حافظ آل بشارة
تكاثرت القنوات الفضائية التي يمكن التقاطها في العراق ، لغات وبيئات وثقافات وافكار متشابكة ، وامام ظاهرة الفضائيات تزدهر مراكز البحث والاستبيان الميداني التي تدرس الجمهور المستهدف ورغباته ، فرغبات الجمهور بالنسبة الى الفضائيات معيار لتحديد الرسالة الاعلامية ولكن الفضائيات لم تظهر لتقديم خدمة مجانية ، وخبراء التخطيط الاستراتيجي في الاعلام يقولون ان المشاهد لا يعرف احتياجاته الثقافية ، نحن نعرفها لكن هو لديه رغبات نحن نلبي رغباته ولكن نقدم له مايحتاجه فعلا فهم بالتالي يعبرون عن رغبات المخططين لا رغبات المشاهدين ، وبهذه الطريقة يجري بناء وتوجيه الرأي العام . في العالم العربي اغلب القنوات لاتبث رسالة متميزة بل وجدت لصرف اموال زائدة من عوائد النفط التي لا تنتهي فهي معروفة بالتخبط والتقليد الاعمى للفضائيات الغربية حتى اصبحت اداة لترويج نمط ثقافي غريب متغرب يعتمد اللذة والاباحية وتوفير بيئة بصرية مقطوعة من اجواء المجتمع الغربي مدفوعة بقوة الى محيط جديد بدا يتعلم التمرد على التقاليد والمحرمات في جهد معاكس تماما لجهود المؤسسات الدينية التي تريد بناء الفرد والاسرة على اساس الضوابط الشرعية كما تقول ، الفضائيات العربية اصبحت جزء من ظاهرة العولمة الثقافية ، وعندما ننتقد العولمة يغضب بعض المفكرين العرب ويعتبرونها نتيجة طبيعية لتطور المعلوماتية والاتصال والنقل السريع وليست مؤامرة ، يقولون : اذا كان هناك انسان يؤمن بالله واليوم الآخر ويؤمن بالرسالة والرسول والموت والمعاد وان الله يبعث من في القبور ، فلماذا يذهب الى القنوات الاباحية او المواقع المحرمة وهل اجبره احد على ذلك ؟ ويقولون : ان الذين اخترعوا هذه الاجهزة او الذين صنعوا هذه الافلام والمواد الاباحية لم يجبروا أحدا على مشاهدتها ، بل جعلوها مشفرة وتفتح مقابل اموال ، فمن اجبرك على شراء ستلايت ونصبه فوق السطح وقضاء ساعات في التقاط وتثبيت الاقمار الاجنبية ؟ وقضاء ساعات في مشاهدة المواد الاباحية ؟ ثم هل ان قناة روتانا الخاصة بالغناء الاباحي غربية أم عربية ؟ وهل ان مجموعةMBC التي تضم قنوات افلام ومنوعات ورياضة وغير ذلك غربية ام عربية ؟ اليس هناك دول عربية واسلامية بارعة في انتاج الافلام السينمائية التي يتم ترويجها على اساس الاثارة والجنس وتحريك غرائز المراهقين ؟ ألم تستغل تجارة السينما في العالم الاسلامي الحرمان والكبت الجنسي والفقر الذي يحول دون الزواج لاثارة غرائز الشباب ؟ وهي ليست متآمرة على الآخرين بل تمارس تجارة رابحة ، والممثلة العربية المسلمة المعروفة بادوار الاغراء والاثارة تتحدث على الشاشة لتقول انها تفتخر باحتلالها المركز الاول بهذا الفن في العالم العربي ثم تحمد الله تعالى الذي وفقها للوصول الى هذا المستوى! ليست هناك مؤامرة فالممثلة لاتميز بين الحلال والحرام ، كذلك ربما لا توجد مؤامرة ثقافية تقف وراء العولمة ، بل يقف وراءها استعدادات مجتمع له قابليات معينة فهو يتقبل الحكام المستبدين ، ويتقبل فقدان الحريات الاساسية ، ويتقبل الانسياق وراء ثقافة اللذة والاباحية ، ويتقبل البقاء كمجتمع استهلاكي يقلد الآخرين بطريقة سطحية ، من اجبر الشباب العرب والمسلمين على لبس الجينز وحلاقة الشعر باسلوب السبايكي ، احد الشبان بعد عودته من الحلاق شوهد على قفاه مرسوم بآلة الحلاقة حرفY وهو الحرف الاول من اسمه بما يشبه الاشارة التي يحفرها حلاق النعاج على جلودها بعد حلق الصوف لتمييزها عن نعاج الآخرين ، الحلاق والمحلوق كلاهما عربي عراقي مسلم فأين المؤامرة ؟ هل نحتاج الى مؤامرة لكي نفعل بأنفسنا الافاعيل ، شيخ جليل عاتب ذلك الشاب الذي حفروا على قفاه الاشارة النعاجية وتكلم معه ربع ساعة حول الاصالة والانتماء الثقافي مستخدما العقل والنقل والقرآن والسنة وعندما ترك له المجال ليعرف رده اجاب ذلك الشاب وهو يضحك : (يابة دروح والله انت قديم ذكرتني بزمان اللي كان الدينار خشب والاعدام بالراشديات).
https://telegram.me/buratha