د.محمد احمد جميعان
قد تختلف خطابات الامين العام لحزب الله حسن نصرالله عن خطابات القادة والزعماء الاخرين ، والاختلاف هنا نابع من كون خطابات القادة والرؤساء تعد من قبل مجموعة متخصصة من الموظفين في البيت الابيض او ديوان الرئاسة او المستشارين وهكذا حسب التسميات لكل دولة مع ملاحظات عامة من صاحب الخطاب نفسه ..لكن خطابات زعيم حزب الله ومن خلال متابعاتي يهيأ لي انها تعد من خلال اجتماع مطول يتراسه نصرالله نفسه وذلك بحجم اهمية الخطاب مع مجموعة من معاونيه ذوي الراي والقيادة يتداولون خلاله الافكار والتفاصيل والرسائل المراد توصيلها والهدف من الخطاب فضلا عن طبيعة المناسبة ..
وحتى لا اطيل فان خطاب الروئساء والزعماء المعتاد هو افكار وصياغة الموظفين مع ملاحظات منه بمعنى ( شغل موظفين ) ،بينما خطاب نصرالله هو افكار وصياعة الامين العام وكبار معاونيه المعنيين بالامر ( شغل معلم ) ، لذلك نرى الخطاب دقيق ومؤثر يوصل الرسائل كما يجب وله نتاج وثمار تقطف بعد الخطاب ، ومن يود قراءة خطابات نصرالله في ذكرى التحرير على وجه الخصوص يحتاج الى بحث مفصل ليقف عند كل كلمة وعبارة وفقرة وفكرة ليدقق ويستوعب المرامي والمحتويات والنتائج..
من هنا فانني اتناول جزئية من الخطاب فقط والذي جاء في ذكرى التحرير ، وهو ما يتعلق بتطوير منظومة الصواريخ لديه لا سيما البحرية منها لتطال السواحل او المياه الاقليمية لفلسطين بالكامل ،والذي ورد نصه في الخطاب "اليوم نريد إضافة المياه إلى اليابسة... وطبعا ليس المقصود إرسال سفن للمقاومة إلى المياه الدولية لقطع الطريق على أي سفن آتية إلى موانئ فلسطين المحتلة ـ وإنما أريد أن أضيف على معادلة المطار بالمطار والميناء بالميناء لأقول لهم، في أي حرب مقبلة تريدون شنها على لبنان إذا حاصرتم ساحلنا وشواطئنا وموانئنا فإن كل السفن العسكرية والمدنية والتجارية التي تتجه إلى موانئ فلسطين على امتداد البحر الأبيض المتوسط ستكون تحت مرمى صواريخ المقاومة الإسلامية. أنا أتحدث الآن عن البحر الأبيض المتوسط..." فما هي الدلالات وما هي النتائج :
1ــ لم اقرأ يوما ان احدا من المحللين او الخبراء اوالمخططيين العسكريين تنبه الى فكرة تطويق المياه الاقليمية لدولة الاحتلال الاسرائيلي بنيران كفيلة بمحاصرته ، وهي فكرة ولاشك تسجل لحزب الله وفيها من عمق التفكير والتخصص والابداع والريادة والسبق الذي ينم عن تركيز دؤؤب في كيفية التخلص من السرطان الذي زرع في جسم الامة .
2ــ ان عمق هذه الفكرة العبقرية تتمثل في ان السواحل الفلسطينية التي تقيم اسرائيل عليها المرافئ والموانئ البحرية هي الشريان الاهم وخط التموين الاكبر وطريق المواصلات الاعظم الذي يمد اسرائيل ويجعلها تقف على قدمي كيانها ، وذلك اذا ما علمنا ان نحو 73 % من التجارة والتموين والتسليح ينقل عبر هذه الموانئ وان نحو26.5% فقط ينقل اما عبر ميناء ايلات على خليج العقبة او جوا،وما تبقى أي نحو اقل من 0.5 % هو تبادل سلع ومسافرين وسواح عبر المعابر مع الدول المجاورة لاسرائيل .
3ــ من هنا فان تهديد هذا الشريان ، وانه اصبح في مرمى صواريخ حزب الله يعني ان طريق التجارة والتموين والتسليح للكيان الاسرائيلي اصبح تحت رحمة وقرار حزب الله ، وان الامان والامداد وادامة التجارة المتبادلة مع العالم يجب ان يكون بموافقة غير مباشرة من حزب الله، وما على هذا الكيان سوى الاذعان والاستسلام او الحرب التي ابلغهم عنها السيد حسن نصرالله بانها ستغير وجه المنطقة ، ويعني بذلك ان منطقة بدون اسرائيل هي انظف واحلى واكثر امان واستقرار بعد زوال هذا الكيان .
4ــ على اسرائيل بعد الان ان تخاف حقيقة على كيانها من الموت البطيء من عدم قدوم السفن اليها او تردد اوتلكؤ السفن من القدوم اليها عندما تستشعر الخطر او تقع حرب او مناوشات فضلا عن الموت السريع بضربة قاسمة ، لان شريان بقائها وخطوط تموينها الاستراتيجية اصبحت غير آمنة وفي مرمى صواريخ حزب الله وتحت امرته وارادته ورجائه. فاذا كانت اسرائيل تخشى على نفسها من الزوال واصبحت محمومة في اجراء المناورات المتتالية والمتتابعة في السابق فان عليها بعد الان وبعد هذه المنظومة ان تدرك ان مناوراتها في وادي الغباء ولا علاقة له بطريقة ومنهجية وعمق المخططين والقادة في حزب الله،بل وان تخطيط حزب وتسليحة في صلب زوال كيانها الغاصب ، حقيقة لا تقديرات ولا تخمينات ولا اراء ، بل وقائع اعلن عنها امين حزب الله نفسه .
5ــ وهنا قد ياتي من يقول او يسأل وكم يمتلك حزب الله من هذه الصواريخ ليحاصر هذه السواحل ان استطاع الى ذلك سبيلا ؟ والجواب هنا يختلط فيه علم النفس والقدرة والتكتيك والمناورة وكيفية استخدامها ، وان قل او ضعف دقة تصويبها لان اصابة ناقلة واحدة او تدمير سفينة او اغراق مركب قد يمنع نسبة كبيرة من السفن القدوم الى هذه الموانئ بل وقد يشهد الواقع موجة هجرة معاكسة لان الخطاب اشار بوضوح بانه لن يعتدي على أي سفينة مغادرة تنقل مدنيين من اسرائيل ..
6ــ بل قد ياتي من يقول ان ما قاله نصرالله ما هو الا مناورة لتخويف اسرائيل لا غير .. وهذه سطحية وسذاجة بحد ذاتها لان السياق والتاريخ والتجربة والمنهجية مع حزب الله تخالف ذلك تماما ،اذ ان الحرب النفسية هي تحصيل حاصل وقد اشار بذلك نصرالله عندما قال وكرر نريد ان نشغلهم ونخوفهم ولكن هذا الحديث المطول والتفصيلي عن قدرتهم الصاروخية الوصول للسواحل والمياه الاقليمية لفلسطين هو كلام واضح يحسب على حزب ومصداقيته لا سيما انه يصدر عن شخص الامين العام نفسه ولا اعتقد انه يضحي بهذه المصداقية وهذا الوعد، والاسرائيليون انفسهم يثقون بكلام نصرالله لانه مجرب عندهم ولم يسبق ان قال شيئا لم ينفذ .
7ــ استطيع ان اجزم لاقول ان ما قاله السيد حسن نصرالله في خطاب في ذكرى التحرير 2010 هو الاخطر على الكيان الاسرائيلي منذ قيام دولة الاحتلال، لانه مس منظومة الاستقرار والبقاء لللكيان نفسه واصبح هذا الكيان محل تهديد دائم وتحد متصاعد وفي واقع لايحسد عليه ، بل ان هذا الخطاب سيحدث زلزالا في هذا الكيان مهما حاولوا اخفاؤه سيظهر بعد حين.. فاذا كان ما قاله الامين العام هو الاخطر على هذا الكيان فان مالم يقله في الخطاب اوقاله بين السطور وثناياه تلميحا هو المفاجأة الاعظم من التهديد الاخطر والتي ستغير وجه المنطقة وقد ذكرها سريعا ولم يتوقف عندها طويلا ...
https://telegram.me/buratha