المقالات

شهيد المحراب مجتهداً ومجاهداً

758 20:00:00 2010-06-25

الشيخ اكرم البغدادي

في البدء هذه محاولة لتناول الفقه السياسي عند شهيد المحراب وقدرته الفائقة في استنباط المسائل السياسية وتحديد الموقف الشرعي من القضايا السياسي وهو ما تميز وانفرد به شهيد المحراب بوضوح مستفيداً من تجربة الواقع السياسي ومستجداته ورصيده العلمي والفقهي بالاضافة الى ارتكاز التراكم المعرفي بعلاقته وقربه من مرجعية والده الامام محسن الحكيم والسيد الشهيد محمد باقر الصدر.ونود الاشارة العابرة الى قضية مهمة في هذا السياق قبل البدء في هذه المحاولة وهذه القضية تبدو مهمة في تبديد الخلط والتعميم الحاصل في وعي الكثير من الباحثين والمثقفين وهي باختصار شديد ما عناه الفلاسفة بمقولتهم " إثبات الشىء لا يستلزم نفي ما عداه" وتعني بكل تبسيط ان ما نريد اثباته لشخص لا يعني بالضرورة نفيه عن اخر على نحو المقارنة فقد ما نثبته لشخص هو مرتكز عند الشخص الاخر.وبمعنى اوضح واصرح ان ما نريد اثباته لشهيد المحراب من قدر اجتهادية في استنباط المسائل والقضايا السياسية لا يعني بالضرورة نفيه عن الفقهاء الاخرين رغم انفراد وتميز شهيد المحراب بهذا الجانب الذي توفرت كل عوامله واركانه عند شهيد المحراب.والامر الاخر الذي حاولنا الاشارة اليه هنا هو ان مناقشة وقراءة الفكر السياسي والفقه السياسي لشهيد المحراب وقدرته الفائقة في ايجاد الرؤية الصائبة في تحديد الموقف السياسي لا تعني بالضرورة تخطئة الاخرين ممن سبقوهم من علماء وفقهاء ومراجع بل ان ما تحقق لشهيد المحراب من مساحات وفضاءات للاجتهاد السياسي والمامه بالزمان والمكان والاحداث السياسية وفك تشابكاتها وتعقيداتها وذكائه في ايجاد الثغرات والطعون في الادلة التي لا تنهض بعملية الاستنباط ، هذه كلها عوامل ساعدت شهيد المحراب على التميز.هناك عوامل ومقومات تساعد الفقيه في الاستنباط في المجال السياسي وهي بحد ذاتها تشكل صعوبة بالغة للفقيه في هذه الاستنباط وتعقيداته ومتغيراته بخلاف استنباط الاحكام العبادية التي توفر للفقيه جهداً ومجالاً لتحديد الوظيفة العملية والشرعية للمكلفين.ان الفقيه لا يجد كلفة زائدة او عنائة فائقة اثناء الخوض في استنباط المسائل العبادية لاسباب عديدة ربما اهمها هو توفرها للفقهاء في بحوث وكتب الفقه للسابقين والمتأخرين من العلماء وهي مسائل تبدو جاهزة للفقيه الا في بعض الاحكام المختلفة التي تحتاج الى جهد اضافي من الفقيه.كما ان هذه الاحكام العبادية هي من المسائل الثابتة التي لا يعتريها التغيير والتبديل وتكاد تشكل ثابتاً للفقيه وربما لا يحتاج الفقيه الى اعتماد فتاوى واحكام من سبقوه من العلماء وهي بخلاف القضايا ذات المنحى السياسي التي تكون عرضة للتغيير والتبدل باستمرار كما انها ليست قضايا جاهزة ومتيسرة للفقيه حتى يستطيع استنباطها بسهولة بل تحتاج الى اعمال جهد فائق من قبل الفقية والمامه بالاحداث السياسية المحيطة وقدرته على تشخيص الاهم من المهم وتقدير الاقل مفسدة من الاكثر.ومن هنا فان شهيد المحراب كان من القلائل من الفقهاء الذين نجحوا في هذا المجال واستطاعوا ايجاد الوظيفة الشرعية والعملية للمسائل السياسية واستنباطها من قواعدها المتيسرة من القواعد العامة التي يحتاج اليها الفقيه في عملية الاستنباط ولعل اهمها:1- القواعد النظمية التي يشير اليها الفقهاء بمصطلح حفظ النظام العام وهو ما يكون عاملاً مهماً في تزويد الفقيه برؤية حول الاستنباط فلعل الكثير من المسائل الحياتية التي تهم الانسان والمجتمع والامور السياسية التي تحتاج الى موقف شرعي ليس متاحة للفقيه في كتب الفقه او مصادر التشريع كالقران الكريم والسنة المطهرة والاجماع المؤدي الى التواتر فيلجأ الى قاعدة حفظ النظام العام كموضوعة الانتخابات واهميتها الى اختيار حكام وممثلين لادارة البلاد والتعبير الاجمالي لارادة الشعب او مسألة وجوب الامن لحفظ ممتلكات الناس وعدم ادخال البلاد الى الفوضى والانفلات فيحكم الفقيه بوجوب الامن بالوجوب الكفائي لاعتقاده ان تفويت هذا الفرض يوجب ادخال البلاد والعباد في فوضى عارمة.ومن هنا فان شهيد المحراب كان يشير الى اهمية الانتخابات والاهتمام باراء الشعب منطلقاً من رؤيته الفقهية لاهمية الدور الكبير للفرد العراقي في زمن انقطاع العصمة والوحي والغيبة، فليست ثمة الية ممكنة لادارة اوضاع الناس وتداول السلطة وقيادة الشعب سوى الانتخابات وهي وان لم تحقق الاصلح دائماً لكنها الالية الوحيدة الممكنة لتحقيق ولو القدر الادنى من حاكمية الشعب تحقيق ارادته وسلطاته.2- منطقة الفراغ وهي المساحة الشرعية التي تركت للفقيه لكي يخوض فيها ويعطي الموقف من خلالها 3- مبدأ التزاحم او فقه الاولويات كما يحلو لبعض فقهاء السنة تسميته وهو باختصار شديد تقديم الاهم على المهم وتقدير المصالح من المفاسد وتعيين الاقل مفسدة من الاكثر فليس هناك حرمة مطلقة بحسب نظرية الاضطرار اثناء الامتثال للحكم الشرعي فقد يتناول المكلف لحم الميتة في حال الاضطرار لسبب بسيط وهو ان مفسدة تناول لحم الميتة اقل من مفسدة اهلاك النفس في حال الاضطرار.ومن هنا فان شهيد المحراب لم يعرض عليه مشروع عمل سياسي او جهادي الا وعرضه على الشريعة وبحث كل زواياه ثم نظر الى احتمالات المخاطر المترتبة على ذلك المشروع فلم يترك ثغرة او ملاحظة الا وناقشها وسدها لكي لا يعطي مبرراً للاعتذار او الوقوع في المحرمات ، وقد اعترض شهيد المحراب في عهد المعارضة على استهداف كل ما يمكن ان يكون ثروة وطنية تنفع الشعب ولو مستقبلا لا حالاً كحرمة استهداف ابار النفط والمصافي ومصارف النظام وغيرها من المنشآت ذات تداخل المصالح بين النظام السابق والشعب العراقي.4- الالمام الاجمالي بالاحداث السياسي والقانون الدولي وقضايا العالم السياسية وهذا الالمام الاجمالي قد لا يكون عنصراً اساسياً وشرطاً رئيسياً للفقيه في عملية الاستنباط لكنه لابد منه في مجال الفقه السياسي، وهو ما ارتكز بوضوح في الفقه السياسي لشهيد المحراب ولعله كان الابرز في هذا المجال لاحاطته الاجمالية في الاحداث والنظم السياسية والقانون الدولي وتبعاته على العمل السياسي والجهادي. ومن المفيد الاشارة العابرة الى ما اثاره شهيد المحراب على احدى الفتاوى الجهادية في زمن المعارضة واعتراضه الشديد عليها لانها اجازت تسميم قدور واواني قوات النظام العراقي واجهزته الامنية فكان اعتراضه من جهتين الاولى اخلاقية الصراع ونزاهة الوسائل وحرمة هذا العمل في المواجهة مع العدو والجهة الثانية مخالفة هذا العمل للقانون الدولي واعتبار من يقوم به من مجرمي الحرب فمنع شهيد المحراب ايصال مثل هذه الفتاوى الى داخل العراق لخطورتها على سمعتنا وخرقها لاخلاقية الصراع وتقاطعها مع مبادئنا وثوابتنا وتنافيها مع القانون الدولي.5- توظيف عنصري الزمان والمكان في عملية الاستنباط وهو ما يتميز به الاجتهاد عند الشيعة فليس الاحكام قوالب جامدة لا يطالها التغيير او التبديل او التجديد فان تغير الزمان والمكان دور في عملية الاستنباط وادراك الفقيه لهذه المتغيرات دون ان تطال الثوابت والمحرمات الشرعية الثابتة في الشريعة. فقد برع شهيد المحراب في هذا المجال واستطاع ايجاد رؤية فقهية لطبيعة الصراع مع ابشع نظام بوليسي في المنطقة والعالم كما استطاع ان يقرأ بوضوح مسارات الانفتاح مع العالم والمحيط العربي والاقليمي لايجاد قنوات اتصال لطمأنة الاخرين من جهة ودعمهم للعراقيين من جهة ثانية او ضمانة عدم تدخلهم لصالح النظام من جهة ثالثة دون ان يقوده ذلك الى قبول اليات التغيير التي انفردت بها الولايات المتحدة الامريكية بحربها الاخيرة وهو اول من رفضها ووقف ضدها لاعتقاده ان الية الحرب المدمرة لم تكن الخيار الاخير والنهائي بل هناك الية افضل واقل خسارة وهي تفعيل قرارات المنظمة الدولية في منع النظام من استخدام ادوات القمع ضد الشعب وهو ما يسهل للعراقيين عملية التغيير وهو ما رفضته الولايات المتحدة الامريكية لانه ربما يتيح للعراقيين الاستقلالية الكاملة والسيادة التامة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك