احمد عبد الرحمن
في تجربة فتية وحديثة العهد، مثل التجربة الديمقراطية العراقية، قد لايكون غريبا جدا القدر الكبير من التجاذبات والمماحكات والمناكفات السياسية بين مختلف الاطراف المشاركة في العملية السياسية، وقد لايكون غريبا الاختلاف بشأن تفسير مضامين ومحتويات الدستور، وقد لايكون غريبا ان يمثل مبدأ التوافقات السياسية وليس الاغلبية العددية الخيار الانجع والافضل لمعالجة واحتواء المشاكل والازمات.نضوج وتبلور وترسخ اية تجربة ديمقراطية يحتاج الى وقت طويل وتراكم سياسي وثقافي للخبرات والسلوكيات والمناهج والافكار، ومن غير المعقول ولا الممكن توقع تكامل تجربة مثل التجربة العراقية الجديدة خلال اعوام قلائل، ليس لان العراق كدولة ومجتمع يمتاز بخصوصيات معينة على الصعيد القومي والمذهبي والديني والطائفي، وشكل ظاهرة واضحة وجلية لعدم الاستقرار في مختلف الجوانب والمجالات فحسب، وانما لان البناء المؤسساتي الحقيقي للدولة من غير الممكن له ان يرتفع ويتماسك ويصبح رصينا وقويا، من دون ان تبرز على السطح كل نقاط التقاطع والافتراق، ومواضع الخلاف والاختلاف، ومطاليب وطموحات وتطلعات كل مكون من المكونات، فضلا عن مخاوفه وهواجسه.لاينبغي ان نحمل التجربة الديمقراطية الجديدة في بلادنا اكثر مما تحتمل، ولاينبغي ان نخضعها الى مقارنات ربما كانت غير موضوعية ولامنصفة مع تجارب اخرى تمتد عقودا-بل قرونا عديدة في عمق الزمن، ومرت كما هو الحال مع التجربة العراقية بتحديات ومخاطر كبرى، ولم تبلغ درجة النضوج والثبات والاستقرار الا بأستحقاقات باهضة ومكلفة. بيد ان هذا لايعني القبول بالواقع القائم على علاته، وترك الامور على عواهنها، بل لابد من تشخيص مواطن الضعف والقصور والخلل، ولابد من الاحتكام الى الدستور كمرجعية اساسية -او وحيدة-مع مايطرح على بعض مواده وفقراته من ملاحظات وتحفظات موضوعية ومعقولة ومقبولة.اذا كان هناك نقص وخلل فمن المفترض العمل على اصلاحه وتلافيه عبر السياقات والاليات الدستورية وبما ينسجم مع حقائق ومقتضيات الواقع، لا البحث في خيارات من شأنها ان تأتي على كل ما تحقق من مكاسب ومنجزات، وتعيدنا الى الوراء.
https://telegram.me/buratha