بقلم محمد دعيبل كاتب واعلامي
تعيش أغلب بلدان العالم الثالث حالة من الاضطراب والهيجان قد تكون سييا لفقدها مستوى الاستقرار والتعايش السلمي وحرية التعبير عن الراي وما الى ذلك من اسس الحياة الكريمة بعيداً عن سياسة التسلط والاستبداد وحكم الشعب بالنار والحديد. وإنك لتعلم ايها القارئ الكريم ان مفهوم الدولة ككيان مستقل بحد ذاته قد دخل حيز التنفيذ منذ زمن طويل،ذلك أنه وبحكم طبيعة الانسان الاجتماعية وتنظيم علاقاته مع بني جنسه من البشر وانتمائه للوطن الذي يسكن اليه ويطمئن فيه يحتاج بطبيعة الحال الى ما نسميه بنظام الحكم. اذ لا يمكن للرعية وايما كانت ان تواكب المسير دون راع يتحمل مسؤولية الحفاظ على هويتها ويحقق متطلباتها وفق نظام معين يشتمل على مجموعة من المواد التي تعد منهج عمل لمثلث السلطات الثلاثة بحسب الرؤية الديموقراطية للدولة الحديثة ،وذلك النظام حسب مانرى هو ما يطلق عليه في نظام الدولة الحديث بالدستور والذي يعد المرجعية القانونية لكل من الراعي والرعية وينظم علاقة بعضهما بالبعض الاخرمن جهة كما ينظم علاقتهما معا بالوطن وفق حدود ومتبنيات المواطنة من جهة ثانية. وكمثال على ما تقدم وليس على سبيل الحصر بإمكاننا تسليط الضوء على بلد كالعراق ،هذا البلد الذي عاش ردحاً من الزمن على مدى اكثر من "30" عقدا من الزمن وهو يعاني من التسلط والاستبداد والطغيان،بيد أن يوم التاسع من نيسان عام "2003" أحدث ثورة في عالم الحرية، حيث انحرف مسار النظام السياسي والذي ركب عجلته زهاء"30" مليون نسمة "180" درجة ليشرق على هذا الشعب صباح يوم جديد، او قل إن شئت صباح عالم جديد يمتلئ بالحيوية والنشاط بعد ظلام دامس لا يرى ولو بصيصا من النور ليخلق الحياة من العدم. ولعل القارئ العزيز على اطلاع مسبق بان بيت الديموقراطية في العراق يعد اكبر بيت يسكن اليه المواطن حتى انه فاق بيوت الديموقراطية في العالم المتطور سعة وعلواً. ولكنه وللاسف اصيب بشيئ من نكبات الدهر حينما بلغت الثورة السياسية في النظام الجديد ذروتها في تاسيس دولة عراق اليوم .اذ اننا في الواقع نجد من ان الاحزاب السياسية والتي تبغي المشاركة في صناعة القرار وتنفيذه عبر وسيلة التداول السلمي للسلطة قد وصل الى رقم خيالي من الممكن ان يدخل هذه المرة موسوعة غينيس للارقام القياسية، هذا من جهة ومن جهة ثانية فان عدم سن قانون ينظم تشكيلة الاحزاب بالشكل الذي لا يتنافى مع هيكلية النظام الديموقراطي في ان يشق طريقه ليرسم معالم المشهد السياسي العراقي فضلا عن غياب الوعي السياسي لدى الكثير من الساسة في الوقت الذي تؤشر فيه الانظمة الحديثة في الدول المتحضرة ديموقراطيا عن ضرورة مقابلة السياسة الحاكمة بسياسة معارضة لتقوية الاداء الحكومي وتحدد صلاحيات الحكومة وتختبرها في اروقة البرلمان ليرى نجاحها من فشلها وحينها تكون لحكومة الظل - والتي بينها وبين الحكومة الفعلية نسبة التقابل بالضد كنا يحققه المناطقة- قوة مستمدة شرعيتها من البرلمان ووفق بنود الدستور لتقرر ما تراه مناسباً لعلاج الموقف وبكل جرأة فتعزل من تشاء وتبقي من تشاء وفق الصلاحيات الدستورية المسموح بها مؤاثرة بذلك مصلحة الشعب اولاً ،الاّ انه وعلى مدى اكثر من "4" سنوات من الآن لم يتحقق شيء من هذا القبيل ،فلا البرلمان يراقب الأداء الحكومي ، في الوقت الذي ليس هناك قدرة للحكومة تؤهلها لان تكون حكومة بالقوة والفعل ،مما يفصلها عن ارادة الشعب وكأن الامر يتعلق كلا بكل بأجهزة السلطة ويبعث لها امالها التي غابت سنين طوال فتحققت والحمد لله "100%" بعد أن منحتها الاقدار صلاحيات وامتيازات فاقت مستوى الخيال ،اذاننا ومن باب تقويم اخطاء الحكومة المنتهية ولايتها،لا ننسى الرواتب ذات القيمة العالية او المنح الاجتماعية التي لا نرى لها من المشروعية بمكان ،وكأن العراق تحكمه سلطة لا دولة ،سلطة غالباً ما نادت بالديموقراطية السلطوية بعيداً عن حكم الشعب الذي يمثله اعضاء البرلمان والذي أمثله في الواقع بقلعة لا تأوي الا ثلة من الآخرين وسط غياب للعديد من نوابه ، كما لا أراه اجتمع يوماً ما ليشرع او يراقب الا كقطرة في بحر ولا أريد ان ابخس حقه في ذلك الا انني استطيع القول من ان ذلك البرلمان قد نشط قليلاً في ايام شيخوخته ليراقب الاداء الحكومي الا أن عقارب الساعة أشارت الى ساعة الصفر ليرتحل بعد انتهاء مدته الدستورية. ولعلي اجد نفسي موفقاً في ان اقول ان مصلحة الشعب وتحقيق متطلباته كانت غائبة عن انظار السلطة ولم تجد لها في حيز الوجود وجودا ، اللهم الا ماكان منها منحا أوسلفا أو امتيازات فهي من نصيب السلطة نفسها - كما اشرنا الى هذا المعنى سلفا - وبطبيعة الحال فانها كسرت طود العلاقة بين الحكومة و الشعب مما افقد العراقيين دولتهم التي قدموا الغالي والنفسي من اجلها متمنين ان يحكمهم ارادتهم وان يلاقوا حظهم الوفير في تحقيق ما يصبون اليه ،فليت السلطة الحاكمة ان تضع جل اهتمامها حقوق المواطن لا ان تلقي بكاهل العيش او عبءالحياة عليه ،كزيادة الضرائب غير الضرورية،أوعدم تناسب الراتب الذي يتقاضاه المواطن مع غليان الأسعار،أو قلة توفر الخدمات ان لم نجزم بعدم تواجدها ،أو فشل المؤسسة الامنية من ان تضع النقاط على الحروف ،وكل ذلك غيض من فيض. لكن "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"، فالعراق بدا ضائعاً متشتتا متمزقا تعصف به الريح حيث تجد منه ضعفا " واي ضعف" والمواطن العراقي هو الضحية لكل فشل في أداء السلطة الحاكمة، والذي انعكس في مرآة الشعب كصورة حقيقية ولكنها مقلوبة لان المرآة العاكسة هذه المرة كانت من النوع المحدب لا المقعر. والحقيقة ان تلك الصورة أبانت وبوضوح جملة من القضايا التي جعلت من الشعب ان يرى الامور كلها مقلوبة وكأن العراق لم تحكمه الديموقراطية كما يقولون، ترى أين دولة المواطن؟والعراق لم يتغير فيه شيء كما يطلبون ، والعراق ما زال يشكو الحرمان والحرمان أسوأ مايكون ، ثروة تتبدد ،وفساد لم تر له مثيل وكأن بلد الخيرات والبركات وهب خيراته وبركاته الى حاكميه ونسي نفسه في خبر كان فكان كما كان.
https://telegram.me/buratha