حافظ آل بشارة
لاتصلح هزيمة العرب في الخامس من حزيران ان تكون ذكرى تأريخية لان الاطراف ذات العلاقة بتلك الهزيمة مازالت موجودة ولم يتغير شيء في اللعبة ، اصحاب نظرية المؤامرة يعتقدون ان هناك تمثيلية تاريخية فيها لكل حاكم عربي دور محدد والهدف دعم نشوء وتوسع اسرائيل ، يقولون أن الخامس من حزيران كان جزء من تلك التمثيلية حيث خرجت اسرائيل من الحرب بأحتلال مناطق جديدة فيما خرج العرب منها بهزائم جديدة ، ويضيفون القول بأن الحكام العرب هم اصدقاء سريون لاسرائيل مهمتهم جلب الاحباط لشعوبهم وجلب الانتصارات لها ، مناقشة اصحاب نظرية المؤامرة لا تؤدي الى نتيجة لأن حججهم قوية وادلتهم دامغة ، هناك حقائق لايمكن تجاهلها أو تغطيتها بالاناشيد الحماسية والقصائد الحربية منها ان اسرائيل اصبحت دولة نووية في المنطقة وعضوا في الامم المتحدة والعرب يخافون منها الى درجة انهم حذفوا عبارة الكيان الصهيوني من خطاباتهم واخبارهم واصبحوا يسمونها (اسرائيل) كما تريد ، وترعبهم قوانين معاقبة اعداء السامية ، وما يسمى بالتطبيع والتسوية وحل المشكلة الفلسطينية هي عبارة عن سلسلة تنازلات عربية متواصلة يقابلها تمسك اسرائيلي بكل اهدافها الثابتة ، اسرائيل اصبحت مثالا لدولة ناشئة تحقق نموا متزايدا في اقتصادها وتواصلها مع العالم كما اصبحت مثالا للديمقراطية واستطاعت ان تخترق العالم العربي سرا وعلنا على الاصعدة التجارية والسياسية والثقافية ، اما العرب فقد عرفوا بتسويق التهديدات ولكن بعد هزيمة الخامس من حزيران تناوب العرب على المتاجرة بفلسطين فكان كل حاكم عربي يأتي الى كرسيه وفي رأسه خطة لكيفية تسويق نفسه كمحرر لفلسطين لتنزل معه تشكيلة من الاناشيد الحماسية التي تثقب الاذن حول فلسطين ، وقد فعلها جمال عبد الناصر ، وحافظ الاسد ، ومعمر القذافي ، وعبد السلام عارف ، والملك حسين وغيرهم ، العرب تاجروا بفلسطين حتى ملوا ثم بدأوا حقبة التطبيع وفي ذروة زمن التطبيع خاض حزب الله في لبنان معركة منفردة ومنتصرة ضد اسرائيل في تموز 2006 اعادت تشكيل المعادلة واثبتت ان قوى الرفض في المنطقة مهما كانت صغيرة ومطوقة جغرافيا قادرة على تخريب التطبيع واعادة المشكلة التأريخية الى المربع الاول ، حزب الله قدم نموذج من يضحي فارضا شروطه ضد نموذج من يتاجر بفلسطين عبر استعراض اعلامي بارد ، في هذه الايام كان آخر المتاجرين بفلسطين اخواننا الاتراك ، ومشكلة انقرة انها تريد الاكل على جميع الموائد ، تريد الانضمام الى الاتحاد الاوربي وهم كفار وتريد قيادة الاسلام الحاكم ! وفي الوقت نفسه تقيم علاقات صداقة مع اسرائيل وعلاقات صداقة مع الفلسطينيين وكل العرب وتحاول استجلاب اموال الخليج اليها وتقول للحكومة العراقية انتم اخواننا وتقول لبقايا النظام البائد من الارهابيين والمطلوبين انتم اصدقاؤنا وتفتح للارهابيين التكفيريين ابواب اسطنبول ليعقدوا مؤتمرات يهددون بها الشعب العراقي وشعوب المنطقة ، الاتراك لا يديرون ظهورهم لاحد وقد يأخذون في احضانهم الاطراف المتناقضة تسكنهم أوهام التفوق العثماني القديم ولان الحراك التركي بدا مفضوح النفعية واكثر طمعا وشراهة وارتباكا ، لذا ترى شعوب المنطقة ان الحراك التركي باتجاه فلسطين هو مجرد نقلة تعطي للمتاجرة بفلسطين وجها جديدا ، فقد تم تتريك اللعبة مقابل التعريب او الأمركة ، والنتيجة نفسها . اسرائيل تفهم هذه اللغة لذا كانت ضربتها لسفينة السلام الاخيرة بكل هذه القسوة ضربة لاسقاط لاعب آخر يريد دخول بورصة تحرير فلسطين . جريمة اسرائيلية جديدة لأجبار انقرة على فهم حدودها و هي تتلقى درسا من تلك الدروس التي تلقاها التجار السابقون وتاكيد للقاعدة القائلة ان بقاء القضية الفلسطينية في دائرة الحكام سيبقيها مشروعا تجاريا الى اجل غير مسمى .
https://telegram.me/buratha