علي محمد البهادلي
لا أريد أن أدخل في تنظيرات مملة لا تغني الواقع شيئاً ولا أريد في الوقت نفسه أن ألج باب المهاترات والتشهير برجال الدولة العراقية ، لكن أريد أن أضع عدة أسئلة منطقية ملحة ينبغي الإجابة عنها ، هذه الأسئلة ستكشف الحال الأقرب للواقع منه إلى الانفعالية والتـأثر بالعاطفة والاندفاع .
بعد سقوط الدكتاتورية تعاقب على وزارة الكهرباء عدة وزراء هم كل من أيهم السامرائي وثامر الغضبان وكريم وحيد ، وهؤلاء الوزراء كلهم وعدوا الشعب العراقي بتحسن المنظومة الكهربائية وإعطاء مواعيد كمواعيد عرقوب ، فليس هناك من صدق بوعوده والتزم بالمواعيد ، ولنسأل :
ما المعوقات التي توضع حجرة عثرة في طريق تحسن المنظومة الكهربائية ؟ هل الوضع الأمني يشكل العامل الأول والأخير في تأخير إعمار المنظومة الكهربائية ؟ هل هناك نقص في ميزانية وزارة الكهرباء ؟ هل يتصف كوادر الوزارة بالنزاهة والشفافية ؟
هناك الكثير من المعوقات تقف حائلاً دون التقدم في هذا الميدان منها التركة الثقيلة التي خلفها النظام الفاشي السابق ، فقد ورثت وزارة الكهرباء منظومة متهالكة قديمة قد أثر فيها الحصار الاقتصادي والحروب المتتالة لنظام صدام لا سيما حرب الخليج الثانية التي عُرِّضَت فيها محطات الكهرباء الرئيسة إلى ضربات جوية عنيفة من قبل القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها ، لكن الغريب أن صداماً قد تغلب على هذه المشكلة بعد عدة أشهر من حدوثها أي الضربات العسكرية ، لكن وزارة الكهرباء ما زالت تردد الحجج نفسها التي كانت تسوقها قبل سبعة أعوام أي بعد دخول القوات الأمريكية بغداد ، وهذا ما يؤشر إلى وجود نفس تبريري في هذه الوزارة للإخفاقات التي أصيبت بها ، فماذا عملت الوزارة خلال هذه الأعوام السبعة ، هل يعقل أن تركة صدام سوف لن تمحى إلى أبد الآبدين ، بحيث إننا لن نتمكن من تطوير الطاقة الكهربائية إلى المستوى الذي تتمتع به دول الجوار ، بعد أن كنا أحدى البلدان المصدرة لجزء من طاقتها الكهربائية ، أما العائق الثاني فهو الملف الأمني المتدهور ،فكل وزير اعتلى هذه الوزارة حجته ان خطوط الطاقة الكهربائية يتعرض الإرهابيون لها بالتخريب والتفخيخ ، وأنه كلما سعت الوزارة بإمكاناتها إلى تطوير الطاقة كلما حاول الإرهابيون زعزعة تحسن الطاقة الكهربائية ، ولكن الوضع الحمد لله قد تغير ، فالحكومة التي ينتمي إليها الوزير الحالي تتبجح منذ سنتين تقريباً بالتحسن الملحوظ للوضع الأمني وأنه أحد أهم إنجازات هذه الحكومة ، فإذا كانت الحكومة تصر على تحسن الوضع الأمني وأن لا وجود للتدهور الأمني وأن ما يحصل ما هو خروقات هنا وهناك ، فلماذا لا يصاحب هذا التحسن في الملف الأمني تحسناً في ملف الطاقة الكهربائة !!! أم تحتاج الوزارة لعقد أو عقدين من الزمن حتى يستطيع المواطن تلمس هذا التحسن .
أما ما يخص ميزانية وزارة الكهرباء فهي ميزانية كافية جداً لتطوير المنظومة الكهربائية ، وتكاد تفوق ميزانية دولة من دول الجوار !! فلماذا هذا التقصير وهذا الإهمال ، فهناك من الدول لا تمتلك أدنى ما تمتلكه الوزارة وهي قادرة على إدارة بلد كامل ، فهل هذا مبالغة أم الواقع هو ما يشير إلى ذلك ، فما عليك إلا الدخول على موقع رئاسة وزراء أو رئاسة جمهورية لأحد تلك الدول وترى الواقع والحقيقة المرة التي ربما يتفاجأ البعض بها لكن العجائب والغرائب في العراق الجديد لا حد لها ولا نهاية !
أما السؤال الأخير الذي يراد الإجابة عنه هو مدى نزاهة وشفافية القيادات والكوادر في هذه الوزارة ، فمن المؤسف أن أقول أن هنالك بحثاً قدمه موظف في وزارة الكهرباء في إحدى المؤتمرات التي نظمتها هيئة النزاهة أشار فيه إلى وجود إحصائية واستبيان كشفا عن تفشي الفساد الإداري والمالي في هذه الوزارة ولا يوجد أحد من المستطلعة آراؤهم برَّأ ساحة موظفي هذه الوزارة من الفساد ، لكنهم في الوقت نفسه شخصوا مكامن الخلل ومواقع الفساد ، فقد جاءت دائرة نقل وتوزيع الكهرباء بالمرتبة الأولى في الفساد حسب آراء المستطلعين ، وجاءت بالمرتبة الثانية دائرة صيانة الكهرباء ، أما دائرة العقود والمشاريع فقد حلت ثالثاً .
لم نقصد في هذا المقال الطعن بأحد أو التشهير بجهة معينة إذ وعدنا في بدء المقال بذلك ، بيد أننا وضعنا النقاط على الحروف وبموضوعية ، فهل يعلم معالي الوزير بهذه الكوارث التي تحدث في وزارته ؟ وهل يعلم مدى تأثر المواطن العراقي جراء الإهمال والفساد الموجودين في وزارته ؟ ألا يعلم أن وزارة الكهرباء سواء علمت أم لم تعلم هي الآن في طور الخصخصة بشكل وبآخر ؟ ألا يعلم الوزير المحترم أن بعض المحطات يتفق مديرها مع أصحاب المولدات الأهلية للتنسيق في عملية الإطفاء والتشغيل ؛ لسلب قوت المواطن الذي لا يدري أين يصرف راتبه الشهري إن كان لديه راتب ، أعلى أجور الديزلات أم على الكاز والبانزين إن كان لديه مولد في البيت ؟
في خاتمة المطاف أقول : كفى استهتاراً بمشاعر الشعب العراقي ، وكفي إيذاءً لهذا الشعب المسكين ، وقد بلغ السيل الزبى ، فإن لم تسع الحكومة المقبلة بجد في حل هذه المشكلة فالانتفاضة الجماهيرية ستقذف بهم في مزابل التأريخ وسيرون الشعب العراقي صاحب الثورات والأعمال البطولية في ثورة العشرين والانتفاضة الرجبية والانتفاضة الشعبانية ماذا سيفعل ، وإن شاء الله سيبقى هذا الشعب ثائراً ، لكن نخشى كل الخشية أن الآلهة البشرية ستقف بوجه هكذا انتفاضات بحجة المصلحة العامة و درء الفوضى والخشية من عودة الفاشين !!
https://telegram.me/buratha