د.طالب الصراف
الذي بؤسف له, ان الكثير اليوم من اصحاب الاقلام ووسائل الاعلام تتأرجح مواقفهم في الوقوف والاستقرار ما بين الباطل والحق, وحين نقول "الحق" نلاحظ فيه المصالح العامة التي يمكن اجمالها في حفظ الدين والعرض والمال والنفس والعقل, وفي تطبيق مبدأ الحق بين الناس يعني اعطاء كل ذي حق حقه بشكل عادل , وان تحقيق العدالة يتحقق باحترام القوانين والانظمة التي تخدم الانسان وقد اصبح هذا المنهج متعارف عليه في جميع انحاء المعمورة, والحقيقة ان معرفة الحق عند الاعلاميين وطلاب الحكم ليس من الصعوبة بمكان. وان المنصفين منهم اعتمدوا في تحديد مواقفهم مع الحق بالالتزام والاعتماد على منهج في غاية البلاغة واصدق مصداق الا وهو قول امام المتقين علي بن ابي طالب (ع):"لاتعرف الحق بالرجال اعرف الحق تعرف اهله", فحين ترى مسؤولا يقف موقفا صلبا امام الرشوة والفساد فهو رجل حق, وحين ترى وزيرا يستقيل منذ الايام الاولى لتسلم مهمته لانه يرى انه لايستطيع انجاز ما وعد فيه الشعب فهو رجل حق وحين ترى رجلا يرفض (المحاصصة) التي تطورت الى مصطلح جديد اسمه (المشاركة) فهو رجل حق. ولابد من القول هنا ان هذه المسميات او المصطلحات الاخيرة لاتساوي اكثر من اسماء ليس لنا سوى الفاظها واما معانيها فليست تحمد.والاكثر خطورة من هذا وذاك حين ترى احزابا وكتلا تدعي الاسلام بل وبعضها علمانية كما نراه في الخليط الغير متجانس في القائمة العراقية المنقادة باوامر الوهابية الجاهلية التي تملك المال كما كان ابو سفيان ومعاوية. والمؤسف اننا نرى ان هذا المال السعودي السحت قد افسد اغلب طبقات المجتمع العربي والاسلامي وخاصة الاعلاميين, بل حتى وصل الى اعلى النخب الاجتماعية والمؤسسات العلمية العالمية كالجامعات الامريكية الراقية والتي لها مكانة علمية مرموقة؛ مثل جامعة هارفرد وجورج واشنطن الامريكيتين حيث قبلتا بتبرعات الوليد بن طلال اذ استلمت كل واحدة منهما 20,000000 عشرين مليون دولارا لتصمت وتسكت عن الدفاع عن حقوق الانسان في السعودية كما ذكر الكاتب Peter Wehner في مجلة Commentary Magazine تحت عنوان ( ( Harvard's Double Standard....الصادرة في الشهر الماضي, ولا يخفى ان بذخ هذا المال هو من واردات النفط العربي الاسلامي وقد استخدم من قبل حاشية ال سعود للئآمر على الاسلام والمسلمين, وهذا يعني ايضا ان هذا المال قد تدخل في انحياز السياسة الامريكية الى اعداء الديمقراطية. وهؤلاء السعوديون الوهابيون الذين كانت المخابرات الامريكية تعتبرهم السبب الرئيسي في عملية11-9 التي دمرت فيها اهم المراكز التجارية الامريكية وذهب ضحيتها اكثر من ثلاثة الاف امريكي الا ان السعوديين الوهابيين اصبحوا اليوم اصدقاء مخلصين للادارة الامريكية واداة بيد المحافظين الصهاينة الجدد.
وفي مقالة للكاتب John Spritzler في (الديمقراطية العالمية الجديدة) يحلل فيها تأريخ العلاقات الامريكية السعودية الصهيونية منذ سنة 1953 قائلا ان اللعبة بين هذه الدول الثلاثة لاتزال هي هي منذ ذلك التأريخ اذ انها تعتمد على ابقاء العائلة السعودية في الحكم وبسط سيطرتها على مواطني الجزيرة العربية الذين يطلق عليهم (العمال) يعني الايدي العاملة مقارنة بالايدي المالكة للبترول وهي العائلة السعودية وشريكتها الوهابية. ففي سنة 1953 قام عمال شركة ارامكو للبترول البالغ عددهم 15000 عامل باضراب لم تستطع الشركة باعادتهم للعمل وعدم تحقيق مطالبهم, فقامت شرطة العائلة السعودية بوضع زعماء الاضراب بالسجون خدمة للشركات الامريكية. وقد كتبت في حينها جريدة التايمس اللندنية مقالة استغربت فيه دقة التنظيم للاضراب الذي لم يسبق له ان حدث في السعودية الوهابية امام مراكز الشرطة وقد رمى المتظاهرون السيارات في الحجارة وتخاصموا بالاشتباك في الايدي مع العمال والموظفين الاجانب مما جعل الامير سعود يهدد العمال بارسالهم الى القرى التي جاءوا منها اذا كرروا مثل هذا الاضراب مرة اخرى. وبدلا من ان تبحث الحكومة السعودية عن قوانين للعمل لحماية حقوق العمال المواطنين ذهبت في البحث عن طرق خادعة تبعد مواطن الجزيرة للمطالبة بحقوقه وجعله يفكر بأن العائلة السعودية حامية له من الصهيونية وجعلت هذا الشعار شغل المواطن ليكن بعيدا عن المطالبة بحقوقه من الشركات الاجنبية شريكة العائلية السعودية. ولا يزال هذا الشعار يعمل فيه حتى بوجود ملك السعودية الحالي الذي القى كلمة في جدة على الاكاديمين متهما الصهيونية في قتل الامريكين. واصبح هذا الشعار متفقا على استعماله ومرخصا للعائلة السعودية به من قبل الصهيونية والامريكان من اجل الحفاظ على النظام السعودي المتهرء, وقد تستخدمه الحكومة السعودية ضد المعارضة احيانا لتبريرما تفتك بمنتسبيها. ويبدو ان الاستخدام لهذه الشعارات الفارغة في محاربة الصهيونية التي تنصح المخابرات الصهيونية الامريكية بها المخابرات السعودية في استخدامها لغرض تحويل افكار الناس من المطالبة بحقوقهم وحاجاتهم الاساسية الى التفكير بالرعب الصهيوني. وفي الوقت الذي تحتوي فيه مدينة جدة التي يزداد عدد نفوسها على ثلاثة ملاين نسمة ويوجد فيها اكثر من 300 بلاط لامراء العائلة السعودية لانجد في هذه المدينة شبكة للمجاري لتصريف المياه القذرة ومياه الامطار التي تحدثت عنها وسائل الاعلام.
ولقد استعمل النظام السعودي مصطلح "الصهيونية" لتبرير السرف والانفاق والتبذير لاموال المواطنين وذلك بشراء الاسلحة والطائرات الامريكية والصهيونية لدعم الاقتصاد الامريكي والصهيوني لان اغلب الشركات في امريكا هي تحت هيمنة الصهاينة. ومن بين الصفقات التي قامت بشرائها العائلة السعودية من الشركات الصهيونية الامريكية هي صفقة معدات حربية سنة 2005 تقدر قيمتها 1.1$ بليون ومائة مليون دولار امريكي. وعودة الى ما قالته اغلب الصحف العالمية حول التعاون الصهيوني السعودي الامريكي في شراء الطائرات الامريكية (أف 15 ) والتي قاعدتها في تبوك في زاوية من السعودية قريبة جدا من اسرائيل, يرى المختصون في الشؤون الحربية انه بامكان هذا الطائرات وصول الحدود الصهيونية الجنوبية خلال ست دقائق, ولكن الحكومة السعودية اختارت هذا المكان لكي تعطي مبررا للصهاينة بمراقبة الاراضي السعودية خدمة لامن العائلة المالكة السعودية وتقديم التقارير للمخابرات السعودية عن الاوضاع الداخلية لتحركات شعب الجزيرة ضد الحكم العائلي السعودي مما يبرر للمخابرات السعودية ان تناشد المخابرات الاسرائيلية لكي تتدخل بمراقبة مايجري في اراضي الجزيرة العربية, ومن ثمّ تقدم المخابرات الاسرائلية -الامريكية التقارير للحكومة السعودية الوهابية عن الاوضاع والفئات المعارضة لحكم العائلة الفاسدة المفسدة, وذلك بعد ان فسح المجال للمخابرات الصهيونية وبتحريات كاملة في معرفة ما يدور داخل بلاد الحرمين الشريفين حتى في اوقات الحج المقدس عند المسلمين, وهذا التعاون المخابراتي للحكومات الثلاثة المذكورة هو الذي اضعف الحركة التحررية الديمقراطية في الجزيرة العربية التي لابد من انتصارها في اخر المطاف:"يا ايها الذين امنوا ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم".ان هذا الحلف الثلاثي الصهيوني السعودي الامريكي يلعب دورا خطيرا في ارتداد ومواجهة الحركات الديمقراطية والتحررية في منطقة الشرق الاوسط, فما يحدث في بلاد الحرمين يحدث شبيها له في العراق في التآمرعلى الديمقراطية, وما ازمة الانتخابات المفتعلة التي صنعتها المخابرات الامريكية الصهيونية التي اعطت الضوء الاخضرللسعودية بصرف المليرات من الدولارات لافشال الامال الديمقراطية في العراق التي توقعتها الجماهير العراقية بعد سقوط الدكتاتورية في العراق سنة 2003. الا ان هذا الحلف الاستخباري الثلاثي بدأ يخطط منذ خمس سنوات أي بعد هزيمة الخط السعودي الوهابي بعد الانتخابات العراقية الاولى سنة 2005 حيث فازت الاكثرية الساحقة أي (الاغلبية المطلقة), وهذا المصطلح الذي يعني شيعة العراق استخدمته ايضا وكالة الانباء رويتر بعد تلك الانتخابات, تقصد به الشيعة, ومنذ تلك الانتخابات أي قبل خمس سنوات والمؤامرات السعودية الوهابية تتعاون مع المخابرات الصهيونية الامريكية لتمزيق وتفكيك وحدة الاغلبية بكل الطرق الخسيسة اذ ظهرت نتائجها بعد الانتخابات الاخيرة والتي لايزال يعاني منها الشعب العراقي نتيجة لتدخلات الحلف الصهيوني السعودي, حيث عجزت الاحزاب العراقية التي افرغ محتواها واستهلكت اهدافها وعجزت من تشكيل حكومة الاغلبية الديمقراطية المتعارف عليها في طول وعرض العالم. نعم ان الازمة السياسية في العراق هي ثمرة عفنة من ثمرات التآمر السعودي الوهابي على ملامح الديمقراطية في العراق فما مليارات الدولارات السعودية التي صرفت على تزييف الانتخابات العراقية الاخيرة والايغال في حرب سايكولوجية تقودها المخابرات الامريكية الصهيونية الا لغرض انهاك الشعب العراقي الى درجة تصل فيها الجماهير العراقية الى اليأس وعدم الاكتراث والاهتمام بجلب وفرض انصار السعودية الوهابية لحكم العراق بزعامة القائمة العراقية التي تعتبر الشجرة الملعونة التي غرست المبرزين من اعضائها مخابرات الاحتلال والسعودية الوهابية الصهيونية لقيادة العراق الى مصير مجهول,ولكن الشعب العراقي باغلبيته المطلقة يدرك جيدا ان مرجعيته في النجف الاشرف ستقف بوجه هذه المخططات حين تشعر بما يهدد ثوابتنا الاسلامية من مؤامرات ومخاطر, وان قيادة القائمة العراقية تعرف ذلك جيدا وهم يشاهدون ويشهدون على ما تفعله السعودية من تآمر على العراق ولكن الله بالمرصاد:"تبغونها عوجا وانتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون." صدق الله العظيم.
وقد اعتقدت الجاسوسية الامريكية والصهيونية وطفلتهما المدللة السعودية الوهابية ان هذا التحالف البغيض خاف عن انظار الشعب العراقي ومثقفي العالم, فهذا المفكر العالمي نومي جومسكي يكتب تحت عنوان (امريكا تقول انها تحارب في سبيل الديمقراطية ولكنها صماء من سماع صراخ واستغاثة العراقيين). والحقيقة ان امريكا ليست صماء فقط وانما هي عمياء عن مشاهدة تظاهرات ابناء العراق التي هي ليست احتجاج على الكهرباء فقط والذي السبب الرئيسي في عرقلته هي المخابرات الامريكية الصهيونية السعودية وانما هي احتجاج على مخططي وواضعي الستراتيجية في العراق والتي هي الحكومة الامريكية ومن يسير في ركابها دون ادنى شك او اشكال, وتخلص هذا المقالة التي نشرتها واحدة من اهم الصحف البريطانية -جريدة الاستقلال- الى القول بان الولايات المتحدة تدعم النظام السعودي الذي يعتبر من اشد الحكومات قسوة وظلما على مواطنيه الشيعة الذين يعيشون في المناطق الغزيرة بالنفط ولكنهم لايتمتعون بشيئ من ثرواتهم النفطية. وامريكا ترى ان اعطاء العراق استقلاله يعني ارخاء زمام الامور لهيمنة الشيعة على مصادر النفط ثم الاستقلال عن امريكا التي تعتبر هذا نوعا من الضعف لسطوتها وهيمنتها على العالم التي اكتسبتهما منذ الحرب العالمية الثانية.
ونحن لو اردنا ان نناقش الوضع الامريكي في العراق لرأينا ان التصريحات الامريكية تشدد على مغادرة الجيش الامريكي العراق خلال الاشهر القريبة القادمة, ولكن هل هذا له نسبة من الصحة والامريكان يشيدون في بغداد اكبر سفارة في العالم ويصرفون المليارات من الدولارات على قواعدهم العسكرية في سبيل تثبيت الوجود الامريكي, وهم يعملون باجندات غير صريحة من اجل اهداف لاعلاقة لها باهدافهم المعلنة التي تدعولنشرالديمقراطية في المنطقة, التي اصبحت شعارا مستهلكا, فالناس تريد من الديمقراطية اقتصادا لافسادا وفقرا, ومن الديقراطية امناً لافوضى وقتلا, ومن الديمقراطية انتخاباتها الحرة لاتزييفا وتدخلا سعوديا وصهيونيا, تريد من الديمقراطية عدالة لا استغلالا في تفضيل اقرباء المسؤولين ومن معهم في الاحزاب على الناس, تريد من الديمقراطية مياه صالحة للشرب وكهرباء يفرج عنهم الظلام الدامس ويقيهم الحر المهلك ويساعدهم وابناءهم في مواكبة التطور العلمي وازدهار الصناعة وملاحقة التقدم العالمي الذي اصبح الكهرباء فيها عاملا من اهم العوامل في نمو العلوم في الجامعات والمؤسسات المعرفية الاخرى, لذا من حق ابناء البصرة والعمارة والرمادي ان يحتجوا بمظاهرات سلمية دون ان يقابلوا بالرصاص والقتل, اذ دعا هذا التصرف اللامسؤول والغير ديمقراطي الكثير من الناس بالمقارنة بين ما كان قبل 2003 وما يجري اليوم, وذلك نتيجة للمخطط السعودي الصهيوني من اجل الفوضى الخلاقة في العراق, التي ترمي فيها السعودية الوهابية افشال الديمقراطية في العراق التي تعني حكم الاكثرية التي يعارضها حلف الشر المخابراتي بمكونه الثلاثي الامريكي السعودي الصهيوني والذي سوف لن ينال من العراق في المنظور البعيد ان لم يكن القريب الا الهزيمة والاندحار. واملنا بالله القهار ان نرى انهيار مملكة ال سعود مملكة الشر والتآمر التي مارست الظلم والاضطهاد على ابناء الحرمين ورضت بالذل والخضوع لابناء صهيون :" انهم يرونه بعيدا.ونراه قريبا." صدق الله العلي العظيم.
د.طالب الصراف
لندن 23-06-2010
https://telegram.me/buratha