حافظ آل بشارة
هناك مثقفون عراقيون وعرب حاولوا أن يفسروا في كتاباتهم ما وصلت اليه اوضاع المنطقة العربية من تدهور على جميع الاصعدة ، ولكن يبدو انهم يخافون من الحكام فلا يقولون ان النظام السياسي الفاسد والاستبدادي هو السبب ، الخوف جعلهم مثل الحشاشين ، ربما بعضهم مجانين أو أغبياء وربما مجندون لدول نفطية وحتى دول غازية ، المفكرون الأحرار ابتلعتهم المنافي وماتوا كمدا ، تفسير الظواهر الاجتماعية يجب ان يعتمد الحقائق الميدانية القابلة للملاحظة والقياس ، الا ان قراءة السلوك الاجتماعي وكشف مدلولاته يحتاج الى اطار تحليلي ، والاطار يأتي من نظريات التحليل الاجتماعي وهي في العالم ثلاثة : ليبرالية ويسارية واسلامية ، وعلى المتصدي لشرح المشكلة الدفاع عن اطاره ولماذا اعتمده دون غيره ، ان ضعف الخدمات الاعلامية للمعارضة خذل مثقفين عراقيين مجاهدين قاتلوا النظام البائد وقدموا كشفا لحقيقة المشكلة العراقية في تلك الحقبة الصعبة ، قالوا في حينها ان المواطن العراقي فقد جميع حقوقه كالأمن والعيش بكرامة وحرية الرأي ، وقالوا للعالم بأن وقوع مجتمع تحت طائلة القمع والعزل والتجهيل والتجويع والاذلال 35 سنة سينتج جيلا يعاني من الف ازمة ، وستزداد الازمة حدة عندما يصر المجرمون بعد هزيمتهم على تدمير البلد ، المثقفون المستيقظون توا كتبوا بطريقة ترفية ، وبعضهم اسلوبه مشبوه لاعلمي ولا موضوعي ومبني على اساس تناسي وجود ذلك الحكم الوحشي وجرائمه وأثره في صياغة البنية الاجتماعية والنفسية للشعب ، ثم مهاجمة النظام الجديد وكأنه هو المسؤول عما حل بالعراق والعراقيين ، ثم القول بان العراق مؤلف من كذا قوميات وكذا مذاهب ومناطق وخطوط طول وخطوط عرض وجبال وسهول ورسم صورة لهذا البلد الصغير الموحد مثل صورة الهند او امريكا في التعدد والتنوع وهي صورة منافية للواقع ، فالبلد الذي فيه 3 قوميات فقط ليس متعدد القوميات والبلد الذي فيه طائفتان اسلاميتان ليس متعدد الطوائف ، والبلد الذي يغلب عليه دين واحد ليس متعدد الاديان ، اذن ماذا عن الهند التي فيها حوالي 1500 ديانة ومثلها من الاعراق ، وتعيش كدولة قوية متماسكة وتعد ضمن الدول التي تتقدم نحو قيادة العالم ، ومثلها تماما الولايات المتحدة والصين والغريب ان الدول الكبرى التي تتنافس على قيادة العالم هي دول متعددة الاطياف ، يصرون على تسييس الانتماءات الثانوية للشعب العراقي ، حتى تحولت تصوراتهم السطحية الى موجة ثقافية مشبوهة ، وكان الافضل لهؤلاء الكتاب المستيقظين توا وضع قواعد واضحة لبحثهم ولاي مدرسة ينتمون ، ووضع تعريف للهوية وهل ان انتماء الفرد الى اسرة او عشيرة او قومية او بلد معين او طائفة يمنحه هوية خاصة ؟ والجواب : لا ، فالهوية تزود اتباعها برؤية كونية وثقافة محددة واطار حضاري ، واذا تشابهت الرؤية الكونية لأناس يقطنون عدة بلدان وينتمون الى الف عشيرة فهم اصحاب هوية واحدة وهي تجمعهم وتوحدهم ، وعندما تتوحد الهوية فهذا يعني ان الانتماءات الثانوية لم تعد ذات قيمة سياسية ، اذا كانت هوية القوم محددة ، يمكن الانتقال الى الحديث عن المصالح والحقوق المشروعة للمواطن وعيشه وامنه وكرامته وحقه في تأكيد الذات ، ويمكن الحديث ايضا عن بعض السياسيين الطموحين كيف يركبون موجة المظلومية بتاطيرها بأطار طائفي او عرقي او مناطقي ، لكي يجعلوا الناس الفقراء والمظلومين وقودا لمعارك الوصول الى السلطة ، ومن أجل كشف هذه اللعبة وفضح المتباكين على ازمة الهوية الحضارية ، يجب على المثقفين العراقيين المحبين لشعبهم ان يقولوا الحقيقة ويحصنوا الرأي العام من هذه المغالطات التي تتخذ عناوين مبهمة مثل : الهوية والانتماء ، بالاعلان الواضح عن ضرورة مساندة العملية السياسية وحفظ الوحدة الوطنية والتمسك بالدستور والحياة الانتخابية وتداول السلطة سلميا ومكافحة الفساد ، تحقيق العدل هدف مقدس وهو سبب بعث الانبياء ، وفي ظله يشعر الانسان بالأمن والاحترام وتنزل عليه السكينة ليكون وطنه هو الهوية واليه الانتماء .
https://telegram.me/buratha