقر، وهي تتوزع على ثلاث خطوط، الخط الأول هو خط الكفاف، حيث أن الفرد هنا يتقاضى 1,9$ أي ما يقارب 2260 دينار بالسعر الرسمي لدى البنك المركزي، أما الخط الثاني فهو خط الفقر المدقع، وهنا نجد أن الفرد يتقاضى م3,2$ أي ما يقارب 3805 دينار، بينما الخط الثالث وهو خط الفقر الأعلى، يتقاضى الفرد أكثر من 5$ يوميا تقريبا 6000 دينار، وخط الفقر في العراق يقع ضمن المستوى الثاني (خط الفقر المدقع)، لكن واقعا هل صحيح أن العراق فقراءه يقعون ضمن هذا المستوى؟
بالعودة الى ما كتبناه في بداية هذا المقال، نجد أن التصنيف هذا يجافي الحقيقة، ذلك لأن حسابات الحقل تختلف عن حسابات البيدر، عندما نلاحظ مستويات البطالة التي تتجاوز 35% من مجموع الأيدي العاملة، وإنخفاض الأجور اليومية قياسا بعدد الأيام التي يعمل فيها العاملين بالأجور اليومية، فمع إفتراض أن أجرة العامل اليومية 20$ تقريبا 25000 دينار ومكوثه في البيت لفترة قد تتجاوز في بعض الحالات عشرة أيام، سنجد أن خط الفقر في العراق يكون في المستوى الأول (خط الكفاف).
إذا ما قارنا مستوى خط الفقر في العراق مع دول الجوار، وهي دول نفطية أيضا (حتى مع الأخذ بنظر الإعتبار الفارق العددي في عدد السكان) نجد هناك بون شاسع، فدولة مثل الكويت يبلغ خط الفقر فيها ما بين 25ـ35 دينار كويتي أي ما يعادل 95ـ133$ دولار في اليوم، بينما السعودية يبلغ خط الفقر فيها 7,7$ في اليوم، بالتأكيد هناك أسباب لذلك، لكن ما هي هذه الأسباب؟ وهل يمكن معالجة تلك الأسباب؟
من وجهة نظر متابعة ليس هناك من سبب ليس له حل، تأسيسا على ذلك فإن مسألة الفقر في العراق سياسية أكثر مما هي مالية بحتة، فالعراق لا تنقصه الموارد التي تؤمن لمواطنيه مستوى من المعيشة يضاهي الدول المتقدمة (إيطاليا، فرنسا، ألمانيا)، لكن المشكلة هي عدم معرفة من يتصدى للمسؤولية كيف يدير هذه الموارد، بالتالي تضيع كل الجهود (حتى وإن كانت النوايا حسنة)، ما يؤدي الى تبديد الثروات والوقت والجهد في أمور شكلية سطحية لا تغني ولا تسمن من جوع.
يكمن الحل في تحديد الأولويات التي يجب أن يبنى عليها، الأهم ثم المهم وهكذا، نجد أن البلد بحاجة الى بنى تحتية قبل القيام بخطوة متقدمة، بعد ذلك يأتي دور المشاريع ذات الأولوية في الإقتصاد العراقي، ونجد أن الأولوية يجب أن تكون للقطاع الزراعي، ومن بعده قطاع الصناعات التحويلية المرتبط بالقطاع الزراعي، ومن بعده قطاع الخدمات، حيث أن مساهمة قطاع الخدمات في الناتج الإجمالي العالمي يبلغ أكثر من 2 ترليون دولار، وهكذا الى أن نصل المشاريع الترفيهية في المرحلة الأخيرة، عندها فقط يمكن أن نقول أن الفرد العراقي وصل مستواه الى مستوى الدول المتقدمة.
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha