المقالات

شهيد المحراب.. رائد التحرك الإسلامي في العراق

1159 12:30:00 2010-06-13

عمار العامري

تعد حالة استئثار بالروح الثورية والحماسية من السمات المميزة لدى طلبة العلوم الدينية (الحوزة العلمية) في النجف الاشرف لاسيما الشخصيات التي رافقت تقلبات الأوضاع السياسية والاجتماعية في العراق والمنطقة خلال عقود قرن العشرين حيث شهد العراق تغييرا كبيرا بعد الحرب العالمية الأولى نتيجة تأثيره ببوادره الأفكار الجديدة التي تغلغلت في المجتمع الداعية للانفصالية والتقسيم على أسس القومية والعرقية والتي نجحت في تقسيم أوربا على أساس الأقوام التي تعيش فيها (الجرمان والفرنسة والروس والإنكليز وغيرهم) وبعد النجاحات التي حققتها هذه النعرة انعكست على المتأثرين فيها خاصة الطلبة العرب الدارسين هناك أمثال ساطح الحصري وميشيل عفلق والذين نقلوها لإيجاد اتجاهات موالية لها في المجتمع العربي مما ولد تغيرات جديدة طرأت على الأوضاع السياسية والاجتماعية مثل الدعوة إلى الانحلال الخلقي والتحلل الاجتماعي وانتشار السفور وظهور الحركات والاتجاهات الداعية لبناء مجتمع سياسي على أساس قومي وطائفي أوجد بالضد منها تيار معارض متأثر بالوعي الديني داخل الحوزة العلمية فكان هناك رفض لتلك الأفكار الموالية للغرب والتي تحاول تطبيق شعاراتها على الساحة العربية والعراقية فجوبهت بفتاوى مراجع التقليد فكان لرفضهم تشكيل المجلس التأسيسي وقبول الانتداب أول البراهين التي تؤكد عدم قبول الشعوب الإسلامية للأفكار الجديدة ونتيجة لذلك وكون زمام الأمور السلطوية بيد حكام يعملون لصالح تطبيق النهج الطائفي في العراق سعى أولئك إلى تطبيق منهج معادي ضد التيار الديني كان منها تسفير علماء الدين ومراجع التقليد في النجف وكربلاء والكاظمية في محاولة استفزازية لكسر شوكة التيار المعارض كما فعلها الغربيين عندما جعلوا التيار الديني(الكنيسة) مجرد إدارة يعين موظفيها بقرار حكومي ونتيجة لهذا الأجراء استمر حالة عدم تدخل رجال الدين في السياسة العراقية لأكثر من 20 عام.ألا أن الحالة الثورية لم تغب عن أفكار وتطلعات رجال الدين العاملين فشهدت الساحة السياسية في العراق مطلع عقد الخمسينات من القرن الماضي تحول كبيرا في مجريات الإحداث حيث أصبحت المرجعية الدينية صاحبة القول الفصل في مجمل الإحداث وصاحبة الثقل الأكبر في موازين القوى ويبدو أن المرجعية العليا خاصة مرجعية الإمام محسن الحكيم باتت أكثر اتساع وانتشار بين أبناء المجتمع العراقي والإسلامي لاسيما بعد التصدي للأفكار السياسية التي تحاول بناء مجتمع على أساس ما تتبناه الأحزاب التي استوردت أفكارها من الخارج أمثال الحزب الشيوعي الذي تبنى الأفكار الماركسية الداعية إلى تجريد الفكر من الروح الدينية وأيضا حزب البعث الذي تبنى الأفكار القومية الطائفية التي تحاول جعل العراق حكَر على عرق معين مقابلة أبادت الأقوام والأعراق الأخرى.بين هذه التقلبات السياسية والاجتماعية برز على الساحة السياسية التيار الديني (التحرك الإسلامي في العراق) والذي أصبح من رواده السيد محمد باقر الحكيم (شهيد المحراب)(1957-2003) نجل الإمام محسن الحكيم فقد تأثر السيد الحكيم بمرجعية والده خلال (1950-1970) فشكل السيد شهيد المحراب انعطافة مهمة في تاريخ الحركة الإسلامية وإضاءة في طريق الشهادة:• مارس دور بارز في إدارة شؤون جهاز المرجعية الدينية في النجف الاشرف باعتباره احد أركانه المهمة وهو في عمر لا يتجاوز سبع عشر سنة حيث مثل والده الإمام الحكيم في العديد من المحافل الجماهيرية وفي استقبال الوفود الرسمية والشعبية.• اختير عضو في اللجنة المشرفة على إصدار مجلة (الأضواء الإسلامية) الناطقة باسم جماعة علماء النجف الاشرف في الخمسينات من القرن الماضي والتي تعتبر من ابرز النشاطات الثقافية والإعلامية التي واجهة التيارات المنحرفة آنذاك.• أكمل مراحله الدراسية للعلوم الدينية فاضطلع بعلوم القران فكان من أستاذته والمؤلفين في بيانه وتبيانه حتى أن تأسست كلية أصول الدين في بغداد عام 1964اصبح احد أساتذة علوم القران فيها.• ارفد المكتبات الإسلامية بعشرات المراجع في العقائد وعلوم القرآن وتفسيره والتاريخ والفكر والاجتماع .• قام بدور وكيل المرجعية الدينية لاسيما لوالده المرجع الأعلى في إدارة شؤون بعثة الحج والعمرة باعتبارها من المواسم الدينية التي يجتمع فيها المؤمنين من كافة البلدان وهم بحاجة للتوجيه والإرشاد ومعرفة متغيرات الأمور العقائدية والابتلائية. • أوفد من قبل والده الإمام الحكيم إلى بعض المدن في زيارة ميدانية لتفقد أحوال أبناء المجتمع العراقي ودراسة أوضاعهم وبذلك أسس شبكة واسعة من العلاقات الاجتماعية مع كافة الشرائح السياسية والعشائرية والمدنية مع المثقفين والشباب.• شارك في تأسيس العديد من التشكيلات السياسية والفكرية والاجتماعية لمواجهة الهجمات والأفكار المخالفة للدين الإسلامي والتي حاول أصحابها خلق حالة من الانحلال والتفسخ في المجتمع العراقي لدعم الأفكار الهدامة.وما أن وصلت عصابة البعث للسلطة في 1968 حتى كان السيد محمد باقر الحكيم من أوائل المتصدين أفكارهم لما عرف عنها من ممارسات إجرامية وأفكار شيفونية ابتدأتها بجرائم الحرس القومي عام 1963 وتطبيق الأفكار الطائفية بشكل علني ضد المسلمين الشيعة والأكراد في شمال العراق حيث باتت قرارات سلطة البعث الأولى مدعاة للسخرية لما تنم به من حقد دفين وسموم ضد الأكثرية من أبناء الشعب العراقي كما مارس البعث في سلطتهم الثانية سياسات عدوانية ضد التيار الإسلامي فكانت بدايتهم اعتباره (تيار رجعي) فقام بتوجيه التهم بالعمالة والتجسس ومحاولات الانقلاب لكل العاملين فيه لاسيما النشطاء الإسلاميين أمثال السيدين مهدي الحكيم وحسن الشيرازي حتى جاء عام 1972لتبدا ملاحقة السيد محمد باقر الحكيم من قبل عصاباته ومنها:• اعتقل السيد شهيد المحراب بتهمة دعم التحرك الإسلامي في العراق ضد النظام الحاكم وعلى اثر ذلك وصدر حكم الإعدام بحقه إلا أن رعاية الإلهية قضت القضاء عنه ومنذ تلك الإحداث تصاعدت المواجهة بين الإسلاميين (الشيعة) والنظام الحاكم.• أوفد السيد الحكيم ممثلا عن المرجعية الدينية لإلقاء كلمتها في الانتفاضة الحسينية عام 1977(انتفاضة رجب) اثر منع النظام البائد المواكب الحسينية المتوجه من مدينة النجف الاشرف إلى كربلاء لإحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين(ع) واعتقل مع السيد محمد باقر الصدر وعدد كبير من المؤمنين.• اثر استشهاد السيد الصدر عام 1980 على يد زمرة البعث تمكن السيد الحكيم من الخروج من العراق ليساهم في استمرار الثورة الإسلامية في العراق وتقديم الدعم السياسي والفكري للحركة الإسلامية في الخارج بعد أن ضاقت بها الأذرع بسبب الجرائم الإرهابية التي مارسها النظام ضد أبناء العراق.• شارك في تأسيس (حركة المجاهدين العراقيين) التي ترأسها السيد عبد العزيز الحكيم (عزيز العراق) ثم سعى شهيد المحراب مع ثلة من المجاهدين إلى تأسيس فيلق بدر التي أصبحت الذراع العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والذي ساهم السيد الحكيم بتأسيسه بشكل فعال عام 1982 ليكون الخيمة التي يجتمع تحت ظلها أبناء التيار الإسلامي المعارض للنظام البائد حيث تصدى شهيد المحراب إلى جرائم الطاغية(صدام) بحق أبناء أسرة أل الحكيم حينما أجابه بمقولة أبي الأحرار(هيهات منا الذلة).• من اجل جمع كلمة الحركة الإسلامية لدعم مشروع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ساهم بدور كبير في عقد (مؤتمر نصرة الشعب العراقي) في طهران والذي شاركت فيه جميع فصائل المعارضة العراقية الإسلامية.• ولم تقف عجلة التطور السياسي المعارض عند الحالة المسلحة أنما أخذت الحالة السياسية أبعاد أوسع بعد شعور الرأي العام العالمي بفاعلية السيد محمد باقر الحكيم في الأوساط العراقية في الداخل لاسيما بعد رفع صوره والهتاف باسمه ليصبح ( العنوان الإسلامي عام) في انتفاضة الشعب العراقي (الانتفاضة الشعبانية) عام 1991 واخذ السيد الحكيم يفتح أفاق العلاقات السياسية مع الدول الصديقة والشقيقة والمنظمات الدولية من اجل إطلاع الجميع على اضطهاد النظام الحاكم للأبناء الشعب مقابل الرفض الجماهيري لحكمه.• بعد وفاة أية الله العظمى السيد ابو القاسم الخوئي عام 1992 كان السيد محمد باقر الحكيم من أوائل علماء الدين الذين دعموا مرجعية الإمام السيستاني باعتباره الأوفر حظا لان تثنى له الوسادة وهذا ما يؤكد عمق التأثير الذي يتمتع به السيد الحكيم ليس في الجوانب السياسية فحسب أنما كان ذو تأثيرا في الجوانب الدينية والعقائدية للأمة.ليبقى السيد الحكيم ذلك الرائد الهمام الذي نهل من مشارب الحوزة العلمية وعاش بكانفاتها ثائرا وقائدا وسياسيا ساعيا إلى تخليص العراق من براثن البعث وازلامه ليكن من أوائل الذين دخلوا الوطن بعد التغيير في يوم 10مايس 2003 واستقبلوا بحفاوة كبيرة ليرسم معالم العراق الجديد بدولته الحديثة العصرية والتي تحترم فيها كافة الأطياف والقوميات ويعتمد فيها مبدأ(المواطنة) كأساس لبناء دولة ديمقراطية اتحادية فكانت أفكار ومتبنيات شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم رهان لبناء المجتمع العراقي سياسيا واجتماعيا حتى أن شعر أعداء العراق بتأثيره في مرحلة ما بعد التغيير ليصبوا عليه جام غضبهم ولينفذ أولئك خطة لاغتياله في الأول من شهر رجب الموافق 29 أب 2003 داخل الصحن العلوي المطهر لتكن تلك آخرة محطة في طريق الشهادة الذي رسمه احد ابرز رواد التحرك الإسلامي في العراق السيد محمد باقر الحكيم شهيد المحراب.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك