اكرم المبرقع
ليست المشكلة الحقيقية للنظم السياسية في وجود دستور او عدمه او غياب المضامين الدستورية والضمانات الالزامية لتطبيق الدستور فقد تمتلك بعض البلدان دستوراً مدوناً ويحمل مضامين راقية في تداول السلطة وفصل السلطات والممارسة الديمقراطية ولكنه يفتقد الى التطبيق الصحيح والضمانات الاكيدة في احترام بنوده خاصة عندما تتحايل الحكومات على مداليل الدستور او القفز والعبث على مضامينه وتوجيه مساراته بالاتجاه الذي يخدم الحاكم وحده.بينما هناك دول لا تمتلك دستوراً مدوناً او تمتلك ولكنها تحترم الدستور العراقي غير المدون الذي يمثل قدسية خاصة لا يمكن الاعتداء عليها او تجاوزها كما هو الدستور البريطاني وبقية الدساتير في اوربا.فاذن المشكلة الحقيقة ليست في وجود الدساتير والقوانين والشعارات وانما المشكلة الحقيقية والواقعية في التطبيق السليم والضمانات الاكيدة في تطبيق الدساتير بالطريقة الموضوعية والمنهجية بعيداً عن الانتقائية والازدواجية.فلو استعرضنا افكار ونظريات اغلب التيارات السياسية فلسوف تمحنا رؤية متبصرة على قوة الشعار وضعف الشعور وقوة النظرية وهشاشة التطبيق فهذه نظريات حزب البعث التي اثارها ميشيل عفلق هي نظريات تحمل في الفاظها وتبادراتها في الغالب تصورات تبدو حضارية ومتحضرة ولكنها تحولت في مخاضات التطبيق ونشوة السلطة الى تطبيقات بربرية وحشية تمثل منتهى البشاعة والاجرام.ان القفز على مداليل ومضامين الدستور والعبث بالقوانين وتطبيقاتها من اجهزة الحكم تسيىء اساساً الى حرمة وقدسية الدساتير والافكار الراقية فتصبح التطبيقات لعنة ابدية على تلك الافكار ومنظريها فقد أنشأت الدول والحكومات لاسعاد الشعوب وادارة شؤونها ولكنها سرعان ما تحولت بمرور الزمن الى اداة لقمع الشعوب وتوظيفهم لخدمة الحاكم الذي هو وحده يمتلك حق الحياة والرفاهية والازدهار وبقية الشعب عبارة عن خدم وعبيد لخدمة هؤلاء الاسياد.وحتى الجيوش اساساً أنشأت من اجل الدفاع عن الاوطان والشعوب من الاعتداءات الخارجية ولكنها تحولت بمرور الزمن الى اداة لقمع الشعب واضطهاده حتى استغاثت بعض الشعوب بجيوش الخارج لانقاذها من قمع ووحشية جيشها (الوطني).هذه المفارقات والثنائيات بين النظرية والتطبيق والشعار والشعور والاقوال والافعال تضع السياسيين امام اختبار عسير في المصداقية والالتزام الاخلاقي والسياسي بالثوابت والمبادىء الوطنية التي الزم الحاكم بها نفسه.وهناك الكثير من النمط السياسية الديمقراطية قد تحولت بمرور الزمن وبضغط الانفراد بالسلطة الى اشباح ديكتاتورية نتنة اساءت لمعاني الديمقراطية اساءة بالغة ووضعت المفهوم الديمقراطي على المحك وربما تحولت هذه الالفاظ الى مزعجات في اذهان وذاكرة الشعوب.ليس هناك منطقة وسطى بين الديمقراطية والديكتاتورية وليس هناك تزاوج وتوفيق بينهما فاما ان تكون ديكتاتوري او ديمقراطي واما ان تكون نصف ديمقراطية ونصف ديكتاتورية فهذا ما لا يستطيع الاخرون جمعه وهو كالجمع بين المتضادين اللذين لا يجتمعان مطلقاً ولكنهما قد يرتفعان منطقياً فقد لا يكون بالضرورة اما اسود او ابيض فقيد يكون لون اخر ولكن ان يجتمعا فهذا من المستحيلات وليس المستبعدات.ثمة سياسيون طارئون على التجربة الديمقراطية ارادوا التوفيق بين الديكتاتورية والديمقراطية وربما جاءوا بثوب ديمقراطية من اجل تحقيق اجندة ديكتاتورية وهو ما قرب المقارنة القسرية بين النظام البائد وبين هؤلاء الادعياء.
https://telegram.me/buratha