المقالات

معالم من دور الامام الصادق (عليه السلام) في حياة الامة / الحلقة الرابعة

1238 09:54:00 2010-05-31

احمد الربيعي

ينبغي ان نشير ان منصب الخلافة في الاسلام له خصائصه التي تجعله متميزا عن الحكام في بقية الانظمة الاخرى. فالخلافة ليست جهازا سياسيا فحسب بل هي جهاز سياسي - ديني واطلاق لقب الخليفة على الحاكم في الدولة الاسلامية يؤيد هذه الحقيقة، فهو في الواقع خليفة النبي الاكرم (صلوات الله عليه وآله) .الخليفة في الاسلام يتحمل المسؤوليات السياسية والدينية معا، هذه الحقيقة الثابتة دفعت الخلفاء الذين جاءوا بعد الخلفاء الاولين والذين كانوا ذوي حظ قليل في علوم الدين، او لم يكن حظا اصلا، دفعتهم الى سد هذا النقص عن طريق رجال دين مسخرين لهم، فاستخدموا فقهاء ومفسرين ومحدثين في بلاطهم ليكون الجهاز الحاكم مستوفي لشروط الخلافة الاسلامية من خلال حاكمية الدولة الساسية والدينية وقد تدخلت الدنيا والشيطان لايجاد نماذج فظيعة من واضعي الاحاديث ومزوري التفسير والتفسير بالرأي حيث مدت يد العون للحكومة في تشريع حكمها وبطشها للرعية.هذا العمل الذي اتخذ في البداية (حتى اواخر القرن الهجري الاول) شكل وضع رواية او حديث، راح تدريجيا ياخذ طابع الفتوى ، ولذلك نرى في اواخر عصر بني أمية وأوائل عصر بني العباس ظهور فقهاء كثيرين استفادوا من اساليب مفضوحة وهزيلة في اصول استنباط الحكم الشرعي ليصدروا الاحكام وفق اذواقهم التي كانت في الواقع اذواق الجهاز الحاكم.من هنا انقسمت العلوم الاسلامية (الفقه والحديث والتفسير) منذ اقدم العصور الاسلامية الى تيارين:1) التيار الاول : تيار مرتبط بجهاز الحكومة الظالمة الغاصبة ، يمتاز بتحريف حكم الله لقاء دراهم معدودات يكون اداة بيد الحاكم الظالم ليبرر الظلم والتعسف في حق المستعضفين.2) التيار الثاني : التيار الاصيل الامين الذي لا يرى مصلحة ارفع واسمى من تبيين الاحكام الالهية الحقة واخراج الناس من الجهل والظلمة الى المعرفة والنور، وكان يصطدم - شاء ام ابى - في كل خطوة من خطواته بالجهاز الحاكم ووعاظ السلاطين، ولذلك اتجه منذ البدأ اتجاها شعبيا في اطار من الحيطة ولاحذر.ومن ذلك ندرك ان ((الفقه الجعفري)) لم يكن على النقيض مع الجهاز الحاكم ومن يمثله من فقهاء في الجانب الفكري والعقائدي وحسب، بل كان الاختلاف يستمد وجوده من المحتوى الهجومي المعارض ايضا، كانت ألية عمل هذا التيار تعتمد على اثبات خواء الجهاز الحاكم وفراغه من كل مضمون ديني ، وعجزه عن ادارة الشؤون الفكرية للامة، وبعبارة اخرى عدم صلاحيته للتصدي لمنصب الخلافة وقيادة المجتمع المسلم، اما البعد الاخر الذي يتحرك عليه هذا التيار (الجعفري) هو تشخيص موارد التحريف في الفقه الرسمي - الحكومي - هذه التحريفات القائمة على اساس فكر ((مصلحي)) في بيان الاحكام الفقهية ومداهنة الفقهاء للجهاز الحاكم . الامام الصادق (عليه السلام) بنشاطه العلمي وتصديه لبيان احكام الفقه والمعارف الاسلامية وتفسير القرآن بطريقة تختلف عن طريقة وعاظ السلاطين قد اتخذ وبشكل عمليا موقف المعارض تجاه الجهاز الحاكم ، الامام بنشاطه هذا يلغي كل الجهاز الديني والفقهي الرسمي الذي يشكل احد اضلاع حكومة الظالمين ويفرغه من المحتوى الديني الذي يتحجج به على الرعية . الجهاز الحاكم العباسي وخاصة في عهد المنصور الذي كان يمتلك حنكة ودراية من تجربة اكتسبها من خلال الصراع مع دولة بني امية قبل وصوله الى السلطة وكرسي الحكم، كان يعي المسائل الدقيقة في نشاطات البيت العلوي، وكانت السلطة العباسية على احاطة تامة بما يمكن ان يؤديه هذا النشاط العلمي الجماهيري ، من توعية الرعية واخراج الخوف منهم وتربية الافراد على المواجهة بالحكمة والدليل العلمي ، هذا ادى الى وجود تهديدات وضغوط كانت تحيط بنشاط الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه صلوات الله وسلامه) ، حيث استغل الامام ضعف الدولة الاموية عند اقتراب نهايتها وتوسع في نشاطه وفتح المدارس في الحجاز والعراق وخراسان ومصر وبلاد المغرب الاسلامي، وحتى عند استلام بني العباس للسلطة فقد كانت الحكومات وكما هو معروف عند بداياتها ضعيفة بالاضافة الى ان شعار بني العباس في الثورات التي انفجرت بوجه بني امية اتخذت (يالثارات الحسين) لذلك اضطر الحاكم العباسي ان يغض الطرف عن نشاطات الامام ، غير ان المنصور وكما اسلفنا تنبه للدور الذي يريد ان يضطلع به الامام فقام بمواجهة الامام عن طريقين ، الاول المواجهة المباشر، حيث استدعي الامام ولاكثر من مرة لبلاط المنصور الدوانيقي وقام الحاكم بتوجيه التحذير والتهديد والوعيد للامام ، والاتجاه الثاني اتخذ اسلوب المواجهة الغير مباشرة، حيث جمع المنصور عدد من فقهاء ومحدثين ورواة الحديث من الحجاز والعراق في بلاطه وطلب اليهم ايقاف المد الجعفري عن طريق اطلاق عدة فتاوئ واحاديث وتخريج مسانيد حديث تحاول تقييد دور الامامة والغاء دور آل ابي طالب.وفي حديث الامام الصادق (عليه السلام) وتعاليمه لأصحابه ومقربيه كان يستند الى ((خواء الخلفاء وجهلهم)) ليستدل على انهم في نظر الاسلام لا يحق لهم أن يحكموا. ونحن نشهد هذه الصيغة من الهجوم على الجهاز الحاكم بوضوح وصراحة في دروسه الفقهية، يروى عنه (عليه السلام) نحن قوم فرض الله طاعتنا وانتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته (الكافي ج1ص186)، أي ان الناس انحرفوا بسبب جهل حكامهم وولاة امورهم، وسلكوا سبيلا غير سبيل الله ، وهؤلاء غير معذروين لدى الله ، لان اطاعة هؤلاء الحكام كانت عملا انحرافيا فلا يبرر ما يستتبعها من وقوع في الانحرافات. كما ذكرنا من قبل، فإن حكام بني العباس الاوائل الذي قضوا سنين قبل تسلمهم السلطة في نفس اجواء الجهاز العلوي والى جانب انصار العلويين ، كانو على علم بكثير من الخطط والمنعطفات وكانو متفهمين لدور الهجوم والمواجهة الذي يؤديه هذا النشاط في الفقه والحديث والتفسير اكثر من اسلافهم الامويين، وقد يكون هذا هو السبب الذي دفع المنصور العباسي في مواجهاته مع الامام الصادق (عليه السلام) أن يمنعه من الجلوس في حلقات التدريس وعن تردد الناس عليه ، حتى ان المفضل بن عمر (وهو من خلص اصحاب الامام) يقول ؛ أن المنصور قد كان هم بقتل ابي عبد الله (عليه السلام) غير مرة، فكان اذا بعث اليه ودعاه ليقتله فإذا نظر اليه هابه ولم يقتله، غير انه منع الناس عنه ومنعه من القعود لناس، واستقصى عليه اشد الاستقصاء، حتى انه كان يقع لاحدهم مسألة في دينه في نكاح او طلاق او غير ذلك فلا يكون علم ذلك عندهم ، ولا يصلون اليه فيعتزل الرجل اهله فشق ذلك على شيعته وصعب عليهم . (المناقب ، ابن شهر اشوب، ص238)احمد الربيعي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك