كريم الوائلي
بعد مرور اكثر من سبع سنوات على اول خطبة جمعة لسماحة السيد شهيد المحراب محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه نجد اليوم ان العقلية الاشتكشافية والاستشرافية لسماحته قد حددت مسارات ومراحل بناء الدولة العراقية بشكل مبكر ، وواضح ان سماحته اراد ان ينأى بالعراق بعيدا عن سياسة حرق المراحل واقحام سياسات قسرية بعيدة عن الصيرورة الطبيعية التي تستمد ديمومتها من محيط التجربة العراقية وخصوصيتها وتاريخ العراق الحديث ، واليوم نجد ان تشخيصات سماحة السيد شهيد المحراب لتحولات العملية السياسية متوافقة ومنسجمة مع الواقع الراهن .وقد تناول السيد الشهيد شروط استتباب النظام العام وتجذير القانون فاشار الى اول شروط ذلك وهو خلق رأي عام شامل مساند لحفظ وصيانة ورعاية التجربة العراقية وترسيخ الحكم الوطني معتبرا ان اشاعة رأي عام موال للحكم الوطني وعابر للاحزاب السياسية والمنظمات والحكومات هو الملاذ الطبيعي لترعرع التجربة وتسليحها بالمناعة الدائمة ضد القوى المضادة المتربصة بها ، وعند التمعن بالواقع الراهن نجد ان فقدان رأي عام منسجم ومتوحد يشكل عامل ضعف في بنوية الحكم الوطني حتى اليوم وغالبا ما كان الامام الشهيد قدس سره الشريف يختزل مفهوم الرأي العام المساند للتحولات الوطنية بمفهوم الامة المنسجمة ، وكان على ثقة عالية بقدرات الامة العراقية وما تختزنه من طاقات عظيمة مؤكدا على ان (( امتنا امة بطلة مجاهدة مضحية قادرة على تحقيق الانسجام فيما بينها - خطب الجمعة عام 2003 )) وتلك اشارة تقع على جانب كبير من الاهمية اذ ان الثقة بالجماهير وتبني تطلعاتها شرط اساسي لشرعية الحكم الوطني ، كما ان الامة المضحية والمجاهدة مكتسبة الصلابة من معمعة المعترك الوطني ضد الاستبداد وتبعا لذلك فأنها قادرة على تحقيق الانسجام فيما بينها وتتمتع بالحصانة والمنعة ضد عوامل الفرقة والتشتت وما زال هذا الشرط يعان من تداعيات افرزتها التحولات والمتغييرات ومن اهم مظاهرها اليوم ازمة تشكيل الحكومة ، وعلى الرغم من ان الامة ما زالت محرومة من قطاف ثمار نضالاتها إلا انها معطاءة دون مقابل وولودة ومنتجة وصامدة ومقدرة لمسؤولياتها الوطنية ومانحة لعوامل الاسناد وقد تجلى ذلك بأوضح صوره في الانتخابات الوطنية العامة حيث انجزت الامة ما مطلوب منها بأنضباط وجهادية عاليتين ثم تنحت جانبا تنظر بعين الرعاية والامل الى تشكيل حكومتها المنتخبة ممتثلين لوصية شهيد المحراب يوم وجه نداءه قائلا (( ادعو جميع العراقيين ، من هذا المنبر المقدس ، الى ان يمارسوا هذه المسؤولية في انتخابات حرة ونزيهة - نفس المصدر )) ولو تمكنت الامة من التمتع بالمنجزات المفترض احرازها بعد سقوط الدكتاتورية فأنها سوف تشكل مصدر قوة جبارة تعزز وتصون الحكم الوطني وعلى ذلك الاساس اولى السيد الشهيد الامام محمد باقر الحكيم (رض) اهمية خاصة لدور الامة في بناء الحكم الوطني وعلى ذلك اهتم الشهيد السعيد في بواكير الانتصار على الدكتاتورية البعثية بوسائل تثوير وتفعيل دور الامة . ان توظيف قدرات الامة في اسناد التجربة العراقية وفق ما اراد لها السيد الشهيد الحكيم لم تأخذ ابعادها الحقيقية ولم ترق الى مستوى التهديدات التي تواجه تجربة الحكم الوطني في العراق على الرغم من ان الامة منحت الشرعية الكاملة للحكومات وخولتها تمثيلها واذا كانت ثمة نجاحات قد تحققت فأن الفضل في ذلك لله تعالى ولثبات الامة وتواجدها المستمر في الساحة على الرغم من استمرار المحرومية واعمال الابادة الجماعية التي تمارسها القوى الارهابية المختلفة والمتحالفة مع الارهاب البعثي .واستشرف شهيد المحراب الخالد قدس سره الشريف مآل الاحتلال واثبت ان نهايته حتمية وان الامة هي صاحبة القرار في ذلك من خلال تعضيدها للقوى الاسلامية الوطنية التي اثبتت منهجها الوطني الذي ارسى اسسه شهيد المحراب نفسه حيث نبه الشهيد الى ان الحكم الوطني يعني ادارة شؤون البلاد من قبل اهله وان الحكم لا يستقر للعراقيين الا برحيل الاحتلال واول ما يجب على العراقيين القيام به هو التصدي لادارة شؤون بلادهم مؤكدا على (( ان من اهم مصاديق المعروف في هذا الوقت الذي يجب فيه على العراقيين ان يهتموا به ، هو ان يندفعوا بإخلاص ونظام وحكمة وعقل من اجل ان يمسكوا ادارة امورهم بأيديهم - خطب الجمعة ص29 )) ويبدو بشكل واضح ان شهيد المحراب قد دعى العراقيين الى التحلي بالعقل والحكمة والنظام وليس السلاح في استعادة المبادرة والاندفاع بقوة نحو ادارة شؤون بلادهم واقامة الحكم الوطني ، وهذه الدعوة هي عين ما يتلائم مع الوضع العراقي منذ دخول قوات الاحتلال الى البلاد وحتى اليوم ويأتي هذا الاشكال الحساس في مقدمة اهنمامات السيد الامام الشهيد قدس سره الشريف وواحد من اهم كشوفاته التي اثبتت مصداقيتها في الشأن العراقي المعقد حيث كان الامام على يقين من ان اعداء العراق واذناب النظام البائد سيجعلون من الاحتلال ذريعة يتذرعون بها من اجل التغطية على هدفهم الحقيقي وهو العودة بالبلاد الى الحكم الاستبدادي وقد تلقت دعوة الشهيد محمد باقر الحكيم (رض) بالتمسك بالحكمة والعقل والنظام التفافا جماهيريا واسعا وتأييدا سياسيا كبيرا من داخل العراق وخارجه واليوم يحصد العراقيون ثمار دعوة الامام شهيد المحراب في وقت يشرع فيه المحتل بالرحيل مع احتفاظ العراق بسيادته المنجزة واستقلاله المحرز فيما سقطت دعوات ((المقاومة )) التدميرية في وحل خيانة الشعب الذي وجد نفسه مستهدفا من قبل ((مقاومة)) الارهاب والجريمة السياسية التي منحت المحتل الامان وصادرة حياة وحرية واستقرار المواطنيين . وعلى الرغم من ان وضع العراق في حياة آية الله العظمى الشهيد محمد باقر الحكيم كان على مفترق غامض إلا ان السيد الشهيد رضوان الله عليه رسم خريطة مفصلة بدقة للنظام السياسي المستقبلي في العراق حيث وضع النظام على اربع ركائز مهمة لا غنى عنها في استكمال دولة المواطنة في العراق الجديد مشيرا الى ان الركيزة الاولى تتمثل في مشاركة الشعب العراقي في القرار السياسي من خلال الانتخابات النزيهة والتداول السلمي للسلطة فيما عد الهوية الوطنية الاسلامية من اشتراطات قيام نظام الحكم الوطني مع احترام الهويات الفرعية لمكونات الشعب العراقي ومذكرا بأننا لا نريد استنساخ نظام اسلامي بعينه انما (( نريد حكما يحترم الاسلام ،ولا نكتفي بهذا ، بل ويحترم قيم الاسلام - خطب الجمعة ص53 )) ورأى الشهيد الحكيم ان الركيزة الثالثة هي وحدة التراب الوطني بوصفها شارة اساسية وركيزة قوية ومعتبرة من ركائز بناء الدولة الوطنية والركيزة الرابعة تكمن في احترام خصائص وثقافة العراق وحضارته وتاريخه ، وتحتفظ اشتراطات الشهيد الحكيم رضوان الله عليه لمواصلة العملية السياسية وبناء دولة المواطنة بكامل اهميتها اليوم وان الخروج عن تلك الركائز يزيل الموانع امام عودة الحكم الاستبدادي للبلاد .
https://telegram.me/buratha