عادل العتابي
تقع غرف الحاكمية الحمراء في طابقين من طوابق ذلك الجهاز الذي صممه المهندس المشرف ليكون اشبه بسفينة في وسط بغداد تتجه الى المجهول،بما تحمل من المعتقلين الذين لايعرفون مصيرهم،الغرف التي تقع في جهة اليمين تحمل ارقاما زوجية والتي تقع في جهة اليسار تحمل ارقاما فردية،وكل غرفة قد تكون مكانا للاعتقال الانفرادي او الجماعي وباي عدد كان من المعتقلين،كما ان هناك مساحات في كل طابق تكون فارغة،كما هو حال الطابق الذي كنت فيه لذا كانت غرفتي في الانفرادي تحمل الرقم (37) وهي تقع في جهة الغرف التي تحمل ارقاما زوجية! دخلت الغرفة في ساعات الصباح الاولى ونمت لكي انهض مبكرا لكوني متاكد بان التحقيق سيبدأ معي في الصباح الباكر لكن ذلك لم يكن حدسا صحيحا فبقيت لمدة طويلة حتى بدأت حلقات التحقيق،مرت عربة الطعام وهي تحمل وجبة الفطور،تم فتح النافذة الحديدية بسرعة وصوت مزعج وطلب صاحب العربة انية الحساء وبكلمات خشنة وغير مؤدبة،لااعرف ماذا افعل فهذا اول فطور لي في الحاكمية فبقيت ادور حول نفسي في الغرفة والسجان يطلب مني بالحاح ان ارفع الانية من الارض واسلمها له وكان يشير باصبعه اليها،وكانت هناك انية فيها شيء من الطعام المتعفن والمتروك على حاله من دون ان يتم تناول شيء منه اسرعت لانظف الانية بالماء فقط واناولها الى السجان واخذت قليلا من الحساء مع عدد من قطع الصمون الخاص بالجيش!صاح السجان بان اسرع لكي انضف الانية على الفور لاحصل على الشاي وفي الانية نفسها التي اخذت الحساء بها؟،وعلمني بان اكون مستعدا ونشطا على الدوام للحصول على الطعام والا سوف تغادر العربة الى الغرف الاخرى واحرم من الطعام بسبب عدم نشاطي،في الظهيرة هناك وجبة من الارز والمرق الذي يوضع فوق الارز مباشرة،وفي العشاء تكون وجبة الدجاج مع الحساء،المعتقلون جميعا يتناولون الطعام من خلال اليد مباشرة فلا ملاعق او صحون تفريغ او اية انية اخرى غير الانية الحمراء في تلك الغرفة الحمراء.في الظهيرة قرأت على الحيطان اسماء وارقام عديدة وبعضهم وضع تقويما خاصا به ليعرف عدد الايام التي بقى فيها في تلك الغرفة اللعينة،كانت اطول مدة لشخص عرفت اسمه ومكان سكنه فيما بعد كان قد قضى واحد وعشرين يوما وحيدا في الغرفة (37)،اما انا فقد بقيت وحيدا في تلك الغرفة لمدة ستة وستون يوما،يعرف الله وحده ماذا حل بي خلال تلك الفترة وكم كنت قريبا من الجنون او الموت او على الاصح كم كنت اتمنى الموت!، والاصعب من ذلك تمنيت في مرات ان يتم اخراجي من الغرفة لغرض التحقيق معي رغم اني متاكد باني ساتعرض للضرب المبرح بالايادي والارجل والكيبلات والعصي خلال التحقيق لكني كنت مشتاق جدا للتحقيق والضرب حتى ارى نور الشمس من خلال نوافذ غرف ضباط التحقيق في الحاكمية واشم الهواء النقي بعيدا عن هواء الغرف الاصطناعي.من خلال الشقوق او من خلال مرور انابيب الماء في الجدران كان من الممكن ان اتحدث مع الجار،وهذا الحديث له حكاية اذ يظن اغلب المعتقلين ان المحققين والسجانين يقومون بالحديث معهم من الغرف المجاورة للحصول على معلومات بعد الايقاع بهم او حثهم على الاعتراف حتى يتم اطلاق سراحهم،لذا لن يكون هناك اي حديث من غرفة الى اخرى مالم يتم التاكد مئة بالمئة من المتحدث عبر الجدران بانه معتقل في الحاكمية.تحدث معي معتقلوا الغرفة رقم (44) وهم من الجيران الاعزاء كان (جاسم) اول من تحدث معي ونصحني من اول الكلام بان لااتحدث مع المحققين باي موضوع خارج عن سؤالهم،وان تكون اجابتي مقتصرة جداعلى السؤال،وعندما بكيت عبر الجدار خوفا من ان تلقي المخابرات العراقية القبض على زوجتي وابنائي لاسيما ولدي الكبير ذو الفقار لاني كنت حريصا على مستقبله لكونه كان طالبا متميزا في كلية بغداد وهو على ابواب دخول الكلية الطبية،ولكوني اسمع بكاء وعويل النساء وصراخ الاولاد والشباب في الغرف الاخرى وبشكل واضح،قال جاسم وبصوت فيه ضحكة واضحة وابتسامة،لاتخشى شيئا اخي عادل ان ذلك لن يحدث ابدا وفكر في نفسك قبل عائلتك فان الله يحميهم.فرحت وحمدت الله وقلت انا اتحمل كل شيء اما عائلتي فلها الله،واذا به يكمل حديثه عبر الجدار ويؤكد بان زوجته كانت معه في مهمة نضالية ضد البعث وعندما القيّ القبض عليه قال انه هو المسؤول عن كل شيء وان زوجته لاتعرف شيئا عن مهمته،وبقت الزوجة في البيت. سكنت روحي قليلا لكني بقيت خائفا من البعث على عائلتي.
https://telegram.me/buratha