احمد نعيم الطائي
ان المسلسل غير المترابط الذي تعمل عليه غرفة خلق الازمات الاميركية لاسيما بشأن تغيير قواعد العملية الديمقراطية الاخيرة في العراق جاء نتيجة افتقار الولايات المتحدة لخطط مدروسة وواعية ، لذلك اعتمدت على سيناريو متغيير وفق متطلبات المرحلة لأدراكها مسبقاً بفشل ادارتها في البنتاغون والخارجية بتسيير الاوضاع وفق ما تتطلبه المصالح الاميركية في العراق بالتحديد.
إن حرص الادارة الاميركية على زج الرموز الشيعية في ادارة العراق ، جعل من انتخابات عام 2005 نموذجاً لايشوبه التزوير اوالتزييف ، ولم تتدخل في ادارة عمل المفوضية بشكل يمكن ان تغيير من النتائج شيئ يذكر ، بالوقت الذي حرصت على تشجيع المكون السياسي الشيعي من المشاركة الفاعلة في العملية السياسية ، لانها تعتقد ان استهلاك الرموز الشيعية في مرحلة صعبة ومعقدة للغاية يمكنها ان تضعف هذه الرموز وبالتالي تكون قد فقدت شعبيتها ، مما يمهد لمرحلة قد تكون الساحة فيها مهيأة لخلق رموز جديدة تتحالف معها الولايات المتحدة من غير الشيعة لخلق توازنات تخدم مصالحها وترضي المحيط العربي والاقليمي الموالي لها.
التدخل الاميركي المباشر وغير المباشر في تغيير نتائج الانتخابات التي اجريت في السابع من اذار 2010، وحرصه على أبقاء مجلس المفوضية الحالي بعد ان واجه اعتراضات عديدة من اعضاء مجلس النواب السابق الذين اشاروا بالوثائق على ضعف ادارة المفوضية في ادارة أنتخابات مجالس المحافظات، الامر الذي يبرز زييف ادعاء اميركا على ارساء دعائم الديمقراطية في العراق.
هذا التدخل الاميركي في تغيير المعادلة الانتخابية فشل الى حد كبيرحين واجه ارادات شعبية وسياسية ومواد دستورية تجاوزها بقصد خبيث، ممهداً لفتح باب الصراعات خارج دائرة استحقاقات النتائج الحقيقية للانتخابات، في اسوء حالتها انها اسست لتيار سياسي يعتبر مطلب اقليمي تتطابق فيه المصالح الاميركية في الوقت الراهن وعلى المدى البعيد مع دول الجوار والاقليمي ؟ لاسيما في ظل اشتداد الصراع الايراني الاميركي وتصاعد مخاوف الانظمة العربية من النشاط النووي الايراني.
هذا التدخل ترك مؤشرات اضافية على التدخل الاميركي المباشرالواضح في تغيير طبيعة واتجاهات الحكم في العراق خارج الاستحقاقات الحقيقية لنتائج الانتخابات ، وذلك من خلال انحيازه ودعمه الاعلامي واللوجستي المتعدد الواضح للقائمة العراقية التي فشلت بشكل كبير قبل اشهر قليلة من الانتخابات العامة في انتخابات مجالس المحافظات ، فكيف لها ان تتصدر القوائم خلال هذه الفترة القليلة من عدم تحقيقها لنتائج محلية يمكنها ان ترتقي للنتائج المتقدمة التي حققتها في الانتخابات العامة الاخيرة ؟ وحتى التوسع في التحالفات الذي شهدت القائمة العراقية قبيل الانتخابات العامة من الواضح والطبيعي لن يغيير من حجم مشاركتها السابقة في الانتخابات المحلية ولم يمنحها ثقل جديد في نتائج الانتخابات العامة الاخيرة ، لانها توسعت ضمن نفس الطابع الطائفي والحزبي.
بعد تحقيق الاستقرار الأمني وبناء المؤسسات الحيوية المختلفة واعادة اعمار وبناء معظم البنى التحتية في فترة تولي أئتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي ، ادرك الاميركيون ان الوقت حان لاحداث التغييرات في شكل ومضمون الحكم في العراق وفق تصورات قاصرة الرؤيا كالتي تنظر من خلالها الحكومات العربية في سعيها المتطابق مع الاجندة الاميركية للحكم المفترض في العراق، والتي تسعى من خلاله تلك الرؤى الى تهميش دور المكون الشيعي في قيادة العراق لاعتبارات وتخوفات من التحالف مع ايران ومن اتساع المد الشيعي في المنطقة ! الذي ترى فيه الادارة الاميركية والانظمة العربية تهديدا لمصالحها ، وبهذا ترتكب اميركا خطأً استراتيجياً اخراً من خلال مصادرة ارادة الناخبين الذين يشكلون النسبة الاكبر في الطيف العراقي ، وأولى علامات هذا الخطأ والعبث المتعمد هو في محاولة مصادرة هذه الارادة الشعبية الذي ظهر جلياً في نتائج الانتخابات الاخيرة.
سبق وان حذر عدد من السياسيين والمراقبين العراقيين من تلك المحاولات التي بدأت بشكل واضح في الخطاب الرسمي ووسائل الاعلام الاميركي ، لاسيما تدخل طاقم السفارة الاميركية في الشأن السياسي والانتخابي قبيل الانتخابات وبعدها ودعمها الواضح للقائمة العراقية.
ان تحالف ائتلاف دولة القانون والأئتلاف العراقي وتوحيد صفوفهم لتشكيل الكتلة الاكبر في البرلمان تحت اسم (التحالف الوطني) سيسهم في افشال المشاريع الاميركية - الاقليمية الساعية في الوقت الراهن وفي المستقبل الى تهميش ومصادرة ارادة الناخب العراقي وتقويض الارادة الوطنية ، واعادة العراق للمنظومة العربية التي تؤمن باستبداد الطائفة الواحدة.
على القوى الوطنية العراقية ان تكون ذات رؤيا سياسة ثاقبة النظر في التعامل الحذق والحذر مع الدور الاميركي في العراق، لان المشروع الاميركي - الاقليمي يوجب بابعاد تلك القوى وكبح وتجاوز الارادة الوطنية بفرض شخصيات تجيد اللعب خارج متطلبات الساحة العراقية ووفق ما يتطلبه المشروع الاميركي الاقليمي.
https://telegram.me/buratha