عادل العتابي
في الساعة الواحدة بعد منتصف ليل الحادي والعشرين من شهر كانون الثاني من العام 2000 تسلق ضباط ومراتب المخابرات العراقية سطح داري ودور الجيران فيما اقتحم عدد منهم يرافقهم مختار المنطقة الدار ووصلوا الى غرفة نومي بسرعة لم اتمكن من خلالها ان انسى باني كنت نائما في فراشي الدافيء في ليل شتائي بارد،قال كبيرهم وهو ينظر في هويتي :نحن اخوتك من جهاز المخابرات اذا ممكن ان تتفضل معنا لمدة خمس دقائق فقط،وتعود بعدها الى الاهل.من خلال تجاربي مع رجال السلطة شعرت باني لن اشاهد عائلتي بعد تلك الكلمات وصدق ذلك الضابط في كلامه اذ بقيت لمدة تزيد عن السنة واربعة شهور في الحاكمية؟وكأنها خمس قرون وليس خمس دقائق كما قال صاحبنا.في سجن الحاكمية الرهيب وهو الموقف الخاص بجهاز المخابرات العراقية في ذلك الزمن الاغبر يتحول الانسان الى مجرد رقم وينسى تماما اسمه وكنيته ولقبه من خلال قسم الامانات والذي يصله الموقوف كأول الاقسام في جهاز (حنين) وهذا هو الاسم الثاني للحاكمية والذي اطلقه صدام شخصيا على جهاز الحاكمية وهو جهاز معقد وكبير يضم ابرع رجال المخابرات العراقية،واكثرهم خبثا ودهاء. في الامانات وبعد ان خلعت كل ملابسي ووضعتها في كيس معد لهذا الغرض تسلمت بجامة نوم مكونة من قطعتين غير متشابهتين في الغالب،مع نعلين من البلاستك المعاد والممزق ربما يكون احدهما بلون اسود والاخر بلون احمر،ومن المتوقع ان يكون كل منهما بحجم مختلف،وكلاهما لجهة واحدة من القدم كأن يكون الاثنان للقدم اليمنى او كلاهما للقدم اليسرى!،كما يتم تجهيز الموقوف ببطانيتين فقط واحدة تستخدم كفراش والثانية كغطاء ويختفي في كل سجن الحاكمية شيء اسمه الوسادة،ربما حتى لايحلم الموقوف باية احلام وردية!،وبعد ان تسلمت التجهيزات البالية والقديمة مددت يدي المرتجفة من الخوف والرعب الى الضابط المسؤول وبطلب منه ليكتب مسؤول الامانات على احدى اليدين رقما يبقى مع الموقوف الى اخر لحظة يعيش فيها في موقف الحاكمية.كتب ضابط المخابرات رقم (57) على معصمي ووضع خطين تحته ثم هزني ونهرني بقوة قائلا بصوت مرعب:هذا هو رقمك لاتنساه ابدا وانسى تماما ان اسمك (عادل) واذا ما سمع احدهم بانك تقول (عادل) فان تلك هي نهايتك،وفي موقف مسرحي وتمثيلي هزيل قال الذي كان يقف بجوار الضابط ليأخذني الى المجهول :ما أسمك ؟ قلت بصوت منخفض ومحبوس ومرتجف: 57 ! ضحك الضابط وقال بالصوت نفسه:جييييددخلت بعد لحظات الى غرفة حمراء كانت تحمل هي الاخرى رقما وكأننا سوية انا والغرفة مجرد رقمان في الحاكمية مع ان رقمها كان (37)،فتح السجان باب الغرفة وكأنه باب لقاصة كبيرة تضم اشياء ثمينة،وفي الثلث الاول من الباب ومن الاعلى يوجد شباك صغير مصنوع من الحديد ولايحتوي على اية فتحة وفيه اقفال عديدة،الغرض من ذلك الشباك ادخال الطعام للنزيل،ويحرص ضباط الحاكمية على كتابة لافتات على بعض تلك الشبابيك مثل (لايفتح مهما حدث) او (يفتح بامر السيد المدير) وغير ذلك من عبارات النهي.دخلت الى الغرفة كان لونها احمر ووجدت فيها انية من البلاستك الاحمر فيها الكثير من الحساء (الشوربة ) وقد تجمدت من شدة البرد او لمرور وقت طويل على وجودها في تلك الغرفة،وقلت في نفسي ربما خرج هذا الموقوف الى الحرية والهواء والشمس قبل ان يتناول طعامه،كنت وحيدا في الغرفة اذ عرفت فيما بعد بانها غرفة التوقيف الانفرادي ومع ذلك كان معي عدد كبير من الصراصير الحمراء التي تلعب في ارضية الغرفة وجدرانها بكل حرية.كان خياري الوحيد ان استلقي على بطانية واحدة ممزقة وان اضع تلك الانية بعد ان نظفتها من الحساء تحت رأسي كوسادة من البلاستك ؟ واستخدم البطانية الاخرى كغطاء واردد في نفسي :نام نوم العوافي ...؟
https://telegram.me/buratha