بقلم محمد دعيبل كاتب واعلامي
عالم نحرير،قائد فذ، رجل دين وسياسة، محقق ومؤلف ،مناضل ومجاهد اذ تراه في ميادين الجهاد وصومعة السيوف يحمل راية التضحية والفداء ،كما تراه في ميادين العلم والفكر يحمل قلم التأليف والتحقيق ،وتراه في ميادين العبادة قائماً بالليل صائما بالنهار ،دؤوب الحركة لا تعرف قدماه الوقوف ،كما لا يعرف عقله الفذ التوقف او السكون، نفسه منه في تعب والمؤمنون منه في راحة ،ذلك هو اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم(قده). ولا اريد عزيزي القارئ ان امدح هذا الرجل الذي قل له نظير من بين الرجال، ذلك أن مدح الانسان للإنسان لا قيمة له أمام المنظور الالهي ،فان الله تعالى هو الذي يجزي الاحسان بالاحسان "هل جزاء الاحسان الا بالاحسان"، ويضع الاعمال في الميزان. كيف لا وهو العالم بالغيب الذي يرى مالا يرى غيره.ولكني في الوقت ذاته اود أن اضع النقاط على الحروف وابين للقارئ الكريم محاور عدة يمكن أن تستخلص من دراسة موضوعية لشخصية هذا الرجل الذي اعطى كل ما يملك للامة ،تحقيقاً لارادتها وسببا لعزتها وقوتها بعد أن رأى الموازين مقلوبة ،والاحكام معطلة في بلد هو اولى ان يحكمه القانون ،وان تقتدي به الامم والمجتمعات في جميع بلدان العالم، عراق الامس الذي عاش حالة من الظلام الدامس ،اذ لا قمر منير ولا نجم يتألق ولا بصيص نور يلاحك الجدار ، ذلك أن شمس النهار لم تشرق لتبلد السماء بالغيوم ، كما لا أثرهناك لسقوط المطر والذي يهب الحياة من جديد.ولا اريد ان اتكلم بشيئ حول شخصية هذا الرجل ومميزاتها ، لان الكلام في ذلك كثير ولعله في متناول الباحثين والقراء فقد كتب التاريخ ذلك في احرف من ذهب ،بيد انني وفي هذه العجالة ابغي ان اضع القارئ الكريم بالصورة التي لا شائبة فيها واتحدث بعض الشيئ عن العلاقة الوطيدة التي ربطت تلك الشخصية الكريمة بالامة وهذه العلاقة ذات اواصرتساهمية مزدوجة تبين حقيقة الامر.
بنود العلاقة
1. الشعور بالمسؤولية: فقد آل الحكيم على نفسه أن يكون مثالاً رائعاً للامر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلناً وجدنا مصداق ذلك على المستويين اولهما "العلمي" حيث انشغل(قده) بالتأليف والتحقيق للعشرات من الكتب القيمة وفي مختلف العلوم مما ترك تراثاً جماً شهد التاريخ له بذلك ،اذ لاريب ان بساتين العلماء تحوي الكثير والكثير من مؤلفاته القيمة،واما على المستوى الجهادي فلا ننسى رعايته وتبنيه الكفاح المسلح لأسقاط النظام الدكتاتوري في العراق آنذاك فقام(قده) بتشكيل فيلق بدر الظافر والذي وجه للنظام المباد حينئذ ضربات قاصمة ايقظت مضجعة وافسدت عليه قدرته للسيطرة على كثير من المفاصل الهامة في الدولة.واما على المستوى السياسي فان بناء الحكيم للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق " المجلس الاعلى الاسلامي العراقي حاليا"مثل نقطة تحول في النظام السياسي في المنطقة بعد ان تيقن النظام المقبور في نفسه من أنه ليس هناك حزب معارض يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه فراح يطبل ويزمر ويوحي للجميع بأن حزب البعث المجرم هو الحزب الوحيد الذي لا يعارضه احد ولا تجابهه قوة فجهد جاهدا لان يخدع الناس في مقولته المشؤومة (المواطن الجيد بعثي وان لم ينتم) وكأن الجودة انحصرت بحزب البعث الذي لا أساس فيه من الجودة ،كونه حزباً أسسته الحركة الصهيونية وأرادت به شق العرب بالعرب ولم يكتف الحكيم تعبئة الطاقات وشحذ الهمم للقضاء على نظام صدام فراح يخطط وينظر لإقامة علاقات وطيدة مع دول العالم وذلك من خلال زيارات ميدانية قام بها لتلك الدول وعلى ما اعتقد انها تمحورت لسببين الاول: فضح جرائم النظام اما م الرأي العالمي والثاني: هو استقطاب التأييد الدولي لشعب العراق المظلوم بغية ان تحل ساعة الخلاص فيما بعد. 2- قيادة الثورة : انطلاقاً من تصدي الحكيم لقيادة الثورة في العراق فقد كان له الباع الطويل في وقوفه بوجه حكومة الطاغية آنذاك ،ولعل انتفاضة صفر عام 77 خير شاهد على ما نقول فما عليك عزيزي القارئ الا ان تلتقط صوراً من الانتفاضة لترى صدق ما نقول وقد أدى مجابهة الحكيم للسلطة الحاكمة انذاك الى اعتقاله والحكم عليه بالسجن المؤبد في زنزانات مظلمة تفتقد أبسط مقومات حقوق الانسان وعلني استطيع ان اجزم ان سلطة النظام المقبور لا تعترف بأن هناك مايسمى بحقوق الانسان. وبعد هطول فيوضات السماء التي ارادت لهذا الرجل العظيم من ان يكون قائداً فذاً يحمل معه هوية الخلاص من نظام يعد من اعتى انظمة الاستبداد او التفرد في السلطة ،وبعد أن شاءت الاقدار الالهية تم الافراج عن حكيم العراق ومعه ثلة من المؤمنين ليبدأ صفحة من النضال المتواصل ولكن باسلوب آخر. اذ قام السيد محمد باقر الحكيم بدراسة موضوعية وراح يحكُم الامور ليرى ايهما اولى ؟ بقاءه تحت نيل الطغاة تحت قوة الحديد والنار ام انه يهاجر الى ارض الله الواسعة وكما أمر الله بذلك ليرسم خارطة عراق التحرر في بلد المهجر. وقد شاءت الاقدار ايضاً ان ينجو الحكيم ويهاجر الى جمهورية ايران الإسلامية التي تحررت هي الاخرى تواً من نظام طاغوتي آخر كان يحكم ايران بسياسة الاستبداد والطغيان ،وينشر ثقافة الفساد الاخلاقي ويمكن المستعمرين من ارض غنية بالثروات وتتمتع بموقع جغرافي متميز، وقد تمكن الحكيم ان يقود الثورة العراقية وهو في بلاد المهجر حتى أن بناءه لاسس الثورة والتغيير لاحت في الافق وانتشرت ثقافتها لدى العراقيين سواء في داخل البلد أم في البلدان العربية والاسلامية والاجنبية الاخرى .ولما قدر الله تعالى للعراق أن يتحرر من براثن سلطة الموت وأن يسقط الصنم الذي طالما عبد عشرات السنين وذلك في صبيحة اليوم التاسع من نيسان عام 2003م وهو اليوم الذي انفتحت الابواب فيه امام العراقيين لان يحكموا بلدهم بانفسهم ،ما كان على الحكيم الا ان يعود الى ارض الوطن ليقود الثورة في ثوبها الجديد ومع ان الامور لم تجر كما اراد الحكيم حيث لم تتمكن المقاومة آنذاك من أن تسقط النظام لاسباب عدة منعت من حدوث ذلك - وخاصة بعد اخماد نار الانتفاضة الشعبانية المباركة- وان الشيء الذي حدث هو ان سلط الله تعالى قوة اشد بأساً من قوة النظام وهي التي مهدت له من قبل فمزقته شر تمزيق وجعلت منه طرائق قددا ، حتى انك لا تراه الا كعصف مأكول. مع كل ذلك لم يحيد الحكيم عن مساره وهدفه في تحقيق امنيات الشعب العراقي اذ عند عودته الى ارض الوطن اخذ على عاتقه دراسة الموقف السياسي عن كثب وتقديم الاطروحات والافكار والاخذ بزامام الامور لئلا تنفلت ويتغير الحال الى ما لا يحمد عقباه. فراح يقود ثورة التغيير ولكن هذه المرة كانت ثورة سلمية ،وذلك لان هدف القضاء على النظام قد تحقق والحمد لله.فقد وضع (قده) معالم دولة العراق الجديد من خلال تمسكه بالمبادئ والقيم التي من شأنها ان تجعل من الشعب العراقي أن يحكم نفسه بنفسه ليتحقق حلم الحكيم الذي طال انتظاره وعلني اجد نفسي موفقا في ان اختصر ذلك بجملة من النقاط وهي: 1. مطالبته بالدستور وتأكيده على أن تتم صياغته بأيد عراقية صرفة. 2. مطالبته بزوال الاحتلال بعد ان تنمو نبتة العراق ويقوى عودها وتأتي أكلها. 3. رفضه للوصاية الأجنبية وبكل قوة وتأكيده على ضرورة اقامة نظام ديموقراطي تشارك فيه جميع مكونات العراق. 4. تأكيده على ضرورة احترام سيادة العراق ارضا وشعبا وعدم تدخل الاجنبي في شؤونه الداخلية. 5. تأكيده على ضرورة أن يعود العراق الى مصاف الدول العربية وأن يكون له احترام دولي ليرى مكانة الحقيقي في منظمة الامم المتحدة. 6. تأكيده على ضرورة بناء العراق ثقافياً وعلمياً واسلامياً وقد مهد لهذا الامر من خلال تأسيسه لدار التبليغ الاسلامي "مؤسسة شهيد المحراب حالياً" كإحدى قنوات بناء الشخصية الثقافية في البلد. 7. تأكيده على مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات التي يشارك فيها العراقيون جميعاً لاختيار من يمثلهم في البرلمان والذي يمثل السلطة التشريعية في الدولة العراقية الجديدة.
كل ذلك كان حكيم العراق يضعها بالحسبان سواء من خلال ادارته للمشهد السياسي في البلد او في مؤتمراته او لقاءاته اوجلساته وندواته او في خطب الجمعة المباركة والتي كان يوجه من خلالها خطاباته القيمة ومن مرقد سيد البلغاء والمتكلمين و امير المؤمنين الامام علي(ع). فكانت تلك الكلمات النيرة سلاحاً فتاكاً بوجه اعداء الحرية والنهوض والتقدم وسهما صائبا بوجه كل من يبغي النيل من وحدة هذه الشعب وأمنه واستقلاله مما حدا بيد الشر والضغينة ان تخطط وتتآمر لان تكيد لهذا الرجل "القائد الفذ" كيد الشيطان وان تسكت ذلك الصوت المدوي في سماء العراق الجديد ،اذ لا يحلو لها ان يتقدم هذا البلد العريق وينهض بعد سبات طويل .حتى ألت تلك الايادي العفنة لان تفجر مكان المصلين لجهلها بمعنى الصلاة او لانها لا تعرف للصلاة معنى ولانها بعيدة كل البعد عن الله تعالى. كما حكم القدر ان يقع الحكيم شهيداً في محراب الشهادة مرملاً بدمائه الزاكيات هو وثلة قد امنت بربها كتب الله لها الشهادة والسعادة معه لتكون دماؤه الزاكية سقياً لارض العراق ولتنبت شجرة الحرية وتؤتي ثمارها كل حين وها نحن نقطف ثمارها والى الابد "كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين ".
https://telegram.me/buratha