حافظ آل بشارة
انقذوا الحكومة من التسييس / حافظ آل بشارة hafizbshara@yahoo.com
البشرية آخذة في التطور يوما بعد آخر ، ومثلما صنعوا الطائرة والحاسوب والاقمار الصناعية والقلب البلاستيكي ، فهم ايضا في الجانب الانساني يقدمون الانجازات التي تساعد على تحقيق السعادة للبشرية ، الولايات المتحدة رائدة الديمقراطية ادخلتنا اليها من أضيق الابواب ، ابتكرت لنفسها في عهد الرئيس الحالي اوباما قضية جديدة ، تشبه قضية فصل الدين عن السياسة ، والعنوان الجديد المثير هو (فصل الحكومة عن السياسة)! و عندنا كثير من الكتاب كانوا يرددون امنية عدم تسييس الحكومة ، ولكن هذه المرة جاءت المبادرة من اقوى دولة في العالم ، فالامريكيون ضمن تطورهم في فن الحكم يطرحون هذه التدابير المدروسة ويقدمون بحوثا خاصة لطرد النشاط والحس الحزبي من دوائر الدولة وتركه ليجري خارج الزمان والمكان الخاص بالخدمة العامة ، وبذلك تبدا عملية الغاء تسييس الدولة والحكومة وتحويلهما الى رمزين يعبران عن الامة وقضاياها اليومية العملية وثوابتها وحقوقها ورفاهها ، والفكرة ذات تفاصيل كثيرة . لماذا لايقوم السياسيون عندنا بتجريب هذا الاختراع في العراق ؟ وقد عرف بتطبيق الديمقراطية والنجاح النسبي فيها ، الهدف من مشروع منع تسييس الحكومة والدولة هو ابعاد مصالح الناس وحياتهم وحقوقهم في منطقة آمنة بعيدا عن المعارك السياسية الدائرة بين الاطراف المتنازعة على السلطة ، وقبل البدء بالمشروع يجب توفير حاضنة نظرية فكرية تشرح هذا التحول المهم وتبرره وتضعه في موقعه المناسب وتسجله كنظرية متكاملة ذات رؤية واضحة وقابلة للتطبيق ، ثم تصاغ لها القواعد التنفيذية والاجراءات حسب جدول زمني ، ووضع النظرية يجب ان يبدأ باعادة تعريف السياسة بالخروج عن النمط السابق الذي يعرف السياسة بأنها : ادارة وقيادة المجتمع بالشكل الذي يحقق مصالحه المادية والمعنوية ، هذا التعريف يمكن استعارته لكي ينطبق على الحكومة فقط وليس السياسة وعدم اشراكهما بتعريف واحد ، اما السياسة فيمكن افراد تعريف خاص بها والتعريف موجود والحد لله ولكن يعتبرونه تعريفا ثانويا والافضل ان نجعله اساسيا ، فيقال : السياسة : هي فن الوصول الى السلطة والاحتفاظ بها . ليس هناك مشكلة اهلا وسهلا مادامت السياسة فنا فليكن الجميع فنانين ، هذا الفن ليس ملكا لاحد ، ولكن التعريف ينصرف الى نتيجة نظرية واضحة مفادها أن السياسة تعتمد تنمية النفوذ ودخول تنافس أو صراع او تعاون مع الاخرين لتوسيع النفوذ وترسيخه ، وبعد التعريف مباشرة توضع النظرية ولكن اهم المراحل التطبيقية ان تكون الحكومة جهازا خدميا كبيرا ، اذ تقدم الخدمات بنفسها او تحتضن قطاعا خاصا يقوم بذلك او يكون العمل مختلطا ، وجميع العاملين فيها موظفون من رئيس الوزراء الى اصغر عامل ، وحال دخولهم الى دوائر الحكومة يتركون انتماءهم الحزبي وراء ظهورهم ، فاذا انتهى وقت العمل الرسمي فهم احرار ، في بعض الدول توصف الاحزاب بأنها الحكومة المسائية ، فالموظفون الحزبيون يذهبون الى مقرات احزابهم السياسية والثقافية والاعلامية عصرا او ليلا ليمارسوا عملهم الحزبي . ولو تم تحليل الجهد اليومي في المقرات الحزبية لاتضح انه نشاط محموم وساخن واكثر حيوية من نشاك الحكومة الصباحي ، فالاحزاب تمارس عملها الاجتماعي والتنظيمي والقيادي والثقافي والاعلامي مساء وبعض البلدان تصدر فيها صحف مسائية وهي غالبا ناطقة باسماء الاحزاب ، الساحة المسائية تصلح للنقاشات السياسية الحزبية والمفاوضات وحتى المعارك الكلامية والتراشق والتسابق من اجل احتلال مساحة اوسع في الرأي العام واقناع الناس واستقطابهم ، في الساحة المسائية الجميع احرار فليفعلوا مايريدون المهم ان المعركة تدور خارج اطار الحكومة والدولة . نتمنى ان يلتفت المفكرون والمثقفون والاعلاميون ورجال القانون الى هذا المقترح المستورد عله ينفع في أيجاد حل لمعضلة هذه البلاد التي اصبح كل شيء فيها خاضعا للتسييس أي التحزيب .
https://telegram.me/buratha