أحمد الربيعي
روي في البحار عن (عمرو بن ابي المقدم) في يوم التاسع من ذي الحجة ، اذ اجتمع الحجاج في عرفة لأداء مناسك الوقوف ، وقد توافدوا على هذا الصعيد من كل فج عميق، من اقصى خراسان حتى سواحل الاطلنطي، والموقف حساس وخطير، والدعوة فيه تستطيع أن تجد لها صدى في اقاصي العالم الاسلامي ، انضم الامام (سلام الله عليه) الى هذه الجموع الغفيرة المحتشدة ـ ليوصل اليها كلمته ـ حيث يقول الراوي ، رأيت الامام قد وقف بين الجموع ورفع صوته عاليا وينادي :(( أيها الناس أن رسول الله كان الامام ثم كان علي بن ابي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم ....)) فينادي ثلاث مرات من بين يديه وعن يمينه وعن شماله ومن خلفه، اثني عشر صوتا. البحار ج107 ص 58.ورواية اخرى ينقلها ((ابي الصباح الكناني )) حيث يقول ، قال لي ابو عبد الله (عليه سلام الله) "يا ابا الصباح ، نحن قوم فرض الله طاعتنا ، لنا الانفال ولنا صفو المال، ونحن الراسخون في العلم، ونحن المحسودون..." البحار ج32 ص 199.وبذلك يعلن الامام (عليه السلام) حقه في قيادة الامة بأسلوب يجعله مرتبطاً بجده علي بن ابي طالب - ففي ابواب كتاب الحجة - من الكافي وكذلك الجزء (47) من ((بحار الانوار)) أحاديث كثيرة من هذا القبيل ، تتحدث بصراحة عن الدعوة والادعاء الذي صرح به الامام بأحقيته بالامامة .ولاثبات هذه الحقيقة التاريخية امامنا شواهد عن شبكة منظمة لدعوة الامام (عليه السلام) في جميع ارجاء العالم الاسلامي ، حيث ندرج لاحقا مجموعة من الاعمال والنشاطات التي تؤكد فكرة النشاط الاجتماعي والسياسي الذي يرتبط بمفهوم الامامة للمجتمع:1) ثمة ارتباط منظم فكري ومالي بين الائمة (عليهم السلام) واتباعهم، حيث كانت الاموال تحمل من اطراف العالم الاسلامي الى المدينة المنورة وكذلك الاسئلة والاستفتاءات الدينية كانت تتقاطر عليها.2) اتساع الرقعة الموالية لآل البيت (عليهم السلام) وخاصة في البقاع الحساسة من العالم الاسلامي.3) تجمع عدد غفير من المحدثين والرواة من مختلف اقطار العالم الاسلامي حول الامام في المدينة.ولابد من الاشارة أن هذه الظواهر حدثت في ظل سيطرة سياسية كانت تستهدف الغاء حتى اسم علي وآل علي (عليهم سلام الله) ، فضلا عن محاربة اتباعه والتضييق عليهم في كل شيء، بل وسب أمير المؤمنين على منابر المسلمين، بالاضافة الى القتل الجماعي والمقابر الجماعية والحصار الاقتصادي والاجتماعي وبشكل خاص على العلويين.وهنا يمكن اثارة سؤال ، وهو ؛ كيف أمكن في مثل هذه الظروف خلق قاعدة شعبية عريضة موالية لآل محمد (صلوات الله عليه وآله) تطوي مئات الاميال للوصول الى الحجاز لتأخذ الاسلام النقي الاصيل من آل محمد وتتحدث معهم في موارد ابتلاء الانسان في كافة المجالات، واهمها الثورة الاجتماعية على الوضع الفاسد؟؟، إلا يدل كل هذا على وجود شبكة منظمة للدعوة الى امامة أهل البيت بالمعنى الكامل للامامة. ثانيا : بيان الاحكام وتفسير القرآن وفق ما ورثته مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عن الرسول الاكرم (صلوات الله عليه وآله)هذا النشاط يمكن ملاحظته ايضا في حياة الامام الصادق (عليه السلام) بشكل متميز عما نراه في حياة بقية الائمة ، حتى سمي فقه الشيعة بـ ((الفقه الجعفري)) ويمكن ملاحظة ان الذين ينكرون النشاط السياسي للامام يجمعون على انه كان يدير اوسع او واحدة من اوسع الحوزات الفقهية في زمانه، غير ان الذي لم يلتفت اليه الباحثون المفهوم السياسي ومفهوم المواجهة مع السلطان الجائر من خلال هذا النشاط.ينبغي ان نشير ان منصب الخلافة في الاسلام له خصائصه التي تجعله متميزا عن الحكام في بقية الانظمة الاخرى. فالخلافة ليست جهازا سياسيا فحسب بل هي جهاز سياسي - ديني واطلاق لقب الخليفة على الحاكم في الدولة الاسلامية يؤيد هذه الحقيقة، فهو في الواقع خليفة النبي الاكرم (صلوات الله عليه وآله) الخليفة في الاسلام يتحمل المسؤوليات السياسية والدينية معا، هذه الحقيقة الثابتة دفعت الخلفاء الذين جاءوا بعد الخلفاء الاولين والذين كانوا ذوي حظ قليل في علوم الدين، او لم يكن لهم حظا اصلا، دفعتهم الى سد هذا النقص عن طريق رجال دين مسخرين لهم، فاستخدموا فقهاء ومفسرين ومحدثين في بلاطهم ليكون الجهاز الحاكم مستوفي لشروط الخلافة الاسلامية من خلال حاكمية الدولة السياسية والدينية وقد تدخلت الدنيا والشيطان لايجاد نماذج فظيعة من واضعي الاحاديث ومزوري التفسير والتفسير بالرأي حيث مدت يد العون للحكومة في تشريع حكمها وبطشها للرعية.
https://telegram.me/buratha