محمود الربيعي - سياسي عراقي
يعتبر الشهيد السيد محمد باقر الحكيم رضوان الله تعالى عليه أحد كبار قادة عملية التغيير والإصلاح في العراق، ولقد كان تأثيره واضحاً في تحديد مستقبل البلاد لما له من مواقف واضحة من النظام المستبد ومن الاحتلال، ولأجل ذلك إتخذ الشهيد طريق المقاومة السلمية كخطوة أولى على الطريق لأجل السيادة والإستقلال ومن ثم العمل على نقل السلطة بطريق سلمي قانوني إلى يد العراقيين.
لقد إنطلق الشهيد المفكر والعالم من كونه سليل مرجعية كبيرة للمسلمين في العالم وللعراقيين كانت قد لعبت دوراً مهما في الحفاظ على الوحدة الوطنية وحفظ دماء العراقيين من أيدي وعبث إدارة النظام الدكتاتوري السابق ولاسيما دماء إخواننا الكرد.
ولقد تميزت شخصية الشهيد الحكيم بروح الفداء، والصلة بالجماهير وتعرض بسب مواقفه العلنية إلى جريمة نكراء إرتكبتها بحقه الزمرة الجبانة وحماتها الغادرين.
لقد كان الشهيد القائد صاحب فكر وقيادة وطنية أراد من خلالها تحقيق مشروعه الإصلاحي لإنقاذ البلاد من السياسات التعسفية الرعناء، وإنتشالها من الفساد المغطى بلحاف الدكتاتورية والذي ترك ورائه أجهزة أمنه ومخابراته للعبث بأرواح أبناء شعبنا البرئ والذي لازال يعاني من تلك التركة الثقيلة المتحالفة مع قوى الظلام أعداء الديمقراطية والحرية وذلك عن طريق الاندساس في أجهزة الدولة وبغطاء سياسي خطط له تجار السلطة المحليين وخبراء السياسة في الخارج.
ولأجل أن يحقق الشهيد السعيد مشروعه السياسي المنظم اختار أن يجمع النخب والكوادر الوطنية في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وأن يدعو للإصلاح والاتحاد مع بقية القوى الوطنية التي أقصاها النظام السابق والتي تمثل النخب المتقدمة آنذاك ليشاركها همها ونضالها معتمداً في ذلك على رغبة الجماهير الواسعة التي أيدت هذا المشروع في الداخل والخارج رغم ملاحقات السلطة القمعية لوجوه المعارضة الوطنية.
لقد دفع الشهيد ذو النفس الزكية ثمن هذا النضال وهذه التضحية فكان هو الشهيد القربان في عالم العطاء والشهادة وأستطاع أن يسجل بذلك أروع صور الشجاعة في مواجهة الخصم وليلتحق بقافلة الشهداء من أسرة آل الحكيم وبقية شهداء العراق من أبناء الأسر والعشائر العراقية في الشمال والوسط والجنوب حيث لم يسلم أحد من مخالب ذلك النظام الوحشي الذي تلطخت أياديه الآثمة وطالت حتى أقرب الناس إليه وشمل بجرائمه العراقيين جميعا.. ولكن وبفضل نضال الأحرار ذهب هذا النظام الى غير رجعة ولن يعود أبداً إنشاء الله.
لقد كانت رسالة الشهيد القربان إنموذجا في الشهادة الجماعية مع بقية رفاق الدرب الذين إستشهدوا معه ولقد أدركنا ذلك المشهد الذي إرتكبته العصابات الدنيئة المجرمة، وإذا كان هذا الدور الذي تمثل بهذه الشخصية إنموذجا للشهادة لكننا لاننسى دور البقية الصالحة من الشهداء الذين كانوا معه، أولئك الذين ضحوا وبذلوا الغالي والنفيس وقت الإنتفاضة الشعبانية التي مهدت لإسقاط النظام الدكتاتوري.. ف (المجرمون عند غدرهم والشعوب عند التنظيم)، ولازال خط الشهيد الرسالي مستمرا بعطائه للجماهير وسيظل ذلك المسار يعمل من أجل البناء والإعمار وإسترداد كامل السيادة.
كما أن شهيد المحراب يعتبر رمزاً مهماً للوحدة الوطنية والتصدي لقيادة المشروع الوطني المُطَّمْئِن لشعبنا الكريم، ولقد كان من أبرز إهتماماته تشكيل الكيان السياسي للمجلس الأعلى الذي جمع مختلف الشرائح التي عانت من الإضطهاد القومي والطائفي، وما مشروع منظمة بدر التي دافعت عن جميع العراقيين إلا نموذجاً وطنياً للعمل الجهادي لأجل الخلاص من الدكتاتورية والحكم الفردي الإستبدادي الذي عانى منه الجميع، وكان من إهتمامات شهيدنا البار أنه دعا إلى الاعتماد على أصحاب الكفاءات كما أكد على دور المرجعية في قيادة جماهير الأمة، وأهتم بتربية النخب القيادية و بتشكيل اللجان الشعبية الوطنية لحماية المواطنين في مناطقهم السكنية وبتقوية الجهاز الأمني، ودعا إلى القضاء على الفساد الإداري والإهتمام بالخدمات والى إقامة علاقات دولية متوازنة.
ولم يغفل الشهيد الحكيم الحسني قدس سره عن الإهتمام بمستقبل البلاد فكان يعلن بإستمرار عن ضرورة إستقلال العراق بعد سقوط النظام البائد ورفض قيمومة أية دولة على العراق الذي باشر عمليته الديمقراطية وأنتخب أول حكومة شرعية ذات إرادة مستقلة ودعا إلى الاعتصامات والتظاهرات السلمية وقت الحاجة لإفشال المخططات التآمرية التي يسعى من خلالها الأعداء لإمرار مشاريعهم العدوانية، كما دعا إلى التمسك بهوية الإسلام، وبناء دولة الدستور الوطنية، وإحترام رأي المرجعية وإحترام إرادة الشعب العراقي.
لقد تمكن الشهيد السعيد حقاً من القضاء على النظام الدكتاتوري وتغيير المعادلة الظالمة ودعا إلى إنتخابات حرة لإختيار النخبة التي لاتتساهل في موضوع الإستقلال وإحترام إرادة الشعب لذلك فقد طالب الشعب بإختيار نظامه وحاكِمه المناسب وتغييره إذا كان ضعيفا ولايؤمن بالقيم الوطنية العادلة، ولقد خط الشهيد الطريق الواضح للبناء والأعمار والحفاظ على ثروات العراق وذلك عن طريق الإستثمار وبناء المشاريع التنموية الكبيرة.
إن أفضل مادعا إليه المجلس الأعلى الإسلامي العراقي هو تشكيل حكومة الشراكة على أساس الكفاءة والوطنية واختيار الأكثر إيمانا وعطاءا من الذين يحترمون إرادة الشعب العراقي في كل أمر وفي كل تفاصيل شؤون العراق.
لقد كان هم شهيدنا الحبيب أن يكون الأمن بيد العراقيين من أجل الحفاظ على أرواح الأبرياء وحماية المدن والعتبات المقدسة ولا يكون ذلك إلا بالوحدة الوطنية بعد أن عبث النظام السابق بهذا الأمن وأرتكب أبشع الجرائم وأراد أن يُبْقِي المعادلة لصالحه لكنه فشل في تحقيق ذلك بعد أن عاش العراق تجربته الديمقراطية الفتية.
إن مستقبل عراقنا في وحدتنا وأمننا.. ونحن إذ نحتفل بالذكرى السابعة لإستشهاد آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم رضوان الله تعالى عليه فإننا نذكِّر بأن إستشهاده قدس سره كان كإستشهاد جده الإمام الحسين عليه السلام في صورة من صور الفداء التاريخية الفريدة.
نسأله تعالى أن يحشر روحه وأرواح الشهداء الذين إستشهدوا معه في جنة الخلد التي وعد الرحمن عباده في الوقت الذي نرفع فيه عظيم آيات التعازي إلى مراجعنا العظام والى شعبنا العراقي البطل والى أسر الشهداء جميعا.
ونسأله تعالى أن يحفظ سماحة السيد عمار الحكيم قائداً نشيطاً وعاملاً مهماً في إرساء الوحدة الوطنية في صفوف السياسيين والجماهير على حد سواء، وان يمد الله بعمره ويبارك لنا فيه لإكمال المسيرة الظافرة حتى تحقيق مهمة الاستقلال وإنجاز مهمات البناء والإعمار والمساهمة رفع الظلم عن المتضررين من أبناء شعبنا العظيم، وإكمال مشروع الوحدة الوطنية الشاملة في السلم والعدل، ولقد صدق الله وعده وأعز جنده وغلب الأحزاب وحده لاشريك له ولاوزير وهو على كل شئ قدير.
10/06/2010 ميلادي الموافق 26 من جمادي الثانية من عام 1431 للهجرة.
https://telegram.me/buratha