عادل العتابي
فتحت عيوني وانا اتلمس الحياة بوعي لاول مرة لاجد البراءة والمحبة في وجه والدتي وهي تحتظني فيما كانت الجدية والقسوة يميزان وجه والدي وهو ينظر اليّ بابتسامة وهو غير مبالي بوجودي بين يديه بسبب صعوبة الحياة وشدتها،وفيما راحت عيناي تتجولان في الغرفة التي نعيش فيها كانت هناك صورة وحيدة وجميلة في الغرفة تلك الصورة التي عرفت فيما بعد بانه لايكاد بيت من البيوت ان يخلو منها،احسست انه واحد من عائلتي،ربما هو الجد او الجد الابعد،او هو انتسابي لاهلي لاني لم اجد شجرة العائلة او اي شيء اخر معلق الى جانب الصورة،مع الايام قال والدي انه الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) امير المؤمنين وسيد الوصين،لم اتصفح بعد القراءة الخلدونية ولم اتمكن من ان افك طلاسم الحروف لكني واصلت شعوري الانساني المجرد بحب الاميرعلي بن ابي طالب(ع) من دون ان اعرف عنه اي شيء،لكني كنت اعرف ان اسم اخي الاكبر هو (علي)،التزمت بان انظر الى الصورة بقدسية كما يفعل والدي ووالدتي اذ يحرص الاثنين معا على ان يسلما على الامير كلما وقع نظرهما عليه وكانه موجود بالفعل في البيت ويكاد والدي ان يصافحه في كل مرة بعد ان ينتهي من السلام عليه،في احيان كثيرة تخترق دمعة محب خدود والدي عندما يمعن النظر في الصورة ويتمتم بكلمات تدل على ان الصورة وشخصها الكريم عنوان مهم جدا في الحياة،عرفت فيما بعد ان الامام هو اول واخر من ولد في فناء الكعبة ليومنا هذا،وقلت في نفسي ان هذه الولادة فخر ما بعدها فخر وانها حدثت في فناء الكعبة بامر ومشيئة من الله وليس من غيره،وان الفتى (ع) لم يسجد لصنم قط سواء كان هبل او لات،وانه اول القوم اسلاما وهذا مايسجل له لوحده وليس لغيره وهو الفضل العظيم من الله،كما انه الوحيد الذي نام في فراش الرسول عند الهجرة وكان نومه هنيئا غير خواف او مرعوب من القبائل التي تريد قتل الرسول وهو الدليل الاول على شجاعته،وانه الوحيد الذي برز الى عمر بن ود العامري بعد ان بح صوت الرسول ليخرج له احد الصحابة ممن هم اكبر عمرا من الفتى علي لان الامام عليا كان فتيا لايمكن ان يكون نظيرا لعمر بن عبد ود العامري لكن الله نصره بعد ان رجف الصحابة من الخروج الى من يعد بالف فارس وجندله علي بضربة واحدة باذن الله،هو الذي رفع باب خيبر بقوة ورمى به لمسافة لايمكن ان يحققها مجموعة من الابطال لكن الله نصره وحقق له رقما قياسيا لن يصل اليه احد ما زال النبض يسري في الحياة،كل ذلك هو الفخر بعينيه للامام ،كما عرفت انه زوج البتول الزهراء بنت الرسول الاكرم (صلوات الله عليه واله وسلم) وايقنت ان هذا الزواج كان بامر الله وليس بمشيئة الخاطبين وهذا فخر جديد للامام علي ،وهذا الزواج انجب الامامين الحسن والحسين،سيدي شباب اهل الجنة واختهما زينب بطلة كربلاء واللسان الناطق للفاجعة في الغاضرية وهو فخر عظيم للامام،ان يكون اولاده من محي الشريعة والاسلام بعد ان كاد الموت يغلف الاسلام وينهيه ،وعرفت ان الامام لم يكره شيئا في حياته سوى الفقر والسلطة فكم من مرة اراد ان يقتل الفقر الا انه لم يتمكن منه،وكم من مرة كانت السلطة على مقربة امتار او ضربة سيف منه الا انه كان يرفضها وكان يفضل اتفه الاشياء عليها،فصنع لنفسه مجدا هز التاريخ على الدوام،لم ياكل من صنفان سوية ويفضل ان يكون خبز الشعير واللبن مايتناوله،كما لم تصل الى معدته اكلات فيها من مخ العصفور وكبد البلابل وغيرهما من البطر السلطوي الاموي،وفي الكوفة في حكومة امير المؤمنين توقفت اجهزة النزاهة والمراقبة والتدقيق ابان حكمه لانه كان اكثر من نزيه واعظم من مدقق واكبر من مراقب على اموال المسلمين،فزت ورب الكعبة هي اخر ما منح الله الى الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) من صفات تتفوق على صفات الناس جميعا وتقل عن صفات النبوة بقليل،فبقى الامام خالدا وبقت تلك الصورة التي شاهدتها لاول مرة في بيتنا محفورة في ضمير العقل والقلب.
https://telegram.me/buratha