جواد الشلال
إي شعب نحن حين نأكل لحم بعضا بدم بارد ..وأية امة تلك التي تمزق أشلاء أبناءها أربا وتحلم بالمزيد ..كيف لدولة ترى أبناءها يتهشمون كالزجاج ويتطايرون في كل الإرجاء ..وتكتفي بالترحم عليهم وتسبغ عليهم كلمة الشهداء اعتبارا فحسب ..وكيف لوطن ينسى ضحاياه اللذين من اجله سقطوا ومن أي معتقد نهلوا وأي مذهب الذي لا يستطيع أن يفعل شيء سوى إقامة مراسيم الدفن كالعادة وإتمامها بصلاة الميت وينسى فورا لماذا هؤلاء قتلوا ولأجل من ..ولماذا ..ولماذا.. تبقى الأسئلة تنهمر علينا ..ولم نجد الإجابة أبدا ..تلك ملحمة خاصة بأهل العراق وشعبه ..فالموت في هذا البلد بين ثنايا الروح وتتكدس الأرواح فوق بعضها البعض وأصبح عزرائيل مقيما فيه لايفارقه ألبته فملفات الموت هائلة ومكدسة دون فهرسة ..حاولت دون قصد أن استل احد تلك الملفات فوجدت الكارثة الإنسانية الهائلة في صفحات ذلك الملف الرهيب وكانت كما يأتي
أولا..اسم الملف ..ضحايا عائلة السيد حسين طارش سلمان الدراجي
ثانيا..عدد الإفراد الشهداء..تسعة شهداء من مجموع عشرة من المستهدفين نجى صبي واحد بأعجوبة بعد إصابته بطلق ناري في رأسه افقده حاسة السمع من الجهة اليسرى وكان اسمه عيسى حسين .
ثالثا..جنس الشهداء..الأم مع اثنان من بناتها وستة أولاد ..اكرر ستة أولاد..
رابعا ..سبب الجريمة ..وجود صورة للإمام الحسين (ع)في جهاز الموبايل لأحد الصبية المجني عليهم
خامسا..مكان الحادث..بغداد البلديات
سادسا ..تاريخ الحادث ..ليلة 9/ 10 تموز 2005
سابعا ..نجاة رب الأسرة .. كان رب الأسرة خارج المنزل حين وقوع الحادث ولم يرجع للمنزل بسب حظر التجول ....
وسير الواقعة يثير الدهشة والحزن العظيم.. ففي غفلة من الزمن السيئ يتسلل شذاذ الأفاق بيت الضحايا ويبدأون إطلاق النار بشكل مركب من التنظيم والعشوائية على جميع إفراد الأسرة دونما استثناء لامرأة أو طفلا رضيع ..وكان الصبي عيسى يراقب ذلك برعب هائل وفزع كبير وهو يرى كيف يتم إعدام والدته وشقيقاته وأشقائه ويتظاهر بالموت ويغطي رأسه بالفراش محاولا إيهام القتلة بأن الموت قد نال منه وتلك هي وسيلة دفاعه الوحيدة ..فأطلق احدهم رصاصة واحدة على رأسه معتقدا أنها إصابته في مقتل ..على أثرها انسل المجرمين من البيت بعد أن قاموا بمجزرة وحشية يندى لها جبين الإنسانية ..حاول الصبي أن يجمع شتات قوتة فوجد نفسه انه لا يزال حيا وان اخذ الدم والوهن منه مأخذ وله القدرة على الحركة ...فبدأ بتفقد عائلته فردا ...فردا.. فتقدم إلى والدته وقام بغسل وجهها بالماء كذلك حاول مع أشقائه الآخرين عسى أن ينقذ احدهم لكن دون جدوى فالجميع رقاد رقدة الموت وليس هنالك من اثر للحياة فيهم ..يا الهي .. أي تجربة قاسية وقعت على رأس هذا الصبي وهو بعد لم يكمل الحلم ..أي صبر ورباطة جأش أحاط الباري الكريم هذا الصبي بها..فالله فقط تقدير الأمور حق التقدير ولله حكمته وحلمه ...أما الصورة المأساوية الأخرى فلنتصور كيف كان وقع خبر المصاب الجلل على رب الأسرة ...إذا قلنا أن الدنيا اسودت في عينيه أو انه لم يعد يستطيع الوقوف على قدميه أو إن ظهره قد انكسر ..أو قلنا أي شيء فأننا ربما تقول نصف الحقيقة ..فحقيقة الألم لا يعرفها إلا هوانها طامة كبرى وقعت على رأسه لم يستطيع الصبر احتوائها ولا تستطيع الذاكرة إن تجمع خيوط إحداثها أو توقف تداعياتها على حياة إنسان يفقد عائلته بلمحة بصر ..لا يعرف ماذا يقول ..ولا يدرك الحدث يغمض عينيه بقسوة ويغلق إذنيه بعنف حتى لا يصدق الخبر ..فالبكاء مهما طال لا يسد جزء من الفاجعة ..إيه يا رجل أي صبر صبرته وأي وجعا كابدته إننا نستطيع إن نقول انك أمير الصبر بامتياز ..فالفاجعة لا تتوازن مع عواطف الحزن إطلاقا مهما كانت تلك العواطف ..من ضمن صفحات هذا الملف الرهيب تجد إن عم هذا الصبي مفجوعا بنوع جديد من فلسفة الوجود فيقول بالحرف الواحد ((ان الحياة تبدأ والإنسان احد أبناءها المميزين وهو يعرف سر ديمومة الحياة بعد مقتل أهله وذويه ...وهذا السؤال يبقى محيرا والسائل مدهوشا يعقد لسانه الصمت إمام هذا السر ..ولكن الإيمان بالله وبقدرته وحكمته وحلمه يجعله متمسكا بقوله تعالى كل نفس ذائقة الموت)) ويردف قوله إن تلك المجزرة عرضت على شاشات الفضائيات وتناولتها الصحف ومواقع الانترنيت وعلم بها جميع قيادات البلد ولم يبادر احد منهم بمساعدة العائلة المنكوبة أو تقديم التعازي لهم وللافتراض فقط ماذا سيحصل لعائله حدث لها ما حدث لنا في دولة من دول العالم وكيف سترعى تلك الدولة ما بقى من تلك العائلة اطرح هذا الافتراض وفق قاعدة أوقفوهم إنهم مسؤولون ..عموما إننا بمناقشة تلك المجزرة الرهيبة لم نحاول استجداء احد لمعاونة رب الأسرة وصبي المحنة عيسى حسين وهم ألان حائرون بين الذهاب إلى النجف لزيارة عائلتهم بشكل مستمر أو الإقامة في بغداد ولا يزالون حتى هذه اللحظة بدون سكن تصوروا..إن ما تبقى من تلك العائلة بدون سكن ولا رعاية لصبي المحنة في إكمال دراسته وهو ألان في الصف الثالث متوسط ...عجبي عليك يا وطن فأن أرضك تبتلعنا بسرعة مذهلة وليس لنا فوق أرضك سكن ..عجبي عليك يا وطن كيف تنسى اهلك وتتركهم هم وقدرهم ..يا وطني تلك الجريمة المروعة ليست هي الأولى وقطعا ليست هي الأخيرة فقد حصلت مثلها في غرب العراق وشرقه وجنوبه لكنها الأولى بعد الاحتلال بالتأكيد ..سادتي يا أهل الوطن إني أدون لكم أيميل رب الأسرة واترك لكم إطلاق عنان مشاعركم
https://telegram.me/buratha